عندما يريد سياسيون الحد من الهجرة، فإنهم غالبا ما يحققون العكس، كما يقول عالم الاجتماع هاين دي هاس (Hein de Haas)، حيث يشرح في حوار مع “تي-أون لاين” (t-online) المشكلة المركزية التي لا يريد أحد التحدث عنها، ويصف تشديد الرقابة على الحدود بالنفاق. ويجادل بأن العديد من السياسيين لا يهتمون حتى بحل حقيقي، بل بأمر مختلف تماما…
تشديد الحدود لا يقلل الهجرة بل يعمّق الأوهام
انتقد عالم الاجتماع المتخصص في قضايا الهجرة، هاين دي هاس، السياسات التي ينتهجها بعض السياسيين الأوروبيين، معتبرا أن محاولات خفض الهجرة عبر تشديد المراقبة الحدودية هي مجرد “وهم كامل” لا يستند إلى الواقع، بل يخدم أهدافا سياسية وانتخابية قصيرة المدى.
وقال “نظرا لموقع أوروبا الجغرافي، يُعد إغلاق حدودها ضربا من الوهم، رغم محاولات السياسيين الأوروبيين عبثا منذ نهاية الحرب الباردة”. وتابع “فإلى جانب أن رفض اللجوء ينتهك حقوق الإنسان، فإن إغلاقه يُعدّ إنكارا كاملا للواقع من منظور جيوسياسي. وهذا يعني إقصاء جيراننا تماما، والتحول إلى دولة شمولية”.
وأوضح دي هاس أن 96٪ من سكان العالم لا يهاجرون، و0.35٪ فقط هم لاجئون، منتقدا تصوير الهجرة كـ”غزو” إعلامي وسياسي يثير الذعر بلا مبرر. واعتبر أن أزمة اللاجئين في أوروبا، وخصوصا في ألمانيا، هي في جوهرها أزمة تضامن سياسي لا أزمة عدد أو استيعاب.
الاقتصاد الأوروبي هو المحرك الأول للهجرة
أبرز الخبير أن الطلب الأوروبي على اليد العاملة، خصوصا في الوظائف ذات المهارات المتدنية، هو العامل الأساسي وراء الهجرة، مشيرا إلى أن تسعة من كل عشرة مهاجرين أفارقة إلى أوروبا يصلون بطرق قانونية، وليس عبر “الهجرة السرية” كما يُروَّج إعلاميا.
ويرى دي هاس أن السياسيين يستغلون ملف الهجرة لخلق “إحساس بالقوة”، مستخدمين اللاجئين كـ”كبش فداء” لتبرير أزمات أخرى مثل السكن والبطالة. وأضاف أن هذا النوع من الخطاب يهدد الديمقراطية ويُفضي إلى نزع الإنسانية عن فئات بعينها، مشبها سياسات أمركا وإيطاليا بما وصفه بـ”التكتيك الفاشي”.
تشديد الحدود قد يؤدي إلى زيادة المهاجرين لا العكس
وأشار الخبير “هاس” إلى مفارقة لافتة: عندما تُشدد الدول الحدود، لا ينخفض عدد المهاجرين، بل يستقرون بشكل دائم خوفا من عدم قدرتهم على العودة، ما يؤدي إلى ارتفاع في أعداد المقيمين عبر استقدام عائلاتهم، وهو ما حدث في ألمانيا بعد استقبال “العمال الوافدين” في الستينيات. محذرا من تجاهل واقع بقاء المهاجرين لمدى طويل، معتبرا أن فشل سياسات الاندماج يعود إلى إنكار هذا الواقع. ودعا إلى سياسات واقعية تعترف بحضور المهاجرين وتُشركهم فعليا في سوق العمل والمجتمع.
وأكد أن الاقتصاد الأوروبي لا يمكن أن يستغني عن العمالة الأجنبية، متسائلا: “لماذا تُعاقب المهاجرين بينما يُغض الطرف عن أرباب العمل الذين يوظفونهم؟”. واعتبر أن هذا “نفاق بنيوي” يشل قدرة الحكومات على إنتاج سياسات عقلانية.
ما الحل؟ التركيز على سوق العمل لا الحدود
في ختام حديثه، شدد دي هاس على أن أي سياسة فعالة للهجرة يجب أن تبدأ من الداخل، عبر مراجعة سوق العمل وضبط حاجياته، بدلا من التركيز على “أوهام السيطرة على الحدود”. وأضاف أن أوروبا لا تعاني من تدفق مهاجرين، بل من “قصور في الرؤية السياسية”.
جدير بالذكر أن “هاين دي هاس” هو أستاذ الهجرة والتنمية بجامعة ماستريخت، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة أمستردام، وعمل سابقا بمعهد الهجرة الدولية بجامعة أوكسفورد. عاش فترة طويلة في المغرب وأجرى أبحاثا ميدانية حول الهجرة. ويُقدم وجهة نظر نقدية، ففي كتابه “الهجرة: 22 خرافة شائعة وما وراءها”، يُشكك في الافتراضات الشائعة حول الهجرة.