خلص مشروع بحثي حديث بعنوان «مسارات – التدفقات المهاجرة والمهارات وتحول الطاقة»، إلى أن إدماج المهاجرين في قطاعات الاقتصاد الأخضر والتحول الطاقي ليس نتيجة ثانوية للتحول المناخي، بل عامل أساسي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة ونمو سلاسل الإمداد الجديدة عبر الأقاليم.
المشروع، الذي عرض في العاصمة الإيطالية روما أكتوبر الجاري، وأنجزته مؤسسة “ماير-إي تي إس” بحضور وزير الداخلية الإيطالي “ماتيو بيانتيدوسي” وعدد من المسؤولين والخبراء في مجالات الطاقة والهجرة وسوق العمل.
الأجانب يشكلون خُمس الوظائف الخضراء
أظهرت إحدى الدراسات الثمانية المدرجة ضمن المشروع، بحسب موقع “مهاجر نيوز” أن العمال الأجانب يشكلون أكثر من 20% من العاملين في “الوظائف الخضراء” بإيطاليا عام 2023، غير أن التوزيع المهني ما زال غير متكافئ؛ إذ يحتل الإيطاليون المناصب المتخصصة، بينما يُوظّف القادمون من خارج الاتحاد الأوروبي غالبا في الأعمال البسيطة. ويعزو التقرير هذا التفاوت إلى صعوبة معادلة الشهادات الأجنبية، والحواجز اللغوية والثقافية، وغياب مسارات تدريب موجهة.
وقدرت الدراسة أن حاجة السوق الإيطالية تبلغ أكثر من 800 ألف عامل إضافي في مجالات الاقتصاد الأخضر، في وقت تشير توقعات أوروبية إلى إمكانية خلق 2.5 مليون وظيفة جديدة بحلول 2050، و8 ملايين وظيفة عالميا بحلول 2030، بفضل التحول المناخي.
الهجرة فرصة لتعزيز التحول البيئي
من جهته أكد وزير الداخلية الإيطالي “ماتيو بيانتيدوسي” أن “تدفقات الهجرة تمثل فرصة حقيقية لدعم نظام الإنتاج الوطني، خاصة في القطاعات المرتبطة بالتحول البيئي”، مشددا على أن إدماج المهاجرين ضرورة استراتيجية وليست مجرد سياسة اجتماعية.
التدريب الموجه.. مفتاح الإدماج
دعت الدراسة إلى إطلاق برامج تدريب متكاملة تختصر مدة الاعتراف بالمؤهلات وتطور المهارات التقنية والرقمية واللغوية للمهاجرين، مع مواكبة من مرشدين مختصين. وفي هذا السياق، قال رئيس مؤسسة “ماير-إي تي إس” فابريزيو دي أماتو إن “القطاع يعيش نقصا حادا في الكفاءات المهنية، ويمكن للمهاجرين واللاجئين سد هذا العجز إذا تم تأهيلهم عبر ممرات عمل منظمة”، مشيرا إلى أن المؤسسة أطلقت برنامجا جديدا يهدف إلى استقطاب وتدريب 100 مهني سنويا، ضمنهم مهاجرون ولاجئون، مضيفا أنه “ينبغي على الشركات الاستثمار في التدريب والإدماج كجزء من استراتيجياتها للاستدامة، بدعم من الشركاء المؤسسيين”.
اللاجئون المؤهلون يثبتون قدرتهم على التكيف السريع
خلص البحث إلى أن التجارب الأوروبية الرائدة أظهرت أن اللاجئين ذوي المؤهلات المهنية العالية قادرون على الاندماج السريع في بيئات العمل، بما يعود بالنفع على الشركات من حيث الإنتاجية والتنوع الثقافي. كما أبرزت الدراسة أن ممرات العمل القائمة على احتياجات السوق، والتدريب المسبق في بلدان المنشأ، أثبتت فعاليتها العالية.
الزراعة الضوئية والمناطق الصناعية
من بين المجالات المدروسة، ركز المشروع على الزراعة الضوئية — وهي قطاع ناشئ يجمع بين الزراعة والطاقة الكهروضوئية — إضافة إلى المناطق الصناعية الخضراء.
وأشار التقرير إلى أن المهاجرين الذين يمتلكون خبرة زراعية يمكن تدريبهم بسهولة على تقنيات الزراعة الضوئية الحديثة، بينما تتحول المناطق الصناعية إلى فضاءات “مختبرية” للابتكار الاجتماعي والاقتصادي عندما تلتقي فيها العمالة الأجنبية مع أهداف الاستدامة البيئية.
بهذا يضع المشروع تصورا جديدا للهجرة في إيطاليا، بوصفها رافعة للتحول البيئي والطاقي، لا عبئا اجتماعيا، مؤكدا أن نجاح “الوظائف الخضراء” مرتبط بمدى قدرة الدولة والقطاع الخاص على دمج المهاجرين في الاقتصاد المستدام بروح الشراكة والتدريب المستمر.