في قارة أوروبية، التي أثرت الأزمة الاقتصادية في سياساتها، وغيرت أنماط تفكير فئات عريضة من مجتمعاتها، خصوصا فيما يتعلق باستقبال الأجانب والدفاع عن حقوق الفرد بغض النظر عن انتمائه العرقي أو الجغرافي، مما أسفر عن ولادة مجتمعات غير متسامحة مع الآخر وموجات من التطرف تتغذى من انخفاض المستوى الاقتصادي للأشخاص، مازالت ّألمانيا تبرهن على الاستثناء بخصوص اندماج المهاجرين ومساهمته الإيجابية في تنمية مجتمعات الاستقبال.

بالإضافة إلى النظرة الإيجابية التي يحملها الألمانيون عموما عن المهاجرين والتي تنعكس في استطلاعات الرأي خلافا للعديد من الدول الأوروبية، فإن تصريحات المسؤولين الألمانيين تذهب في اتجاه واحد هو التأكيد على فضل المهاجرين، بما فيهم المغاربة، في بناء وتنمية الدولة الألمانية، سواء في الطفرة الاقتصادية التي حققتها ألمانيا منذ منتصف الخمسينات وطيلة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كما عبرت عن ذلك عمدة إحدى المدن الألمانية في الاحتفاليات التي أقيمت بمناسبة مرور 50 سنة على الهجرة المغربية نحو ألمانيا؛ أو من خلال المساهمة حاليا في زيادة حجم المنافسة في السوق الألمانية وبالتالي الرفع من جودة الخدمات، بحسب الوكالة الاتحادية للعمل في ألمانيا.

وحتى الرئيس الألماني يواخيم غاوك، عندما أثير في بلاده نقاش بخصوص مخاوف المواطنين الألمان من تبعات هجرة الأجانب إلى الأراضي الألمانية، لاسيما من بلدان أوروبية شرقية انضمت حديثا للاتحاد الأوروبي، خرج عن صمته من خلال مقال نشر نهاية الأسبوع الماضي في جريدة “فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ” قال فيه إنه “خطأ وخطر أن نعتبر هجرة الأجانب إلى بلادنا مضرة بها أو أن نقول إن الأجانب يسرقون فرص العمل من مواطنينا أو يضرون بالأنظمة الاجتماعية فالعكس هو الصحيح وهو أن الهجرة الى ألمانيا مفيدة جدا لبلدنا”.

ومن أجل تكريس الاستثناء الألماني في مجال الاندماج، تحرص ألمانيا على الدفع بنماذج منحدرة من الهجرة لتولي مسؤوليات عليا شملت حتى كراسي وزارية في حكومة ميركل الجديدة التي تم التوافق حولها تحت شعار “تشكيل مستقبل ألمانيا”، حيث ضمت التشكيلة الوزارية أول وزيرة من أصول مهاجرة مسلمة في تاريخ ألمانيا؛ ويتعلق الأمر بتعيين أيدان أوزغوز، المنحدرة من أصول تركية، كوزيرة دولة لشؤون الهجرة واللاجئين والاندماج.

آخر فصول نجاح النموذج الألماني في إدماج المهاجرين أو الألمانيين من أصول مهاجرة كتبه وزير الخارجية فرانك – فالتر شتاينماير، حينما وقع نهاية الأسبوع الماضي، وبالضبط يوم الجمعة 24 يناير 2014، قرار تعيين ألمانية من أصل فلسطيني، اسمها سوسن شبلي كناطقة رسمية باسم وزارة الخارجية الألمانية، وهي نفسها التي كانت أول امرأة من أصل غير ألماني تتولى رئاسة قسم حوار الثقافات في وزارة داخلية الحكومة المحلية في ولاية برلين.

وتنحدر الناطقة الرسمية الجديدة باسم الديبلوماسية الألمانية من عائلة فلسطينية اضطرت للهجرة إلى لبنان سنة 1948 وقضت هناك عشرين سنة قبل أن تهاجر للعيش في ألمانيا، وهناك ولدت سوسن شبلي، في ظروف صعبة لتكون الطفل رقم 11 في عائلة من 12 طفلا، والتي مكنها إصرارها من متابعة دراستها في العلوم السياسية، حتى وإن لم تعترف لها ألمانيا، حيث ولدت، بجنسيتها إلا بعد بلوغها 12 سنة.

محمد الصيباري

مجلس الجالية المغربية بالخارج

 

Exit mobile version