وجه البابا “ليو” الرابع عشر دعوة لتجديد الالتزام الجماعي بالعمل الإنساني والتربوي والأخلاقي في مواجهة تحديات أزمة الهجرة والنزوح المتصاعدة في العالم، خلال خطاب ألقاه أمام المشاركين في الاجتماع الدولي بعنوان “اللاجئون والمهاجرون في بيتنا المشترك”، الذي انعقد بالفاتيكان يوم الخميس 2 أكتوبر 2025.
وشدد البابا في عظته، خلال تطرقه إلى موضوع مأساة المهاجرين، على التحديات والمعاناة التي يواجهها هؤلاء الناس في رحلتهم نحو مستقبلٍ أفضل، وهي رحلة غالبا ما اتسمت بالعنف والخوف والتشتت، كما دعا إلى جعل كرامة الإنسان في صميم كل سياسة أو خطة عمل تتعلق بالهجرة.
التعرف على الألم
أكد البابا في كلمته بعد حديثه عن المسار الذي يسلكه كثير من المهاجرين، على الأهمية الجوهرية للاستجابة لنداءات هؤلاء الناس طلبا للمساعدة. وقال إنهم يُجبرون على الفرار من أوطانهم هربا من الصراع والاضطهاد، ويواجهون رحلات بحرية محفوفة بالمخاطر، أملا في إيجاد ملاذ آمن. كل قارب، محمل بالأحلام والمخاوف، يُمثل قصة معاناة تستحق الاهتمام والتعاطف. وعبر عن طلبه بوضوح: لا يمكننا أن نسمح للامبالاة والتمييز بأن يصبحا الحل لطالبي اللجوء.
في هذا السياق، دعا البابا إلى تجديد النهج الأوروبي تجاه المهاجرين، وجه المؤسسات والمواطنين إلى عدم التقاعس في مواجهة أزمة إنسانية بهذا الحجم، وإلى فتح أذرعهم وقلوبهم واستقبال من يجدون أنفسهم في وضع هش، بحثا عن الأمان.
وفي هذا السياق، حثّ البابا المجتمعات على أن تكون فاعلة في عملية الترحيب هذه، ودعا إلى خلق مساحات للحوار والإدماج، حيث يشعر المهاجرون بالأمان والتقدير، ونبه إلى أنه بهذه الطريقة، لا تستطيع المجتمعات الأوروبية مساعدة المحتاجين فحسب، بل تثريها أيضا التنوع الثقافي الذي يحمله المهاجرون معهم.
مشروع يمتد لثلاث سنوات
وبين البابا أن هذا المؤتمر، الذي يهدف إلى إطلاق مشروع يمتد على مدى ثلاث سنوات، يقوم على أربع ركائز رئيسية هي: التدريس، والبحث، والخدمة، والدعوة.
وأوضح أن هذه المبادرة تستجيب لدعوة البابا فرنسيس السابقة للمجتمعات الأكاديمية إلى المساهمة في تلبية احتياجات المهاجرين والنازحين، كلٌّ في مجال اختصاصه، مؤكدا أن هذه الركائز تمثل جزءا من مهمة موحدة ترمي إلى جمع الأصوات والخبرات من مختلف التخصصات لمواجهة التحديات الناتجة عن تزايد أعداد المتضررين من الهجرة، الذين يُقدر عددهم بأكثر من 100 مليون شخص حول العالم.
ثقافة المصالحة في مواجهة “عولمة العجز”
وفي خطابه، حث البابا المشاركين على التفكير في موضوعين رئيسيين لدمجهما في خططهم المستقبلية: المصالحة والأمل، مشجعا على تطوير مبادرات وسياسات ملموسة لتعزيز المصالحة، خصوصا في البلدان التي تعاني من آثار الحروب والنزاعات الطويلة. وقال إن السعي إلى سلام دائم يتطلب حلولا تمس القلوب والعقول، لا الاكتفاء بالإجراءات التقنية أو السياسية.
وأشار إلى أن أحد أبرز العوائق أمام معالجة قضايا الهجرة هو اللامبالاة على المستويين المؤسسي والفردي، وهو ما وصفه سلفه بـ”عولمة اللامبالاة”، حيث يعتاد الناس على معاناة الآخرين دون محاولة التخفيف عنها.
وأضاف أن هذا الموقف قد يقود إلى ما سماه بـ”عولمة العجز”، أي الشعور بالعجز أمام المآسي، وفقدان الإرادة على الفعل أو التغيير. ودعا إلى مواجهة هذا الواقع عبر ترسيخ ثقافة المصالحة، التي تقوم على الحوار، والإنصات، والقدرة على التعاطف، والاعتراف بإنسانية الآخر وأحلامه وآماله المشتركة.
المهاجرون شهود على الأمل
وأكد البابا ليو الرابع عشر أن المهاجرين واللاجئين يمثلون شهودا للأمل من خلال صبرهم وإيمانهم في مواجهة الصعاب، وأن قصصهم الإيجابية تمثل مصدر إلهام للمجتمعات التي تستقبلهم، وإلى أن إبراز هذه النماذج يسهم في إحياء روح التضامن والرجاء.
ودعا إلى الاحتفاء بهذه القيم ضمن فعاليات يوبيل المهاجرين والبعثات في إطار اليوبيل المقدس المقبل، معتبرا أن هذا الاحتفال يمكن أن يكون مناسبة لتجديد الالتزام ببناء مستقبل أكثر إنصافا وإنسانية.
واختتم البابا كلمته بدعوة الجميع إلى العمل من أجل ثقافة اللقاء والمصالحة والتضامن الأخوي لما فيه خير البشرية جمعاء.