أضحت الهجرة في إسبانيا عنصرا بنيويا في المجتمع الإسباني، حيث يشكل الأطفال من أصل أجنبي ما يقارب 4 من كل 10 أطفال دون سن الخامسة. وداخل هذا التحول الديمغرافي، يبرز دور النساء، وخاصة نساء الجيل الثاني، في رسم ملامح جديدة للمجتمع وسوق العمل الإسباني.
وفقا لتقرير صادر عن “مؤسسة Funcas”، فإن ثلث الجيل الثاني ينحدر من أسر مغربية، أي ما يعادل ضعف نسبة الجيل الأول. ويلاحظ أن الأمهات المهاجرات يشكلن عنصرا محوريا في هذا الامتداد، رغم التباينات الكبيرة في مستويات التعليم بين الجنسيات، ففي حين تسجل الأمهات المغربيات والأفريقيات معدلات تعليم أدنى من المتوسط الإسباني، تتمتع الأمهات القادمات من فنزويلا، الأرجنتين، أو دول الاتحاد الأوروبي بخلفيات تعليمية عالية توازي أو تفوق نظيراتهن الإسبانيات.
ميزة نوعية لصالح نساء الجيل الثاني
ويكشف تحليل سوق العمل عن ميزة نوعية لصالح نساء الجيل الثاني مقارنة بالرجال. إذ تظهر نتائج اندماجهن أقرب إلى نتائج النساء الإسبانيات، سواء في معدلات التشغيل أو مستويات الترقي المهني. ويشير الباحث “جاكوبو مونوز” إلى أن هذه الدينامية النسائية تجعل من نساء الجيل الثاني “جسرا طبيعيا للاندماج” بين أسرهن المهاجرة والمجتمع الإسباني.
في المقابل، ما تزال الفوارق التعليمية واضحة لدى أبناء المهاجرين. فرغم أن نساء الجيل الثاني يحققن نسب تشغيل أعلى، فإن الفجوة التعليمية بينهن وبين الإسبانيات، خاصة في مستويات التعليم العالي، ما تزال قائمة، خصوصا في حالة المنحدرات من أصول مغربية وأفريقية.
الزيجات المختلطة بعد آخر للاندماج
كما يبرز بعد آخر للاندماج النسائي عبر الزيجات المختلطة، إذ تسجل نساء الجيل الثاني معدلات أعلى من الرجال في الارتباط بشركاء مولودين في إسبانيا، خاصة لدى الحاصلات على مستويات تعليمية مرتفعة.
وركز الباحثون (كلارا كورتينا، وألبرت إستيف، وآنا تورو) على أنماط الاقتران للسكان من أصول مهاجرة في إسبانيا، باستخدام بيانات من المسح الوطني الإسباني للسكان لعام 2021 (ECEPOV)، ولاحظوا أن الزيجات المختلطة مع الأفراد المولودين في إسبانيا أكثر شيوعا بين أحفاد المهاجرين منها بين الجيل الأول، وخاصة أولئك الحاصلين على مستويات تعليمية أعلى.
ويعتبر الباحثون أن هذه الديناميكيات مؤشرات على التكامل، على الرغم من وجود اختلافات كبيرة وفقا للأصل والجنس، ومؤشرا إضافيا على اندماج المرأة المهاجرة ودورها الفاعل في إعادة تشكيل المشهد الاجتماعي الإسباني، وبذلك، تؤكد المؤشرات أن النساء، لا سيما من الجيل الثاني، يمثلن رافعة أساسية في مسار إدماج المهاجرين، وأن مستقبل إسبانيا الديمغرافي والثقافي والسياسي سيكون مرهونا، إلى حد كبير، بقدرة هؤلاء النساء على تخطي التحديات التعليمية وتحويل حضورهن المتنامي إلى قوة مؤثرة داخل المجتمع.