قال إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، إن الهجرة المغربية تعرف تحولات عميقة تطرح مجموعة من الرهانات والتحديات الجديدة.
وجاء تصريحه خلال محاضرة ألقاها يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025 تحت عنوان “الجاليات المغربية: التحولات والتحديات”، وذلك في إطار أشغال المؤتمر الثاني لشباب مغاربة إسبانيا، المنعقد بمدينة برشلونة خلال الفترة من 31 أكتوبر إلى 2 نونبر 2025.
من بين التحولات التي أشار إليها إدريس اليزمي النمو الديموغرافي، إذ أوضح أن الهجرة المغربية شهدت توسعا كبيرا خلال العقود الأخيرة.
كما تطرق إلى العولمة كأحد التحولات البارزة، مبينا أن الهجرة المغربية لم تعد مقتصرة على وجهات محدودة، بل أصبحت ظاهرة عالمية، حيث ينتشر المغاربة اليوم في مختلف الدول الأوروبية، إضافة إلى عدد متزايد من مناطق العالم الأخرى.
ومن التحولات المهمة أيضا تأنيث الهجرة، إذ تحولت من ظاهرة يغلب عليها الطابع الذكوري إلى ظاهرة أكثر توازنا بين الجنسين، حيث باتت النساء يهاجرن بشكل مستقل، بعد أن كانت هجرتهن في السابق تقتصر غالبا على إطار لم الشمل العائلي.
كما توقف اليزمي عند مسألة تشبيب الهجرة، مشيرا إلى بروز أجيال جديدة من أبناء المهاجرين الذين نشؤوا وترعرعوا في بلدان الإقامة، ويحمل معظمهم جنسية تلك البلدان.
وفي المقابل، تبرز أيضا مسألة الشيخوخة كتحول مهم في صفوف الجالية المغربية، إذ تقدّم الجيل الأول من المهاجرين في السن، وأصبح عدد كبير منهم متقاعدا، مما أفرز تحديات جديدة تتعلق بالرعاية الصحية والاجتماعية لهذه الفئة المسنة.
أما التحول الآخر فيتمثل في الارتقاء السوسيوثقافي، حيث شهد مغاربة العالم تحسنا ملحوظا في مستوياتهم التعليمية والثقافية، إذ يمتلك نحو واحد من كل خمسة مهاجرين مغاربة مستوى جامعيا، وهو ما يعكس تطورا نوعيا في بنية الجالية المغربية بالخارج.
وأخيرا، أشار اليزمي إلى التحول المتعلق بالتجذر والانتماء، مؤكدا أن المهاجرين المغاربة استطاعوا تحقيق توازن بين الاندماج في مجتمعات الإقامة والحفاظ على روابطهم المتينة مع الوطن الأم. كما أن ارتفاع نسب حصولهم على جنسية بلدان الإقامة يعبر عن رغبتهم في المشاركة الفاعلة داخل هذه المجتمعات.
وفي جانب آخر، أشار إدريس اليزمي إلى أن هذه التحولات تفرض مجموعة من الرهانات والتحديات.
وتحدث في البداية عما سماه الاستمرارية والتجديد، موضحا أن المغرب، منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، انتهج سياسة واضحة تجاه الجالية المغربية بالخارج، وكان من أوائل الدول التي اعتمدت سياسة خاصة بالهجرة والجالية المغربية بالخارج. كما أن المؤسسات المغربية المعنية بشؤون الهجرة والجالية تعد من بين الأقدم، إلى جانب الجمعيات التي تشتغل في هذا المجال.
وخلال العقدين الأخيرين، حظيت قضايا الهجرة والجالية المغربية باهتمام متزايد في العديد من خطب الملك محمد السادس، خاصة في خطبتي غشت 2022 ونونبر 2024.
ومن جهة أخرى، أشار اليزمي إلى وجود فئة من مغاربة العالم حققت نجاحا لافتا في مساراتها الاجتماعية والمهنية والعلمية، غير أن هناك فئات أخرى تعيش أوضاعا هشة، مثل القاصرين غير المرافقين، أو المهاجرين المتقدمين في السن الذين بلغوا مرحلة التقاعد. لذلك، شدد على ضرورة التفكير في هذه الفئات التي تعيش ظروفا اجتماعية صعبة.
ومن بين التحديات البارزة التي تواجه الجاليات المغربية بالخارج ظاهرة الفشل المدرسي، إذ تعد إحدى الإشكاليات التي تتطلب اهتماما خاصا، لأن النجاح الدراسي يشكل رهانا استراتيجيا لمستقبل الأجيال الصاعدة.
وفي هذا السياق، أشار اليزمي إلى دراسة أجراها مجلس الجالية المغربية بالخارج (أكتوبر 2025) حول التمدرس والهدر المدرسي في صفوف أبناء الجالية المغربية بجزر البليار، مؤكدا ضرورة تعميمها على مختلف مناطق إسبانيا. ومن بين ما أظهرته الدراسة وجود تمييز في المؤسسات التعليمية بجزر البليار، يتجلى مثلا في توجيه التلاميذ المغاربة نحو مسارات التكوين المهني بدل متابعة الدراسة الجامعية.
كما أشار إلى إشكالية التوفيق بين النجاح الدراسي والحفاظ على الانتماء الثقافي المغربي، موضحا أن هذه المسألة تتطلب مقاربة بيداغوجية وبرامج قائمة على المعرفة العلمية والثقافة، لا على الشعارات فقط.
وأضاف أن من بين التحديات الكبرى أيضا الاستفادة من الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج، من خلال برامج تهدف إلى تعبئة الموارد البشرية المغربية في مختلف المجالات، ولا سيما القطاع الصحي والطبي، معتبرا أن معركة الموارد البشرية هي معركة حقيقية وحاسمة في العالم المعاصر.









