انطلقت يوم الأربعاء 27 يوليوز 2016 بمقر مجلس المستشارين بالرباط أشغال الندوة الدولية حول موضوع “مغاربة العالم والجهوية الموسعة” التي ينظمها مجلس الجالية المغربية بالخارج بشراكة مع الغرفة الثانية.
وأجمعت المداخلات الافتتاحية لهذه الندوة على أهمية تنزيل ورش الجهوية الموسعة بالنسبة لمستقبل المغرب والمكانة المحورية التي توليها المملكة لمغاربة العالم ومدى قدرتهم على الإسهام في إنجاح هذا الورش وفي تنمية الجماعات الترابية التي ينحدرون منها.
بنشماش: لا يمكن الحديث عن الديمقراطية التشاركية في ورش الجهوية دون إشراك الجالية
في كلمته الافتتاحية خلال هذه الندوة نوه رئيس مجلس المستشارين، عبد الحكيم بنشماش، بتفاعل مجلس الجالية المغربية بالخارج كأول مؤسسة دستورية مع توصيات الندوة التأسيسية للمنتدى البرلماني للجهات، التي نظمتها الغرفة الثانية في يونيو الماضي، باقتراح تنظيم هذا الملتقى وإشراك مغاربة العالم في ورش الجهوية المتقدمة الذي يتوخى منهأن يكون حجر الزاوية لمغرب الغد، معتبرا بأن الجهوية “مشروع مجتمعي كرسه دستور 2011 كإطار لبلورة إستراتيجية بديلة لتحقيق تنمية سوسيو اقتصادية متوازنة، من خلال الاستثمار الأمثل للمؤهلات والموارد الذاتية لكل جهة واستنهاض همم مختلف الفاعلين، سواء منهم المقيمين بالمغرب أو بالمهجر، والمشاركة في إقامة وإنجاز المشاريع المهيكلة الكبرى وتقوية جاذبية الجهات”.
وبعد إشارته الى دور الجهوية في إنتاج النخب، أكد بنشماش على أن هذا المشروع المجتمعي الذي يقوم على أساس الديمقراطية التشاركية لا يمكن أن يستقيم من دون اشراك فعلي لمغاربة العالم “الذين لا يدخرون جهدا في خدمة المصالح العليا لبلادنا وإدماجهم في خدمة الجهات التي ينحدرون منها ومساهمتهم في بناء الوطن وكذا على تمتين أواصر الصداقة و التعاون مع حكومات و مجتمعات البلدان المقيمين بها” يقول.
ومن بين عناصر التفكير ذات الارتباط بموضوع الندوة التي طرحها بنشماش التنصيص الدستوري على ضرورة الاهتمام والدفاع على حقوق مغاربة العالم، معتبرا أن سهر الدولة على تقوية مساهمة مغاربة العالم في تنمية وطنهم المغرب (سواء على المستويين الوطني أو الترابي) بمثابة التزام إيجابي للدولة.
وقال رئيس مجلس المستشارين في هذا الإطار إن تقوية مساهمة مغاربة العالم في تنمية وطنهم المغرب، يمكن أن تكون مدخلا من مداخل أجرأة حرص الدولة (عبر سياسات عمومية ملائمة) على الحفاظ على الوشائج الإنسانية مع مغاربة العالم و لاسيما الثقافية منها و العمل على تنميتها و صيانة الهوية الوطنية لمغاربة العالم، مؤكدا على أن المدخل الدستوري متلائم مع الاتفاقية الدولية لحماية المهاجرين وأفراد أسرهم، ومع توصيات بعض المقررات الأممية التي تدعوا إلى ضرورة جعل الهجرة رافعة للتنمية.
بوصوف : خبرة مغاربة العالم رافعة أساسية لإنجاح ورش الجهوية
من جهته ركز الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج عبد الله بوصوف، في مداخلته على اهتمام المجلس بالجهوية لكون الانتماء الأساسي للإنسان المغربي هو انتماء إلى الارض وإلى الجهة، ووصف علاقة مغاربة العالم بأرضهم وجهاتهم بالعلاقة الميتافيزيقية لكون المهاجر المغربي لا يأتي إلى وطنه كزائر فقط بل يأتي بالوجدان والشعور بالانتماء والارتباط بالأرض.
وقال بوصوف إن رغبة المجلس من خلال هذه الندوة هي الإسهام في النقاش حول ورش الجهوية نابع منكون أفراد الجالية المغربية يعيشون في جهويات عبر العالم، كفاعلين سياسيين، وكفاعلين في المجتمع المدني وكمواطنين وكمساهمين في التنمية، وهو ما يمكن أن يجعلهم رافعة في ورش الجهوية الموسعة في المغرب، ويخول لهم، بالنظر إلى خبرتهم وتراكماتهم، إيجاد بعض عناصر الحلول لإشكاليات الموارد البشرية التي تمثل العمود الاساسي لانجاح مشروع الجهات.
وأبرز بوصوف الرغبة الحة لمغاربة العالم في المساهمة في إنجاح هذا الورش والتي تعكسها الطلبات الكثيرة التي توصل بها المجلس من مجموعة من مغاربة العالم للمشاركة في هذا اللقاء، معتبرا ذلك بمثابة التزام معنوي “لانجاح هذا المشروع الأساسي من أجل إحداث تنمية نحن في أمس الحاجة إليها في هذا العالم المتحول” يضيف.
وفي نفس الإطار طالب عب الله بوصوف بالاستفادة من خبرة وكفاءات الجالية المغربية التي تتجاوز بكثير إسهاماتها في التحويلات المالية، وعبر عن أمله في أن يكون هذا اللقاء مناسبة لإيجاد العناصر الأولية لإدماج قضايا الجالية المغربية في ورش الجهوية لإيجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي تعترض مغاربة العالم على مسترى الجهات التي ينحدرون منها، كما عبر عن استعداد المجلس للمساهمة في لقاءات مع الجهات من أجل توفير المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بالجهات التي ينتمي إليها المهاجرون المغاربة.
من جهة أخرى أكد الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج على الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه الغنى الثقافي لمختلف الجهات المغربية في سياق ما يعرفه العالم من تطاحنات وما تعيشه الإنسانية من تطاحنات وبربرية، معتبرا أن المغرب الذي ينظر إليه كنموذج للإسلام الوسطي يمكن للتنوع الثقافي على صعيد جهاته أن يدعم التعايش والتنوع والانفتاح وهو ما سيزيد من شعور المغاربة بالانتماء، ويدفع المبدعين المغاربة في الخارج إلى اعطاء بعد عالمي للثقافة المغربية في البلدان التي يعيشون بها.
الشرقي الضريس : ورش الجهوية الموسعة سيساهم في تحسين الخدمات الموجهة لمغاربة العالم
أما الوزير المنتدب في الداخلية، الشرقي الضريس، فقد ركز في كلمته بهذه المناسبة على الأهمية الخاصة التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لمغاربة العالم، وعنايته بهذه الفئة الظاهرة في الخطابات الملكية التي تجعل قضايا ومشاكل مغاربة العالم في صلب اهتمام الجماعات الترابية التي زادت اختصاصاتها مما جعلها في علاقة مباشرة للاستجابة لقضايا القرب المتعلقة بمغاربة العالم.
وقال في هذا السياق إنه وحرصا من جلالته على رعاية شؤون مغاربة الخارج فقد أعطى أوامره للوقوف بكل حزم لمواجهة المشاكل الاختلالات والعمل على الرفع من الخدمات الادارية المقدمة لهم”.
وبعد تذكيره بتأكيد جلالة الملك على العمل بكل حزم لمواجهة الاختلالات التي قد يتعرض لها أفراد الجالية المغربية واتباع المرونة في معالجة قضاياهم للرفع من جودة الخدمات الادارية المخصصة لهم، شدد الوزير المنتدب في الداخلية على أن ورش الجهوية المتقدمة يعد نقلة متميزة في منظومة متكاملة تتوخى تحولا في أنماط التدبير الترابي وطفرة للنهوض بالتنمية المستدامة، كرسها الدستور المغربي الذي يجعل من ورش الجهوية المتقدمة نظاما ديمقراطيا يمكن الجهات من المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل يجعلها قادرة على انعاش الاقتصاد وجلب الاستثمار المنتج للثروة وتقوية جاذبية الجهة.
أنيس بيرو: يجب أخذ انتظارات الجالية بعين الاعتبار في مشروع الجهوية
بدورة نوه الوزير المكلف بمغاربة العالم وشؤون الهجرة أنيس بيرو بمبادرة تنظيم هذه الندوة التي تمثل رسالة مهمة تعني أن ما يعيشه المغرب هو شأن المغاربة أينما وجدوا، معتبرا أن تنزيل الجهوية الموسعة تضع مسوولية على الجم لتكون الجهة مجالا للعطاء والابداع وتحريك مجالات التنمية.
وأشار بيرو إلى الاهتمام الملكي المتواصل بالجالية المغربية بالخارج، المهمة بعددها وبانتشارها في دول كثيرة والتي يمكن للمغرب أن يستفيد من تراكماتها في دول الهجرة خصوصا وأن أفرادها يعبرون عن استعدادهم للمساهمة في هذا الورش.
ولم يفوت أنيس بيرو فرصة التذكير باستراتيجية الحكومة الخاصة بمغاربة العالم التي تهدف الى إرساء مقاربة شاملة لقضاياهم والدفاع عن مصالحهم وتعزيز هوياتهم، من خلال تحديد ثلاث تحديات أساسية هي تمتين ارتباط الجالية بوطنها الأم خصوصا الاجيال الجديدة، والدفاع عن مصالح وقضايا مغاربة العالم، وكذا تعزيز مسامتهم في اشعاع وطنهم الأم وتنمية الجهات التي ينتمون اليها.
ودعا المسؤول الحكومي إلى ضرورة أخذ الجالية وانتظاراتها بعين الاعتبار عند تنزيل ورش الجهوية الموسعة، ومراعاة إشراك طاقات وكفاءات مغاربة العالم في الجهوية والإنصات لهم والتعاون معهم للمساهمة في التنمية الاقتصادية.
الصديقي: الجانب الاجتماعي لمغاربة العالم أولوية حكومية
وفي نفس الاتجاه ذهبت كلمة وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية عبد السلام الصديقي، الذي تحدث عن الأولوية التي يحظى بها الجانب الاجتماعي لمغاربة العالم بالنسبة للحكومة وحرصها من أجل الدفاع عن حقوقهم في دول الاستقبال وفي المغرب وفق مقاربة تعتمد على تكثيف البرامج الاجتماعية وإبرام العديد من الاتفاقيات في الضمان الاجتماعي مع مجموعة من الدول التي تقيم فيها الجالية المغربية ضمانا لحقوقهم ووفق مبادئ المساواة في التعامل مع مواطنين البلاد والحق في تحويل الخدمات الاجتماعية المضمونة الى المغرب والمتمثلة في التعويضات العائلية وبعض التعويضات الأخرى مثل تعويرضات الأمومة ومعاش الشيخوخة وتعويضات أمراض حوادث الشغل.
وأبرز الصديقي في هذا الإطار أن المغرب عقد 15 اتفاقية مع مجموعة من الدول وكذا تعديل عدد من الاتفاقيات المبرمة لتتماشى مع التعديلات التي عرفتها قوانين الحماية الاجتماعية في دول الاقامة، معلنا في نفس الوقت عزم وزارته تنظيم حملات تحسيسية لمغاربة العالم وأفراد أسرهم في المغرب للتعريف بالخدمات ومضمون اتفاقيات المغرب مع الدول الأجنبية المتعلقة بمغاربة العالم.
لعنصر: مستعدون للحوار للاستفاد من خبرة الجالية في السياسات الجهوية
كما شهدت الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة الدولية مداخلة لرئيس جمعية رؤساء الجهات امحند العنصر، أكد فيها على الاهتمام التي توليه الجالية للحياة السياسية في المغرب والذي لا يوازيه سوى العطف السامي والرعاية التي يوليها صاحب الجلالة لهذه الفئة؛ مضيفا أنه اذا كانت الظروف تستدعي التعامل مع مغاربة العامل بمساطير موازية فإن تنزيل الجهوية سيساهم بشكل فعال في تحسين الخدمات المقدمة إليهم خصوصا في ظل الارتباط الكبير لأفراد الجالية مع الإدارة الترابية بجميع مرافقها إذا كان المهاجر هو الذي يبحث عن الجهة، فقد أصبح ال لزاما أن تكون الجماعات الترابية ي من يبحث عن ابنائها وجاليته يضيف.
ودعا لعنصر في هذه الكلمة إلى حوار صريح في هذا الموضوع للوقوف على قدرة الجهات على استحضار عنصر الهجرة في جميع مخططاتها، وهو ما يتطلب اجراءات وقنوات جديدة لأن الجالية اليوم يجب أن تكون مرتبطة بالجماعات التي تنحدر منها والتي تتطلب خدماتها أكثر من ارتباطها بالمؤسسات الوطنية في المركز، معبرا عن استعداد المجالس الجهوية للتباحث والحوار لمناقشة كيفية الاستفادة من مغاربة العالم كعنصر أساسي في السياسات الجهويية، وكفاعل يساعد من خلال الترافع على المشاكل على الصعيد الوطني.
فؤاد أحيضار: مغاربة في بلجيكا في حاجة إلى دعم الوطن الأم
ومن ضمن الكلمات المبرمجة في الجلسة الافتتاحية كلمة البرلماني المغربي في بلجيكا ورئيس البرلمان الجهوي لمنطقة بروكسيل الفرنكوفونية فؤاد أحيضار، الذي طالب بتمكين المغاربة المقيمين بالخارج من المشاركة السياسية في المغرب، ونوه بأهمية الجهوية الموسعة التي تقرب القرار إلى المواطنين وعدم اتخاذ القرار في العاصمة معتبرا ذلك مكسبا كبيرا للمغرب ويطرح في نفس الوقت السؤال حول كيفية العمل والانفتاح على مغاربة العالم.
وتوقف أحيضار على جوانب من الهجرة المغربية في بلجيكا والتحولات التي طرأت عليها عبر المراحل التاريخية، وسلط الضوء على الظروف القاسية التي تمر منها في الوقت الحالي بسبب ارتفاع العنصرية والإسلاموفوبيا وفشل اندماج بعض الفئات؛ وانتقد السياسي المغربي في بلجيكا ما أسماه شعور مغاربة بلجيكا أن بلدهم متخلية عنهم في مواجهة الانقسام في الهوية الذي يعيشونه بسبب مشاكل في التواصل، مؤكدا على الحاجة الملحة لمغاربة بلجيكا لمساندة وطنهم الأم “نحن في حاجة إليكم وأنتم في حاجة إلينا اليوم أكثر من أي وقت مضى نظرا لما نعيشه من العنصرية والإسلاموفوبيا، وعلى الأم أن تكون حاضرة إلى جانب أبناءها” يصرح.
وشهدت الجلسة الافتتاحية للندوة الدولية حول موضوع مغاربة العالم والجهوية الموسعة، تكريم روح الموحوم محمد صايم الرئيس السابق لجمعية هولندا لمساعدة العائدين ببركان، حيث تمت تلاوة رسالة تأبينية باسم الجمعية توقفت على دور الفقيد في الدفاع على حقوق مغاربة هولندا العائدين ونضالاته من أجل الحفاظ على حقوقهم المكتسبة خصوصا إبان المفاوضات حول تخفيض الحكومة الهولندية لتعويضات الأرامل واليتامى.
وتدور أشغال الندوة، حول ثلاثة محاور رئيسية تشمل، اختصاصات السلطات المحلية والجهوية في ميدان الهجرة: تقديم بعض النماذج الدولية والمغربية لرصد مكامن القوة ونقط الضعف، و” مجالات عمل الجهات ومغاربة العالم: أي دور ومهام للجهة في إطار تحقيق التكامل والتوازن، والتنسيق بين مختلف القطاعات والمؤسسات الوطنية والجهوية العاملة في ميدان مغاربة العالم؟»، إضافة إلى محور متعلق ب”الجهوية المتقدمة في خدمة حقوق مغاربة العالم وتوطيد روابطهم الثقافية الاقتصادية ومساهمتهم في تنمية مناطقهم الأصلية”.
تقرير: محمد الصيباري
تصوير: مفدي الطالبي
