تحتل قضايا الهجرة مكانة مركزية في النقاش العمومي في فرنسا، وبرزت في السنوات الأخيرة بشكل خاص في وسائل الإعلام مواقف معادية للأجانب تتبناها تيارات اليمين واليمين المتطرف من خلال مواقف شعبوية اتجاه المهاجرين، تتنكر لأي دور لهم في البناء والتنمية، وتربطهم فقط بمشاكل اجتماعية وثقافية.

في هذا السياق تظهر دراسات تهتم بالهجرة من الناحية السوسيو-اقتصادية حاجة فرنسا الملحة إلى الهجرة بمستويات أكبر من أجل المحافظة على توازنها الاقتصادي ونموذجها الاجتماعي.

من بين أخر التقارير الصادرة في هذا الباب، دراسة لمؤسسة البحث الفرنسية “تيرا نوفا” بعنوان “العمال المهاجرون: بهم أم بدونهم؟” والتي سلطت الضوء على أهمية المهاجرين تاريخيا بالنسبة لفرنسا، كاختيار استراتيجي منذ الحرب العالمية الأولى، من أجل الرفع من السكان النشيطين وتعويض الانخفاض الديمغرافي، وبالتالي ضمان توازن الاقتصاد الفرنسي وتحقيق النهضة الصناعية كما كان عليه الحال في “الثلاثين المجيدة”.

بالنسبة للتقرير فإن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الحالية في فرنسا، تجعل من الرفع من أعداد المهاجرين ضرورة حيوية يفرضها ارتفاع طلب الفرنسيين على اليد العاملة المهاجرة التي أصبحت مساهما رئيسيا في قطاعات مثل الصحة والبناء والمساعدة المنزلية، بالإضافة إلى الحاجة الملحة إلى الكفاءات ذات التكوين المرتفعة القادمة من الخارج.

التقرير شدد على الدور الاقتصادي للمهاجرين الذين يمثلون قيمة مضافة سواء بالنسبة للمالية العمومية، او في تشجيع الاستهلاك وكذا في ضمان استمرارية صناديق التقاعد.

في هذا الإطار، خلصت الدراسة من خلال دراسة مجموعة من المعادلات المتعلقة باستمرارية صناديق التقاعد في تقديم خدماتها للمرتفقين، إلى حاجة النموذج الاجتماعي الفرنسي إلى جلب أعداد أكبر من المهاجرين للحفاظ على مستواه الحالي. فأمام ارتفاع معدلات الشيخوخة واستقرار نسبة الوفيات، أمام تراجع معدلات الولادة وانخفاض عدد السكان النشيطين فإنه سيكون على فرنسا استقبال 310 ألف مهاجر بشكل سنوي للمحافظة على توازن النموذج الاجتماعي الفرنسي، أخذا بعين الاعتبار لإصلاح نظام المعاشات التقاعدية الذي يحدد سن التقاعد في سن 66 عاماً في عام 2026.

هذا الوضع يتطلب، وفق نفس المصدر، سن سياسة عمومية مبتكرة في مجال الهجرة تتجاوز احتكار وزارة الداخلية “التي وضعت في الوقت الحالي هدفا واحدا هو خفض موجات الهجرة”، وتشرك وزارة العمل والشؤون الاجتماعية من جديد للانفتاح على هجرة عمالية أكبر، كما تساهم في هذه السياسة وزارة الشؤون الخارجية من أجل بلورة سياسة مشتركة للحركية مع الدول المصدرة للمهاجرين.

وبعد ان توقف على المنافسة الدولية حول اليد العاملة والكفاءات الأجنبية خاصة في دول أوروبية مثل ألمانيا التي تعاني بدورها من شيخوخة السكان وانخفاض عدد المواليد، دعت مؤسسة “تيرا نوفا” إلى فتح نقاش عمومي صريح حول الهجرة وإشراك الدول الأصل في التفكير، وسن سياسة اندماج تعتمد على القيم الكونية.

إقرأ كذلك: شروط جديدة للحصول على الجنسية الفرنسية

Exit mobile version