مونية رزق الله .. نجمة مغربية عالمية في سماء الموسيقى الكلاسيكية

الأربعاء, 08 مارس 2017

اختارت مونية رزق الله المغربية الأصل التي سطع نجمها في سماء الموسقى الكلاسيكية ليس فقط في ألمانيا بل في أوروبا والعالم ، أن تعزف على أوتار آلة الكمان لتعبر عن عشقها اللامحدود لهذا الفن الجميل . 

"كل شيء بدأ في مدينة بوردو ، مسقط رأسي " هكذا استهلت مونية رزق الله بوحها لوكالة المغرب العربي للأنباء عن تفاصيل مسارها الفني وعن علاقتها بالكمان ، هذه الالة الوترية التي تلازمها في رحلة ممتعة عبر سنفونيات خالدة . 

مونية رزق الله المنحدرة من أسرة متواضعة ، مهاجرة واستقر بها المقام في فرنسا وتحديدا بمدينة بوردو ، شدت الرحال إلى هذا البلد في بحث عن آفاق جديدة تاركة مدينتها الدارالبيضاء بذكرياتها وأحلامها. 

تقول مونية التي تعطي في الوهلة الأولى لكل متحدث إليها ، انطباعا عن شخصية هادئة وذكية ، " والدي عمل سائقا ميكانيكيا ، فكان شغوفا بالموسيقى الكلاسيكية إذ يستمع إلى حفلات كانت تنقل عبر أثير الاذاعة ، وكان يقتني أشرطة ويشغلها لتستمع بها الأسرة في المساء بالبيت ».

 وفي سن السابعة بدأت مونية تتلمس أولى خطواتها في عوالم الموسيقى عبر ولوج مدرسة الحي باقتراح من والدها الذي شجعها وشقيقتيها على اختيار كل واحدة منهن لآلة موسيقية، فوقع اختيارها على آلة الكمان ، هذه الآلة التي تعد من أهم آلات الموسيقى الكلاسيكية وأرقها وأعذبها صوتا، لتصبح جزءا من حياتها ورفيقتها على درب الألق. 

درست مونية الأصول الاولى للموسيقى على يد أستاذتها إيفيت فالي ، التي كانت عضوا بالأركسترا الوطنية لبوردو- أكيتان، فكان لهذه السيدة وقع وتأثير مميز عليها، إذ عرفت كيف تستدرج موهبتها وتطور ملكاتها في العزف وحبها لآلة الكمان. وكانت الأستاذة فالي تدعو مونية وعائلتها لحضور الحفلات الموسيقية التي تعزف فيها بالمسرح الكبير ببوردو، فانبهرت مونية الطفلة بتلك الأجواء الراقية وبما كان يقدمه الموسيقيون الذين كانوا بالنسبة لها يحكون التاريخ بطريقة حركت مشاعرها بقوة ، ومن هنا ، تقول مونية "كان اختيار آلة الكمان حاسما ونهائيا بالنسبة لي ". 

فاختيارها للكمان كان بمثابة بداية قصة عشق مازالت مستمرة ، رغم أن الكمان أصعب آلة ، وفق العارفين بالمجال ، بسبب الفرق بين فيزياء الأوتار الممدودة والأخرى المنحنية ، لكنه يتميز بعلاقة أرحب مع المستمع وله تأثير أعمق مقارنة بباقي الآلات ، وحتى صناعته دقيقة وتتطلب مهارة ، إذ يتكون من تسع وسبعين قطعة منفصلة عن بعضها البعض . وبعد فترة اجتازت مونية اختبار ولوج المعهد الموسيقي لبوردو بنجاح لتواصل دراستها في الموسيقى ، فحازت الميدالية الذهبية بالمعهد سنة 1988 ثم على الباكالوريا من ثانوية كامي جوليان في 1990

 أما لقاؤها بالأستاذ بيير دوكان الذي كان يدرس بالمعهد العالي للموسيقى والرقص بباريس ، فشكل منعطفا آخر هاما في حياتها ، فبعد استماعه إلى عزفها قرر أن يحتضنها وإعدادها لاجتياز اختبار المعهد الذي تمكنت من ولوجه بإجماع لجنة التحكيم. 

بعد سنوات من الدراسة والتحصيل صقلت مونية رزق الله موهبتها وبدأت تتعمق أكثر في أسرار آلة الكمان وسحرها لتصبح وجها موسيقيا لامعا وتقدم عزفا راقيا. ومن باريس انتقلت إلى "أكاديمية موتسارت" بفارسوفيا حيث تلقت دروسا من أستاذها الروسي الشهير غريغوري زيسلين . 

منحتها هذه الفترة فرصا ذهبية للقاء كبار قادة الاوركيسترات وأشهر الموسيقيين خاصة ماريك جوناوسكي الذي رافقته ضمن الأوركسترا الفرنسية للشباب بباريس ، وحظيت بموقع عازف الكمان الأول ، ما بين 1993 و1996 . وانتقال مونية رزق الله إلى برلين كان بإيعاز من أساتذتها من أجل تطوير أكثر لمهاراتها الموسيقية خاصة لدى الأستاذ طوماس برانديس ، عازف الكمان الأول ضمن الأوركيسترا الفيلهارموني البرلينية والأستاذ بجامعة الفنون ببرلين . 

وفي سنة 2000 دخلت إلى الأوبرا الألمانية بالعاصمة من بابها الواسع، وبعد سنتين أصبحت عضوا رسميا بالأوركيسترا الأوبرالي وتدرجت في المواقع إلى أن أصبحت عازفة الصف الأول ثم أستاذة بأكاديمية الأوبرا وهو منصب لا يلجه إلا المميزون ذوو الموهبة العالية. لم يقف نجاح مونية رزق الله عند هذا الحد بل حملها لتكون عازفة الصف الأول ضمن أشهر الأوركيسترات ومع أمهر الموسيقيين وقادة الفرق الموسيقية "المايسترو" ، في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وآسيا وأفريقيا وزيلندا الجديدة وغيرها. عزفت مونية بالأوركيتسرا الفيلهارموني بنيويورك وبأوبرا هامبورغ وميونيخ ، وضمن أشهر الفرق بإيطاليا ، ومنذ 2015 أصبحت تتلقى الدعوة كعازف أول منفرد على الكمان بالأوركيسترا السانفونية بأنقرة . 

واليوم تقف مونية رزق الله ، التي تعتبر من النساء القلائل جدا الذين حققوا مثيل نجاحها ، بآلتها التي تتفق معها بلا شروط لتعزف عليها بثقة وشموخ الكبار ، وبإحساس ناذر ميز موسيقيين بصموا بأعمالهم تاريخ الموسيقى الكلاسيكية . وحتى في بيتها، فإن كل أركانه تنطق فنا ، تؤثته خزانة ضخمة تضم كما هائلا من أشرطة الموسيقى الكلاسيكية ، إلا أن مونية وسط كل هذا العشق ، لم تدر ظهرها لأصولها المغربية ، من خلال حرصها على الاستماع للموسيقى المغربية بكل تولويناته ، لتكون شخصية فنية متكاملة . 

والجميل أن ما حققته هذه الموهبة المغربية من نجاح لم تنسبه لنفسها فقط ، إذ عبرت عن امتنانها الكبير لأساتذتها ومعلميها الذين نقلوا لها معارف قيمة لا يمكن اكتسابها من الكتب ، كما تقول ، وترى أنه من واجبها نقل هذا الارث وتقاسمه مع الآخرين وذلك عبر " مشروع مونية رزق الله الموسيقي والأكاديمي " . 

نادية أبرام

عن وكالة المغرب العربي للأنباء

الصحافة والهجرة

مختارات

Google+ Google+