اعتمدت ألمانيا منذ 2022 تعريفا جديدا لفئة السكان “من أصل مهاجر”، منهية بذلك العمل بمفهوم الخلفية المهاجرة الذي كان يرتكز أساسا على الجنسية عند الولادة. التغيير جاء استجابة لتوصيات لجنة الخبراء المكلفة بملف الاندماج، بهدف توحيد المفاهيم مع معايير الأمم المتحدة ويوروستات، وتخفيف الحمولة الرمزية السلبية التي حملها المصطلح القديم.
من الخلفية المهاجرة إلى تاريخ الهجرة
وبحسب تقرير نشره موقع “تربين جويف” فإن التعريف الجديد يقوم على معيارين أساسيين: بلد الميلاد، وبلد ميلاد الوالدين، مع إضافة سنة الوصول إلى ألمانيا بعد 1950. ووفقا لهذا التعريف، تصنف الفئة السكانية إلى: مهاجرين مولودين خارج البلاد، وأحفادهم المباشرين المولودين في ألمانيا إذا كان والداهم معا مولودين في الخارج. هذا الشرط الأخير هو الفارق الجوهري مقارنة بالتعريف القديم، إذ لم يعد احتساب أبناء أحد الأبوين المهاجرين كأصحاب “تاريخ هجرة”.
برر المكتب الإحصائي الألماني (ديستاتيس)، الخطوة بأنها تسمح بفهم أدق للبنية السكانية وتطورات الاندماج على أساس جيلي. كما تبقي في الوقت نفسه على نشر بيانات التعريف القديم، لتسهيل المقارنة خلال فترة انتقالية.
الأرقام الأولية تظهر أن 21.2 مليون شخص في ألمانيا يعتبرون اليوم أصحاب “تاريخ هجرة”، مقابل 57.4 مليون بدون هذا التاريخ. ورغم اختلاف نطاق التعريف، فإن حجم الفئة لا يختلف كثيرا عند احتساب أبناء أحد الوالدين المهاجرين، إذ تتجاوز نسبة أصحاب الأصول المهاجرة 30% من إجمالي السكان في 2024. كما يبرز عنصر حاسم: النمو الصافي للسكان الألمان في آخر ثلاث سنوات يعود بالكامل إلى الهجرة.
أصول أوروبية بارزة ونمو مصدره الهجرة
على مستوى التركيب حسب الأصل، يكشف التعريفان القديم والجديد أن الأغلبية من أصول أوروبية (نحو 55%)، يليها القادمون من آسيا (36%)، ثم نسب صغيرة جدا من أصل إفريقي. وتعد بولندا وتركيا أهم مصدرين، إضافة إلى روسيا وأوكرانيا وسوريا. ويعكس هذا الإرث التاريخي وحلقات الهجرة المتعاقبة نحو ألمانيا.
ألمانيا وفرنسا: تباينات حادة في خريطة الأصول
يكشف التقرير أن المقارنة بين ألمانيا وفرنسا تعرف اختلافات عميقة في تشكيل الخريطة السكانية المنحدرة من الهجرة. ففي حين يمثل الأوروبيون حوالي 53% من هذه الفئة بألمانيا، لا تتجاوز نسبتهم 34% في فرنسا التي يغلب فيها الأصل الإفريقي بشكل لافت. وتشمل المقارنة أيضا اختلافا في نطاق التعريف؛ إذ تحتسب فرنسا أبناء أحد الأبوين المهاجرين، لكنها لا تدرج المولودين فرنسيا في الخارج وأحفادهم، عكس ما تسمح به المنهجية الألمانية.
تخوفات معارضي التصنيف
ورغم تطابق توصيات لجنة الخبراء المعنية بالتكامل على أن المصطلح السابق حمل طابعا تمييزيا وأسهم في خلط بين الجنسية والتجربة المهاجرة، فإن آراء معارضة داخل اللجنة حذرت من أن صياغات التصنيف بحد ذاتها قد تصنع فروقا اجتماعية وهمية أو تغذي خطابات سياسية متشددة. ومع ذلك، ترى الجهات الرسمية أن المقاربة الجديدة توفر بيانات أكثر دقة حول أبعاد الاندماج، وتمكّن من قراءة التحولات السكانية بصورة موحدة قابلة للمقارنة على المستوى الأوروبي.
مع ذلك، يتوقع أن يتيح التعريف الجديد تحليلا أوضح لمسارات الاندماج وللمعادلات الاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالهجرة، خاصة مع توفر بيانات دقيقة عن بلد الميلاد ونمط الأصول. كما يفتح الباب أمام إمكان تنسيق المنظومات الإحصائية على المستوى الأوروبي، مع وجود دعوات لأن ينشر المعهد الفرنسي للإحصاء بيانات متوافقة مع المقاربة الألمانية.








