الهجرة المغربية بصيغة المؤنث.. آمال وتحديات

الثلاثاء, 07 مارس 2017

يخلد العالم في الثامن من مارس من كل سنة اليوم العالمي للمرأة، وهي مناسبة للوقوف عن فئة من النساء المغربيات المناضلات اللائي اشتغلن وما يزلن في الظل، وكن حجر الزاوية في بناء المجتمع المغربي كما كن على امتداد التاريخ عامل استقرار واندماج للهجرة المغربية.
وإذا كانت الميزة الأساسية للهجرة المغربية الحديثة هي ظاهرة التأنيث، حيث تمثل النساء أزيد من نصف المهاجرين المغاربة بالخارج، فإن الرهانات التي تواجه المرأة المغربية في دول الإقامة لا تختلف كثيرا عن انتظارات أشقائهن في المغرب بالرغم من اختلاف الظروف والإطار القانوني. فالمرأة المغربية في أمس الحاجة إلى الدفاع عن حقوقها وحفظ كرامتها لأنها مربية الأجيال السابقة والمستقبلية وأساس البناء البشري واستمرارية ارتباط شباب مغاربة العالم بالوطن الأم. 
تتنوع الهجرة المغربية النسائية، بين النساء اللواتي التحقن بأزواجهن في إطار التجمع العائلي، والنساء المهاجرات لأسباب اقتصادية من أجل تحسين ظروفهن الاجتماعية، بالإضافة إلى النساء اللواتي ينحدرن من الأجيال السابقة للهجرة المغربية واللائي طبعن على مسارات ناجحة في دول الإقامة… كلهن ساهمن في رسم صورة المرأة المغربية المثابرة والقادرة على رفع التحديات والمساهمة في البناء جنبا إلى جنب مع الرجل من دون كلل أو أدنى تمييز.
 لقد ولجت المرأة المغربية في الخارج عوالم السياسة والقانون والاقتصاد والثقافة والرياضة، وبلغت مكانة في العلم جعلتها تلقّنه لنخبة دول الإقامة، كما أن المرأة المغربية العاملة في المعامل والحقول  في دول الإقامة، وبلغت مناصب المسؤولية لدرجة تقلدها رئاسة البرلمان في هولندا، وعدة حقائب وزارية في فرنسا، وهي ممثلة للشعب في برلمانات إيطاليا وبلجيكا وكندا وتدير مراكز علمية مهمة في الولايات المتحدة، وتؤثث شاشات العديد من القنوات  الإخبارية في الخليج، وهي حاضرة في الدول الإفريقية تناضل جنبا إلى جنب مع شقيقاتها بل منخرطة في سبيل استقرار إفريقيا وسلمها، ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن تعيين المغربية نجاة رشدي كنائبة للممثل الخاص لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية إفريقيا الوسطى (مينوسكا)، حيث ستعمل أيضا كمنسقة مقيمة، ومنسقة إنسانية للأمم المتحدة بهذا البلد، وكذا ممثلة مقيمة لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، خير دليل على نضالات المرأة المغربية على كافة الأصعدة من أجل البناء والاستقرار والسلام.
كما أن المرأة المغربية المهاجرة تعمل في الحقول وفي معامل ومصانع التصبير وفي البيوت وفي الشركات، ولها منا كل الاحترام والتقدير لما تبذله من جهد وعرق جبين وتحدي الصعاب والمضايقات والمعاملات الغير اللائقة في بعض الأحيان؛ فهي ما فتئت تضرب المثال في المثابرة والجد والإصرار على الاعتماد على النفس والمضي قدما مما يجعلها تكسر الكثير من المفاهيم النمطية حول المرأة المغربية العربية والأمازيغية بشكل عام. كما أن في النساء المغربيات أمهات وأرامل العمال المغاربة الذين بنيت على سواعدهم النهضة الاقتصادية الأوروبية بداية من الستينات والسبعينات في ألمانيا وهولندا وفرنسا وصولا الى الدول الاسكندنافية... بقدر ما يبرز هذا التنوع تعددا في البروفايلات والمسارات وظروف الهجرة بقدر ما يطرح رهانات وتحديات على المؤسسات المكلفة بتدبير الهجرة المغربية ويجعلها أمام أسئلة مستجدة تتطلب أجوبة عملية تلبي مختلف الاحتياجات وتغطي أدق التفاصيل.
فالنساء المغربيات في الخارج خصوصا من ذوات التعليم المحدود يحتجن لمرافقة مستمرة للاستفادة من الحقوق التي يخولها لهن بلدهن الأصلي كمواطنات مغربيات كاملات المواطنة، وكذا الحقوق التي تكفلها لهم الإقامة لمدة طويلة في الخارج، كما أنهم في أمس الحاجة إلى اتفاقيات مع دول الإقامة من أجل نقل حقوقهن الاجتماعية من تقاعد وتغطية صحية إلى بلدهم الأم حتى يضمن حياة كريمة ولا تصبح هودتهن الى الوطن مجرد سراب يترأى لهن لكنه صعب المنال، إن لم يكن مستحيلا.
من جهة أخرى فإن السيدات  المنتميات إلى الجيل الثاني والثالث من الهجرة المغربية هن مواطنات يتنفسن هواء المغرب، وكفاءات في جميع المجالات يشكلن ثروة وطنية يمكنها المساهمة في تنمية وطنها الأم، ورافعة لإشعاع المغرب على الصعيد الدولي، لذلك فإن مسألة إدماجهن في المؤسسات الوطنية والاستفادة من تجاربهن المهنية والعلمية هي أولوية وطنية ومفتاح أساسي لنجاح الأوراش الكبيرة التي تراهن عليها المملكة على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
هذا من دون أن ننسى النساء المهاجرات المتواجدات في وضعية هشة في دول إفريقية وآسيوية وحتى أوروبية، واللواتي  من حقهن كمواطنات مغربيات أن تولى لهن العناية اللازمة في السياسات العمومية ولا يتركن وحيدات في مواجهة مصيرهن وظروفهن الصعبة سواء في بلدان المهجر أو في بلدهم الأصلي، وهو عمل عميق ومعقد يتطلب تظافر جهود جميع الفاعلين المؤسساتيين والمجتمعيين والسياسيين.
إن طريق الهجرة النسائية المغربية لم يكن دوما مفروشا بالورود، فالنجاحات التي حققنها جاءت نتيجة عمل دؤوب ومحاولات متواصلة تطلبت منهن النهوض لمرات عديدة من الكبوات ومواجهة العراقيل، وأقل ما يمكن ونحن نشاطر العالم اليوم الدولي للمرأة هو تسليط الضوء على هاته الفئة من المواطنات المغربيات والتذكير بوجودها وبنضالاتها الصامتة وبمعاناتها وإنجازاتها، من أجل التعمق في فهم إشكالياتها والإلمام بمطالبها والعمل على تحسين ظروفها والاستفادة من خبرتها وحفظ كرامتها داخل الوطن وخارجه.فكل عام والمرأة المغربية المهاجرة بألف خير، ورحم الله النساء المغربيات المهاجرات اللائي سقطن ضحايا الأعمال الإرهابية في إفريقيا وفي أوروبا.

الصحافة والهجرة

Google+ Google+