لم تكن الهجرة واحدة من خياراته الحياتيّة، خاصّة وأنّه اعتاد، منذ ريعان شبابه، التنقّل بين دول أوروبيّة عدّة قبل العودة لإتمام حياته وسط جبال الريف.. إلاّ أنّه اليوم، من وسط التزاماته المهنية المقترنة بأسواق المال والأعمال، يعترف بكون الرياح لا تهب دوما بما تشتهيه السفن.
وُلد المنتصر الخمليشي بمدينة الحسيمة ليتلقّى تعليمه بمؤسساتها المدرسيّة وصولا إلى ثانوية أبي يعقوب البادسي، وبعد حصوله على شهادة البكالوريا هاجر صوب مدينة مالقة الإسبانية من أجل استكمال دراسته العليا في الاقتصاد، وأفلح إلى جوار ذلك في الحصول على دبلومات عدّة أبرزها كان في مجال الإعلاميات.
ويقول الخمليشي إن تحركه صوب الهجرة لم يكن مبرمجا، حتّى أنّ حطّه الرحال بإسبانيا كان مستبعدا بفعل تفضيله دولا أخرى في السابق، لكنّ عدد من المحددات الذاتيّة تحكّمت في كلّ ذلك، منها تشجيعات بعض من أصدقائه وكذا تسهيلات دراسية صادفها.. وهو اليوم مدير لوكالة بنكيّة بقلب مَالقّة.
السياحة قبل الدراسة
يقول المنتصر إنّه حطّ الرحال بمَالقَة من أجل السياحَة، فقط لا غير.. إذ تحرّك صوب المنطقة، قبل ثلاثين عاما، في زيارة لأصدقاء.. إلاّ أنّه لم يفارق المدينة حتّى الحين.. ومردّ ذلك إلى التوفيق الكبير الذي طال مسار الخمليشي وهو ينبي مستقبله وسط أبناء جيله من المغاربة والإسبان والمنحدرين من جنسيات أخرَى ممّن يشاركونه ذات الفضاء.
ذات المغربي يصرّح بأنّ مقدمه إلى الجنوب الإسباني كان يستلزم منه البحث عن السكن زيادة على تقرير مستبله الدراسيّ، إضافة إلى توفير تكاليف الجامعة.. وذلك عكس ما هو جار حاليا من توفر اتفاقيات بين المؤسسات الأكاديمية المغربية ونظيراتها الإسبانية تسهّل العديد من الجوانب المعقّدة.
“لم أكن اتوفر سوى على منحة هزيلة من 1000 درهم شهريا، وهي غير كافيّة لأي من المستلزمات، لكنّ إتقاني لعدد من اللغات جعلني أوازن ما بين دراستي وعملي كملقن لبعض اللغات في مَالقّة.. فقد أعانني ذلك في تحصيل بعض المال، وبعدما نلت دبلوم إعلاميات أخذت أعطي دروسا في هذا الشأن.. فباشتغالي لأنصاف أيّام أفلحت في استكمال تمدرسي الجامعيّ دون مشاكل” يضيف المنتصر.
تخصص في المال
عمد ابن الحسيمة المستقر بالأندلس إلى ولوج المدرسة العليا للدراسات المقاولاتيّة، مفردا مسيرته لدراسة المؤسسات المالية والبنوك إلى أن حصل على مَاستر بها.. بعدها توجّه نحو التمويلات الاوروبيّة كي يسمّى خبيرا ضمنها.. كل ذلك بتشجيع من زوجته التي يعلنها الخمليشي شريكة في كل نجاحاته.
ويقرّ المنتصر بأنّ تكوينه قد أعطاه الفرصة للتعرف على عدد من الأطر الإسبانيّة وغيرها من أجل تبادل الخبرات والأفكار، موسّعا بذلك مجاله الاجتماعي وفاتحا أمامه آفاقا عديدة أثرت على مستقبله، حتّى أنّه أضحَى فاعلا وسط مؤسسات عليا تفيد بكل المستجدّات التدبيرية ضمن المجال المالي، كما يلمّ بكل ما يطرأ على قوانين المجال من تعديلات.
نشاط جمعويّ
يتوفر المنتصر الخمليشي على خبرة في العمل الجمعوي، أبرزها مقترنة بعملية عبور مغاربة العالم صوب الوطن الأمّ واستطالت على 6 سنوات بالتمام والكمال.. ذلك أن ذات المغربيّ كان عنصرا مؤثرا في تنظيم عمليات العبور انطلاقا من ميناء مَالقّة، ما مكّنه من الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع عدد من المغاربة المستقرين بأوروبا حتى الحين.
ووفقا للخمليشي فإنّ هذا المسار الجمعوي الذي انخرط فيه قد مكّنه من معرفة المشاكل اليومية التي تعتري عمليات العبور بطريقة مكّنت من الانخراط في تخطيها باقتراح حلول لعدد من الإشكالات.. كما ان موقعه الحالي ضمن الوكالة البنكية التي يسيّرها بمَالقَة يجعله في صلب شؤون بعض المغاربَة.. بل هناك من يقصد الوكالة لا لشيء إلاّ ليتحدّث عن مشاكله الخاصّة بحثا عن حلول قد تسهم في حلحلتها.. وفق تعبير المنتصر.
عين على المغاربة
يرى الخمليشي بأنّ حملات الهجرة الأولى نحو مالقَة قد كانت نسويّة بالنسبة للمغاربة، متحدّثا عن نسبة 85% في تأنيث المغاربة خلال تلك الآونة.. ويزيد: “بعد ازدياد الطلب على اليد العاملة في مجال البناء ارتفع عدد الذكور، وأصبح هناك نوع من التساوي مع النساء، والمغاربة يعيشون بشكل جيد وفي جميع الطبقات الاجتماعية بالمنطقة، لكن المثير للاهتمام هو بروز أطر مغربية لم تكن في السابق، وهم المتنوعون ما بين الأطباء جراحين المشهورين والأساتذة والمهندسين وخريجي الكليات والمعاهد، محققين توازنا يحق للمغرب أن يفاخر به”.
“المغرب بلدي، هو ملازم لأجدادي وأصدقائي وعرقي وكل شيء، به ولِدت وتربيت، وقد اخترت أن أبقى بمالقة قريبا منه، إذ أن أملي الوحيد يكمن في أن أواصل الالتصاق به على الدوام، أنا وأولادي، فالمغرب هو بلدي الأول كما إسبانيا بلد ثان بالنسبة إلي.. إسبانيا أشتغل بها لكنّ المغرب يمشي كالدماء في عروقي وكامل بدني” يزيد المنتصر الخمليشي.
طموح ضدّ الخمول
يرى ذات المغربي بأنّ الباحثين عن النجاح لا ينبغي أن يقرنوا مستقبلهم بالبحث عن وظيقة، معتبرا أن النجاح يقترن بالبحث عن الحلول في إطار القانون دون تجزيء وبعيدا عن الخمول..
ويزيد نفس المتحدّث: “أعرف أساتذة كانوا يتعمّقون في العلم بينما لا يعملون إلاّ بالمقاهي أو ما توفر من مهام موسميّة كصباغة المنازل.. همّهم كان يقترن بكسب المال حتّى لا يبقوا عالات على غيرهم وهم يطمحون للأفضل”، ويسترسل: “الشباب مطالبون بالطموح الجامح لا أن يبقوا جالسين منتظرين لما قد يأتي.. ودون هذا الطموح لا يمكن تحقيق أي تقدّم من لدن الأفراد كما الجماعات..”.