بدعم من مجلس الجالية المغربية بالخارج، صدر مؤخرا عن منشورات جامعة بروكسيل مؤلف جديد بعنوان “بلجيكا بلادي: حكاية بلجيكية- مغربية” بمشاركة كل من احمد مدهون وفاطمة زيبوح وأندريا ريا وكريسطوف سوكال.
يجمع المؤلف الصادر باللغة الفرنسية في 284 صفحة من الحجم المتوسط، مساهمات أكثر من عشرين خبيرا ويقدم مجموعة من الشهادات الشخصية لمغاربة بلجيكا، ويقترح مادة معرفية غنية حول الحضور المغربي في بلجيكا.
في أول فصل من فصول الكتاب الخمسة، والمعنون ب”تاريخ من الهجرات المغربية” يستعرض المؤلف أهم المحطات التاريخية للهجرة المغربية في مقالين شاملين من توقيع محمد شارف وياسمين بوشفار، مع تسليط الضوء على الهجرة اليهودية المغربية من خلال شهادة للفاعل الثقافي في جمع ذاكرة هذه الهجرة بول دحان. بالإضافة إلى ذلك يتضمن الفصل مقالا حول جذور العلاقات المغربية البلجيكية لمروان الطوالي، إلى جانب مقال يغوص في تمثل المغرب عند الرساميل البلجيكيين في القرن 19 من توقيع إيزابيل سيكس.
أما الفصل الثاني الذي يحمل عنوان “بلجيكا، أرض الهجرة” فقد جمع مقالات حول الوجود المغربي من بلجيكا من منظور سوسيولوجي، من خلال بعض مظاهر حركية المهاجرين المغاربة من أجل حقوق المواطنة والمساواة والاعتراف من توقيع أندريا ريا، ومناقشة دور المدرسة بالنسبة لأبناء المهاجرين من توقيع احمد المدهون.
نفس الكاتب استعرض في الجزء الثالث من الكتاب “نحو الالتزام”، مظاهر الانخراط السياسي للمواطنين المنحدرين في الهجرة، وتوقف على خصوصية النظام السياسي البلجيكي المبني على التعدد، وما أسهم فيه السياسيون من أصول مهاجرة، وخاصة المغاربة، في إثارة اهتمام الفاعل السياسي حول الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمهاجرين من جهة، وإزاحة الخطاب العنصري المعادي للأجانب من الساحة السياسية البلجيكية.
هذا الانخراط السياسي كموضوع تحليل للباحثين في علم الاجتماع وعلم السياسية، ترافقه قضايا أخرى في نفس الفصل رصدت التحولات التي عرفتها الهجرة المغربية مثل مقال فاطمة زيبوح حول دور المهاجرين في التنمية عن طريق الانخراط الجمعوي سواء في بلد الإقامة أو بلد الأصل؛ وكذا مقال لكورنين توركنس، حول “إسلامات بلجيكا”؛ دون أن ننسى إسهامات الرياضيين المنحدرين من الهجرة في نجاحات الرياضة سواء في المغرب أو في بلجيكا والذي شكل موضوع مقالات لكل منسيرج دييلن و سو-ران-خيتا-، بالإضافة إلى مقال للزبير شتو حول تطور ظاهرة رجوع المهاجرين إلى المغرب.
في الفصل الرابع اختار منسقو الكتاب إبراز قيمة العرفان في المجتمع المتعدد، والثراء اللغوي الذي يتشارك فيه كل من المغرب وبلجيكا مع خصائص محددة، وهو ما استحضره مقال طه عدنان؛ وبالنظر لأهمية المرأة في مسارات الهجرة المغربية في بلجيكا فقد كان من الأساسي التوقف على هذه الأدوار وعلى شهادات عينات من النساء المغربيات ودورهم في نقل القيم للأجيال الجديدة، وكذا التحديات التي تواجه المرأة في سياق الهجرة، وهو ما نطلع عليه في مقالات كل من كريسطوف سوكال وهاجر ولاد بن الطيب وفتيحة السعيدي، قبل أن يختتم الفصل بمحور أخر يجمع البلدين هو المجال الاقتصادي وأفق الشراكة الاقتصادية من توقيع توفيق أمزيل، تعززه مسارات لفاعلين في هذه الشراكة من إنجاز كريستوف سوكال؛ واختتم الفصل بمقال حول الدفن في احترام الإسلام في بلجيكا لنتالي بيران.
في الفصل الخامس والأخير من هذا المؤلف الجماعي كان لزاما وضعه في سياق تأليفه الذي يتزامن مع اختتام الاحتفال بالذكرى الستين لاتفاقية اليد العاملة بين المغرب وبلجيكا، وخلال هاته المدة من الحضور الهجروي تبلورت تعابير ثقافية متعددة الروافد في المسرح والغناء والسينما…وهو البعد الذي أحاط به مقال فاطمة زيبوح، ومقال جينارو بيتيتشي، وجسدته مسارات وشهادات فنانين من أصل مغربي في تخصصات مختلفة تعقبها كريستوف سوكال، وكتبوا من خلالها ذاكرة بلدين بعيدين جغرافيا قريبين إنسانيا، كانوا ومازالوا يكتبون تاريخ البلدين.
لقد حقق المؤلف الهدف الذي سطره له مؤلفوه في مقدمة هذا العمل الجماعي، وهو التعريف بإسهامات المهاجرين المغاربة وأبنائهم في تاريخ وبناء بلجيكا، وكذا في تطورها الاقتصادي وتحولاتها المجتمعية والسياسية، وفي حياتها السياسية. والشهادات والنصوص المجتمعة في هذا الكتاب تشكل نقطة انطلاق من أجل فهم أعمق، وبشكل عقلاني، للحضور المغربي البلجيكي” يقول احمد المدهون في خاتمة المؤلف.