تتناول ورقة بحثية نشرت هذا الأسبوع واحدة من أكثر القضايا حساسية في أوروبا اليوم، وهي: إمكانية توحيد سياسة الهجرة واللجوء داخل الاتحاد الأوروبي، في ظل تنامي الخلافات بين الدول الأعضاء بشأن كيفية التعامل مع المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء.
الجدل الألماني مرآة للنقاش الأوروبي
وتنطلق الورقة التي نشرها المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، من حالة الجدل الألمانية كمثال مصغر يعكس الانقسامات الأوروبية الأوسع، خصوصا بعد مقترح وزير الداخلية الألماني “ألكسندر دوبريندت” القاضي بإتاحة احتجاز المهاجرين الخطرين أو مرتكبي الجرائم إلى أجل غير مسمى بانتظار ترحيلهم.
وخلصت الورقة إلى أن مشروع “دوبريندت” يشكل نقطة اختبار حقيقية لألمانيا والاتحاد الأوروبي في كيفية التوفيق بين الأمن القومي والقيم الدستورية والإنسانية.
وفي حال تبنّت برلين هذا النهج المتشدد، فقد يؤثر في صياغة سياسات الهجرة الأوروبية المقبلة، لكنه في المقابل قد يفتح الباب أمام مواجهات قانونية ودستورية داخل ألمانيا وخارجها، ويضع الاتحاد الأوروبي أمام سؤال محوري، كان هو عنوان الورقة: “هل يمكن بناء سياسة هجرة موحدة من دون المساس بأسس الديمقراطية الأوروبية؟”
مواقف الفاعلين بين الرفض والقبول المشروط
استعرضت الورقة مواقف الفاعلين السياسيين (الأحزاب، الوزراء، المفوضية الأوروبية) وتحليل انعكاساتها القانونية والحقوقية، مستندة أيضا إلى تصريحات رسمية وتقارير إعلامية ألمانية وأوروبية خلال أكتوبر 2025، وإلى مخرجات “قمة ميونيخ للهجرة”، التي جمعت وزراء داخلية عدة دول أوروبية.
ويدعو المقترح الألماني الذي طرحه وزير الداخلية “دوبريندت” إلى تشديد إجراءات الترحيل، وتمديد فترات الاحتجاز إلى أجل غير مسمى للمهاجرين الخطرين. كما اقترح حظر دخول دائم للمجرمين المطرودين، وإنشاء مراكز إعادة جديدة.
لكن المعارضة الداخلية على رأسها الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) رفضت الخطة ووصفتها بأنها “غير دستورية” لأنها تنتهك الحق في الحرية والكرامة الإنسانية. كما أيد عدد من الولايات هذا الموقف، واقترحوا بدائل مثل تفعيل “اتفاقية دبلن” لإعادة المهاجرين إلى دول التسجيل الأولى.
وهو الموقف الذي يعرف تأييدا من خبراء القانون ومنظمات اللاجئين، في مقدمتهم “برو أزيل (Pro Asyl)”، أكدوا أن الاحتجاز غير المحدود يخالف مبادئ الدولة الدستورية ويهدد الحقوق الأساسية.
فيما تأرجحت المواقف الحزبية الأخرى في الموافقة عليها، فمثلا حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) تبنّى الفكرة من حيث المبدأ، لكنه اعتبر أن تطبيقها على مستوى الاتحاد الأوروبي “غير واقعي”. وفي المقابل، أيّد الحزب الديمقراطي الحر (FDP) بعض جوانبها الأمنية، بينما رفضها حزب الخضر كليا.
هل الموقف الأوروبي يتجه نحو التشدد؟
ربطت الورقة بين الجدل الألماني والجهود الأوروبية لتوحيد نظام اللجوء (CEAS) عبر تشديد الرقابة على الحدود وتسريع الترحيلات، إذ المقترح الأوروبي يسمح باحتجاز يصل إلى 24 شهرا في الحالات الخطيرة.
ويبرز هذا الجدل القائم محدودية الاتحاد الأوروبي في بناء سياسة موحدة للهجرة، إذ تختلف أولويات دوله بين الأمن الإقليمي والحماية الإنسانية، كما أن الخلاف حول خطة “دوبريندت” يتجاوز البعد القانوني الداخلي، ليعكس صراعا أوروبيا أعمق بين منطق الأمن ومنطق الحقوق، فبينما يسعى التيار المحافظ لتشديد السياسة استجابة لضغوط الرأي العام وصعود اليمين الشعبوي، يتمسك الاشتراكيون والخضر بحدود القانون والدستور الألماني، وهذا مؤشر على أن القارة العجوز تتجه نحو نهج أكثر صرامة في التعامل مع المهاجرين.
في النهاية، يمثل صراع دوبريندت مع خصومه اختبارا لمعادلة حساسة: كيف يمكن لألمانيا أن تحافظ على أمنها دون المساس بقيمها الدستورية؟
فإن نجح الوزير في تمرير خطته، قد يشكل ذلك منعطفا حاسما نحو سياسة أوروبية جديدة أكثر تشددا، لكن الثمن قد يكون مواجهة طويلة أمام المحاكم الدستورية والمنظمات الحقوقية داخل ألمانيا وخارجها.