لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب حين رأى النور بشمال المغرب، لكنّ مشراطه أضحى شهيرا وهو يشقّ به أثناء إجرائه لعملياتِه الجراحية جنوبَ إسبانيا.. وبين التغيّر من حال إلى حال توجد قصّة مغربيّ آمن بحلم طفولَة حتَّى حققه في الكِبَر.

ولد أحمد الحراق العريف عام 1952 بالقصر الكبير من أسرة بسيطة، درس في القصر الكبير بمجموعة مدرسيّة كان يشرف عليها إسبان، ومنها انتقل إلى تطوان لأجل ارتياد ثانوية القاضي عياض بتوجّه علميّ، حيث أفلح وقتها في نيل منحة دراسية ومستقر بداخليَّة المؤسسّة.

ويتذكّر أحمد أن تخرجه الثانوي، وقتها، قد شهد تخييره بين الطب والهندسة المعمارية والهندسة الفلاحية وقطاع المعادن، ليشدّ بعدها الرحال، وهو ابن 17 ربيعا، نحو إسبانيا للدراسة بجامعة إشبيليَة كي يغدُو طبيبا.. مستفيدا وقتها من منحة مغربيّة تصرف له مرّة كّل 3 أشهر.. ويشتغل الحراق حاليا طبيبا وجرّاحا عامّا، كما يكوّن في مجال الطبّ الصينيّ.

تحديد الوُجهة

بعد إنهاء الدراسة الثانوية، بثانوية القاضي عياض بتطوان، وجد أحمد الحراق العريف صعوبة في تحديد وجهته المستقبلية من أجل استكمال تكوينه، مستفيدا من منحة كانت معمّمة وقتها على كل الراغبين في الدراسة لتشكيل أطر المغرب المستقلّ..

ويقول أحمد إنّ الاختيار قد تركّز على عدد من البلدان المنتميَة للاتحاد السوفياتي وقتها، لكنّه حسم الأمر بقصد إسبانيا، وجامعة الطبّ بإشبيليَة على وجه التحديد.. مضيفا أنّ مجاورة البلد لأرض الوطن، وكذا وجود إرث إسلامي عربي بالأندلس، قد كان لهما دور في تحديد الدولة التي سيتلقى فيها تكوينه كطبيب.. ويزيد: “أعيش بشكل جيد في إشبيلية، وشعب الأندلس يساند المغاربة ويحبهم، حيث أن العنصرية تغيب عن ممارساته”.

الطب ولَو في الصّين

يشتغل ابن القصر الكبير أيضا في تدريس الطب الصيني بكلية التطبيب لإشبيليَة، وذلك كمساعد لإطار مغربيّ آخر، هو الدكتور أزمني، إذ يرَى أحمد الحراق بأنّ الكلية الإسبانية قد تعاطت بشكل جيّد مع المبادرة المرتكزة على إيجابية الطب الصيني.. ويردف: “هذا مجال مكمّل للطب العامّ، وأنا أفتخر كثيرا لاشتغالي به، كما أفتخر تعاطي كلية الطب بإشبيلية وما وفرته من مكان لتقديم العلاجات وإعطاء الدروس لأطباء راغبين في الانفتاح على هذا التطبيب”.

“أنا فخور أيضا بالدكتور أزمني الذي أشتغل معه في هذا المجال، وهو الذي كان وراء ولعي بالطب الصيني.. فهو سبق له أن حقق مدرسته الخاصة بشكل نال شهرة واسعة، وهو الطبيب المغربي الوحيد الذي يتوفر على إلمام أكاديمي مكنه من البصم على مؤسسة تكوين في الطب الصيني كي يشيع فوائده” يقول أحمد.

الدبلومَاسية الجمعويّة

ينتمي الحراق العريف إلى الجمعية الثقافية الأندلسية المغربيّة، الشهيرة اختصارا بتسميّة “حَكَم”، وهي تضمّ مغاربة وإسبانا مشتغلين بمجالات عدّة، بينما يهدف هذا التنظيم إلى التقريب بين المملكتين المتقابلتين على البحر الأبيض المتوسّط عبر تعريف كل شعب على ثقافة الآخر.

“نشتغل على عقد جلسات حوار ولقاءات تناظر، لكننا نلجأ أيضا لفاعليّة الأسفار في هذا المضمار، إذ سبق أن قدنا مواطنين من إسبانيا، على مرحلتين، ضمن سفر برّي اخترق المغرب من شماله إلى جنوبه.. لقد اخترنا الحافلات لهذا الغرض حتى يتم النظر إلى المغرب كما هو حقيقة، بعيدا عن التنميطات وصورها” يصرّح أحمد.

فخر ومعاداة للأكاذيب

لا يخفى ذات الطبيب المتأصل من المغرب فخره بمساره الذي استهلّه من القصر الكبير ورحل به صوب إشبيليَة، عائدا بذكرياته إلى أيام الطفولة التي كان يخبر فيها أسرته نيته التحول إلى طبيب.. “أعيش حياة أنا راض بها إلى أقصى حدّ” يقول أحمد الحراق.

وكنصيحة للشباب القادم نحو الهجرة من أجل تكوين الذات بدول الاستقبال الأوروبيّة، يرى أحمد أن المغاربة مطالبون بالثبات على أهدافهم والابتعاد عن الممارسات المختلّة التي تعيق النجاحات، كما يعتبر الحراق بأنّ وجود مغاربة مهاجرين باعثين لصور مغلوطة عن الأوضاع، عن طريق أكاذيب تسوّق وسط الأقارب والأصدقاء المتواجدين بالمغرب، تساهم في استسهال الهجرة ومصاعبها، وبالتالي تحمل مهاجرين غير مستعدّين لخوض التحدّيات.. وفق تعبير أحمد الحراق العريف.

عن موقع هيسبريس

 

Exit mobile version