تاريخ المسلمين في البرازيل

الإثنين, 25 غشت 2014

يعتبر عدد المواطنين المسلمين في البرازيل صغيرا، ولكن لهم مع ذلك تاريخا عريقا في هذا البلد الناطق بالبرتغالية. فقد جاء جدودهم وأسلافهم إلى البرازيل ضمن موجات الهجرة المختلفة من أفريقيا وأوروبا ومن بلدان عربية وخاصة من سوريا ولبنان. وفي حين أن الثقافة العربية قد وجدت في البرازيل أرضا خصبة، أصبح المسلمون جزءا طبيعيا من المجتمع البرازيلي. أكرم غوزيلديري يسلط الضوء لموقع قنطرة على مسلمي البرازيل.

يحبّ البرازيليون الافتخار بتنوّعهم المتسامح. يقول ساليس كورديرو أثناء سفرنا من محطة الحافلات إلى مركز المدينة: "Todos irmãos" – أي: جميعنا إخوة. يعيش ساليس منذ 40 عامًا في مدينة جوندياي وقد جاء مثل الكثيرين من النواحي الفقيرة شمال شرق البرازيل إلى هذه المنطقة المزدهرة المحيطة بولاية ساو باولو. "تعيش مختلف الطوائف الدينية هنا بعضها مع بعض بسلام، وسواء كان المرء كاثوليكيًا أو إنجيليًا أو مسلمًا أو بوذيًا، فهذا لا يشكّل هنا أية مشكلة". ولكن مع ذلك يبدو أنَّ المعلومات المعروفة عن الإسلام محدودة للغاية. فبعدما حدّدت لسائق سيارة الأجرة الاتّجاه بقولي "إلى المسجد من فضلك"، أجابني متسائلاً: "أخبرني ما هو اسم المؤمنين الذين يصلّون هناك؟" - أجبته: "المسلمون". فرَدَّ علي قائلاً: "آه، لقد عرفت أين يقع".

يظهر المسجد لنا من بعيد بمئذنته الكبيرة وقببه. يقع هذا المسجد على تقاطع طرق مزدحم، حيث تم بناؤه في عام 1991. وفي المقابل توجد كنيسة بروتستانتية وبجوارها تاجر سيارات فولكس فاغن. بعد قليل ستبدأ صلاة الجمعة. يتوجّه المؤذن نحو المحراب لرفع الأذان الذي يتم نقله عبر مكبرات الصوت إلى خارج المسجد أيضًا. يوجد في قاعة المسجد الرئيسية حوالي 30 رجلاً، وفي الصالة العلوية خمس نساء أيضًا، وحتى نهاية الخطبة ارتفع هذا العدد إلى 50 شخصًا. يتَّسع هذا المسجد إلى أكثر من 300 شخص. وخلال فترة الغداء يأتي الكثيرون إلى المسجد، حيث يستمر المصلون في الذهاب والإياب.

"عبيد" أفارقة ومنفيون من أوروبا

كان المسلمون الأوائل الذين وصلوا إلى البرازيل من الموريسكيين (المغاربة)، الذين تم طردهم من البرتغال في مطلع القرن السادس عشر. أمَّا المجموعة الثانية فقد جاءت إلى البرازيل أيضًا في القرن السادس عشر، لكنها كانت تضم تقريبًا عبيدًا أفارقة فقط، يعيش معظمهم على سواحل مدينة سلفادور وكذلك في ريو دي جانيرو.

عندما وصل أخيرًا الإمام في سلاح البحرية العثماني عبد الرحمن أفندي إلى ريو على متن سفينة حربية عثمانية تائهة في عام 1865، تعجَّب هذا الإمام من وجود مسلمين في البرازيل. وفي المقابل تعجَّب كذلك المسلمون البرازيليون من وجود مسلمين ببشرة بيضاء. وبما أنَّ هؤلاء العبيد كانوا مضطرين إلى ممارسة دينهم في الخفاء، فقد كانت معرفتهم بالإسلام محدودة للغاية.

إذ يذكر عبد الرحمن أفندي أنَّ "النساء هنا لا يختلفن عن المسيحيات ويتجوّلن وهنّ سافرات. وبالنسبة للمسلمين هنا يعتبر التبغ شيًا محرّمًا، بينما يعتبرون الخمر شيئًا مسموحًا به. وهم يعتقدون أنَّ المرء لا يمكن أن يصبح مسلمًا إلاَّ بعد أن يقوم بدفع بعض القطع الذهبية". وهذه بعض من الحالات الشاذة التي سجّلها عبد الرحمن أفندي في كتاب كتبه حول رحلته.

لقد عاش عبد الرحمن أفندي ثلاثة أعوام في ريو وعامًا واحدًا في سلفادور بالإضافة إلى إقامته مدة عام واحد في ولاية بيرنامبوكو. وجاء تقييمه لمسلمي البرازيل في تلك الأيّام واقعيًا: "أنا متعب جدًا من حالة المسلمين المزرية هنا. وإذا أضفنا إلى ذلك شوقي وحنيني للأصدقاء، فأنا مضطر إلى العودة".

دمج العرب المسلمين واستيعابهم

ومنذ ذلك الحين تغيَّرت أشياء كثيرة هناك. فعلى الأرجح لو أنَّ الإمام عبد الرحمن أفندي زار البرازيل في يومنا هذا لما كان اشتكي من حالة المسلمين المحزنة التي شاهدها في أيَّامه هناك. وفي الحرب العالمية الأولى هاجر المسلمون بأعداد كبيرة من المناطق الخاضعة للدولة العثمانية إلى البرازيل، وخاصة من لبنان وسوريا.

هذه هي أيضًا بداية تاريخ المسلمين في مدينة جوندياي: "كانت توجد هنا قبل أكثر من 90 عامًا عائلات مسلمة من لبنان وفلسطين"، مثلما أخبرنا الإمام أحمد أمين العرّة بعد خطبة الجمعة. "لا يزال أحفاد هؤلاء المسلمين يشكِّلون نواة الجالية المحلية، ولكن أكثر من 90 في المائة منهم هم الآن مواطنون برازيليون ولا يكاد نصفهم يفهمون اللغة العربية".

جاء الإمام أحمد أمين العرّة في عام 1970 من لبنان إلى ساو باولو. وسار في ذلك على خطى إخوته الذين جاؤوا في السابق إلى البرازيل للبحث عن سعادتهم هنا. ومنذ عام 1981 أصبح يمارس نشاطه لدى جالية مدينة جوندياي، التي كانت لا تزال تستخدم في تلك الأيَّام شقة من أجل إقامة الصلاة. ولكنه الآن يعيش ويعمل طيلة أيَّام الأسبوع في ساو باولو ولا يأتي إلى هنا إلاَّ من أجل خطبة الجمعة. يبدأ الإمام أحمد أمين العرّة، الذي لم يحصل على مؤهلات رسمية في دراسة الفقه الإسلامي، خطبته باللغة العربية ولكن ينتقل بعد ذلك إلى اللغة البرتغالية.

أقلية صغيرة مختفية

يمثِّل الإسلام واحدة من الطوائف الدينية الأسرع نموًا في البرازيل، على الرغم من وجود تناقضات واختلافات كبيرة في الأرقام. فبحسب الإحصاءات الرسمية، بلغ عدد المسلمين الذين يعيشون في البرازيل في عام 1991 اثنين وعشرين ألفًا وأربعمائة وخمسين نسمة، بينما كان عددهم في عام 2000 سبعة وعشرين ألفًا ومائتين وتسعًا وثلاثين نسمة. وفي عام 2010 ارتفع هذا العدد إلى خمسة وثلاثين ألفًا ومائة وسبع وستين نسمة.

لم يكن المهاجرون العرب القادمون من سوريا ولبنان إبَّان الحرب العالمية الأولى إلى البرازيل من المسلمين وحدهم، بل كان من بينهم أيضًا مهاجرون مسيحيون عرب. يعتبر أفراد كلا هاتين المجموعتين الآن مندمجين. في العقود الأخيرة تكوّنت إلى جانب الجاليات السنِّية القديمة في البرازيل جاليات شيعية صغيرة. وكذلك يزداد عدد البرازيليين الذين يعتنقون الإسلام.

وبناءً على ذلك فإنَّ المسلمين يمثِّلون أقل من نسبة 0.02 في المائة من مجموع سكَّان البرازيل. في حين أنَّ الاتِّحادات والجمعيَّات الإسلامية مثل الاتِّحاد الوطني للجمعيات الإسلامية، تتحدَّث عن وجود مليون ونصف المليون مسلم. ولكن مع ذلك ليس من الواضح كيف يصلون إلى هذا الرقم الأعلى بكثير من الأرقام الرسمية السالفة. حتى لو كان عددهم الحقيقي هو 1.5 مليون نسمة، فإنَّ هذا العدد يبقى أقل من نسبة الواحد في المائة أيضًا.

وبالتالي فإنَّ المسلمين يمثِّلون أقلية صغيرة للغاية في هذا البلد المشهور بالكرنفال وبالتسامح وبالنساء المرتديات ملابس قصيرة تكشف أجسادهن، وكذلك بالمشروبات الكحولية القوية، حتى وإن كان الكثير من ذلك بالأحرى إسقاطًا أكثر من كونه واقعًا. يقول الإمام مشتكيًا: "هذا وضع صعب؛ يمكننا مقارنته بأنَّ الجميع يسبحون في اتِّجاه واحد، بينما يسبح المسلمون وحدهم بعكس التيَّار. والإسلام ضمن هذا المحيط مثل نبتة نظيفة صغيرة، ينبغي مراعاتها والاهتمام بها، لكي لا يدوس عليها أحد وكي تستمر في النمو والازدهار".

ومع زيادة عدد السكَّان المسلمين في البرازيل، يزداد أيضًا عدد المساجد والمؤسَّسات الإسلامية. لقد تم تأسيس أوَّل مسجد في مدينة ساو باولو في عام 1952. واليوم يبلغ عدد المساجد بحسب بيانات الاتِّحاد الوطني للجمعيات الإسلامية 115 مسجدًا، بينما كان عددها في عام 2005 لا يزال 70 مسجدًا فقط.

وبالإضافة إلى ذلك تثبت الدراسات، التي قام بإعدادها الاتِّحاد الوطني للجمعيات الإسلامية بالتعاون مع الجامعات في ريو وساو باولو، وجود إضفاء مستمر "للطابع البرازيلي" على الإسلام. فبينما كان خمسون في المائة من المسلمين في ريو دي جانيرو في عام 2003 من المهاجرين القادمين من الشرق الأوسط، انخفضت نسبتهم في عام 2014 إلى 15 في المائة فقط. وكذلك تعتبر هذه النسبة مشابهة في كلّ من سلفادور وساو برناردو دو كامبو. ولهذا السبب تزداد أيضًا أهمية تمكّن الأئمة المسلمين من اللغة البرتغالية.

وبحسب معلومات الاتِّحاد الوطني للجمعيات الإسلامية لم يكن يوجد في عام 2004 سوى خمسة أئمة فقط يتحدَّثون اللغة البرتغالية. في حين أنَّ عددهم قد ارتفع في عام 2014 إلى 15 إمامًا على أية حال، من بينهم سبعة أئمة مولودون في البرازيل. بالإضافة إلى ذلك يعتبر الاتِّحاد الوطني للجمعيات الإسلامية في البرازيل اتِّحادًا حديث التأسيس؛ حيث تم تأسيسه قبل ثمانية أعوام في منطقة براس داخل ساو باولو، بهدف تنظيم المسلمين البرازيليين بشكل أفضل وتحسين التبادل عبر المسافات الكبيرة في داخل البرازيل.

عن موقع قنطرة

 

مختارات

«آذار 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
25262728293031
Google+ Google+