في إطار مشاركته في الدورة العشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، احتضن رواق مجلس الجالية المغربية بالخارج يوم الجمعة 21 فبراير 2014 مائدة مستديرة حول موضوع “التحولات المعاصرة في العالم العربي : أي دور للنخب؟”.
وعرفت هذه المائدة المستديرة التي قام بتسييرها رئيس مركز الشروق للديمقراطية والإعلام، والوزير الأسبق المغربي المكلف بحقوق الإنسان محمد أوجار، كل من السياسي المصري والمنسق السابق لحركة “كفاية”، جورج إسحاق، ومدير جامعة الإمارات العربية المتحدة، علي راشد عبد الله النعيمي، ورئيس التحرير السابق لجريدة “الاتحاد” الإماراتية، راشد الجنيبي، بالإضافة إلى الشاعر والمفكر الجزائري عمر أزراج، وأستاذ تاريخ الفلسفة بجامع نواكشوط عبد الله ولد أباه.
كسر البنية الاستبداديةفي بداية مداخلته اعتبر عبد الله ولد أباه بأن أهم ما حدث خلال الحراك العربي هو كسر البنية الاستبدادية في العالم العربي، والتي رافقها وهم إنتاج المجتمعات المثالية بعد هذه الثورات التي أحدثت تحولا كبيرا في العالم العربي.
وطرح هذا الانكسار، حسب ولد أباه ثلاثة تساؤلات : هل افظى هذا الانكسار الى تحول ديمقراطي حقيقي؟ كيف نحافظ على بنية الدولة أمام ما نراه من تفكك مجتمعي؟ وهل استطاعت هذه التحولات أن تكرس مسارا للتحول الثقافي يجعل المجتمعات العربية أكثر قابلية للتحول الديمقراطي؟
وعن دور الإعلام في التحولات التي عرفها العالم العربي خلال الثلاث سنوات التي شهدت ما سمي ب”الربيع العربي” أبرز ولد أباه أن ثورة الإعلام كان لها دورا حاسما في كسر الاستبداد “لأن الصورة أصبحث اكثر تأثيرا من المعرفة ولم تعد حاملة للخطاب فقط بل منتجا له ومؤثرة فيه”، مذكرا في نفس الوقت بأن الحركات الاحتجاجية التي عرفها العالم العربي في فترة الثمانينات والتسعينات كانت تفتقد لوسائط إعلامية بحكم احتكار الأنظمة للمجال السمعي البصري، مما جعل صداها محدودا مقارنة مع ما هو عليه الأمر اليوم.
“فقه الحاكم” و”فقه المحكومين”ركز جورج إسحاق خلال مداخلته بهذه المائدة المستديرة على التجربة المصرية وما عرفته من أحداث منذ سنة 2004 مع ظهور حركة “كفاية” التي قال إنها حقت ثلاثة مكتسبات هي: كسر ثقافة الخوف عند المصريين، واقتناص حق التظاهر في ظل نظام مستبد، وكذا أخذ حق نقد رئيس الدولة.
وعن دور النخب في الحراك الذي عرفه العالم العربي شدد جورج إسحاق على أن معظمها لم يستطع تحمل مسؤوليته في مرحلة البناء، مؤكدا على ما أسماه ب”فقه الحكام” الذي يدفع النخب إلى التمهيد للإستبداد وتوجيه خطاب تمجدي للمجتمع حول هؤلاء الحكام، و”فقه المحكومين” الذي ولد أساسا مع التطور المعلوماتي وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي ساعدت على خلق نخب جديدة بأفكار جديدة وخطاب جديد.
واعتبر جورج إسحاق أن السياق الحالي واستمرار اعتماد النخب القديمة على وسائل قديمة في الاشتغال، سيجعل النخب الجديدة التي تكونت أفكارها في الشارع تلعب دورها الطبيعي كظمير للأمة بأفكار مبتكرة وحديثة بالرغم من أن ثقافتها لم تظهر بعد ولكنها في طور التكوين.
وخلص إسحاق إلى أن ما تعرفه مصر حاليا هو نتاج لصراع “فقهالمحكومين” و”فقه الحاكم”، معتبرا إياه أمرا إيجابيا سيساهم في خلق دولة قوية.
نخبة مقيدةأما علي راشد النعيمي فقد ذهب إلى أنه من الخطأ اختزال التحولات التي عرفتها المنطقة العربية في سقوط نظام سياسي معين بالنظر لكونها أسقطت نظريات ومفاهيم وإديلوجيات، في وقت اعتادت فيه المجتمعات العربية على طول المدة الزمنية التي يستوجبها كل تحول.
وأبرز مدير جامعة الإمارات العربية المتحدة أن دور النخب الكلاسيكية المتمثل في التنظير وقيادة المجتمع نحو حركة تنويرية وانتظار استجابته قد تغير مع العولمة، التي كسرت الحواجز بين الثقافات وأصبح معها الشباب العربي في تعامل دائم مع نخب من خارج العالم العربي؛ مضيفا أن الجيل الجديد من الشباب يتفاعل مع الموجهات بآليات مختلفة كليا، تعتمد على قراءة وتحليل نصوص قصيرة عوض قراءة كتب ومراجع لمفكرين وفلاسفة.
وأبرز علي راشد النعيمي أن دور النخبة أصبح مقيدا بحيث أن “الانسان حاليا يجب ان يدرك حاجة الجماهير حتى يستطيع التاثير فيها وتقبلها له سيحدد انتماءه الى النخبة من عدمه”.
الحرب الفكرية بين نخبتينقدم الإعلامي راشد الجنيبي خلال مداخلته، جردا لتطور النخب في المجتمعات العربية، بدءا من ترسخ مفهوم النخب في الوجدان العربي في تلك القامات والشخصيات الفكرية التي تملك القدرة على التاثير في المجتمع وصنع الراي العام، مرورا بالنخب الليبرالية والعلمانية التي حاولت ان تستمد مشروعيتها من الغرب، والتي وبعد أن فقدت القدرة على التأثير في المجتمع، فتحت المجال أمام النخبة الدينية التي استمدت مشروعيتها من الشارع ومن الاحتجاجات وتحولت الى نخبة لانها رصدت فشل النخب الليبرالية في توقع ما حدث واستيعابه.
وأدى هذا الوضع بحسب راشد الجنيبي إلى صراع بلغ حد “الحرب الفكرية” بين النخبة الدينية والنخبة الليبرالية العلمانية، وبين نموذجين متقابلين يريد أحدهما إخراج المجتمع من تاريخه والعودة به إلى قرون سابقة، و يسعى آخر إلى أن يجعل من هذا المجتمع العربي مجتمعا باريسيا أو لندنيا.
وعبر رئيس التحرير السابق لجريدة “الاتحاد” عن تشاؤمه مما حدث في المنطقة العربية، مبرزا أن أي جديد سيأتي بنخب جديد قد يجعل الجميع يتفاجأ بها نظرا لبداية انهيار مفهوم الأسرة الممتدة والفراغ للموجود على مستوى التنشئة السياسية في المجتمعات العربية والذي يجعل وسائل اتواصل الحديثة تخلق وعيا جديدا لا ندري أين سيصل بنا،”الامور تبدو وكأنها تسير بسرعة اكثر مما نتوقعها وسنكون مجانبين للحقيقة إذا قلنا بأننا ندري ما سينتج عن هذه التحولات” يضيف راشد الجنيبي.
أزراج والحزب الواحدمن جهته استعرض الشاعر الجزائري عمر أزراج في مداخلته تحربته الشخصية ضد مفهوم الحزب الواحد، من خلال مساره الشعري الذي اضطره إلى مغادرة بلاده مكرها نحو لندن والعودة إليها بعد عشرين سنة ليجد دار لقمان مازالت على حالها ومن كان ينتقدهم مازالوا في السلطة مع تغيير بسيط متمثل في ممارسة الديكتاتورية بالحرير عوض ممارستها بالسلاسل كما كان في الماضي؛ و”الحزب الواحدة ولد أبناء له سماها أحزابا”، يقول بتعبيره
وشدد المفكر الجزائري على أن الشعر يصبح خطيرا عندما يزلزل كراسي المفسدين، وأن الطريق إلى الديمقراطية يجب أن يمر على أجساد المطالبين بها.
محمد الصيباري
مجلس الجالية المغربية بالخارج