تواصل الفنانة الفرنسية-المغربية “سارة أوحدو” تقديم أول معرض منفرد لها، بعنوان «كوزموغرام» (الرسومات الكونية)، في معهد الثقافات الإسلامية (ICI) بالعاصمة الفرنسية باريس، الذي انطلق في 20 شتنبر الجاري، ويمتد إلى 15 فبراير 2026.
يأتي هذا الحدث الفني البارز تتويجا لمسار تعاون طويل بين المعهد والفنانة التي تُعرف بمقارباتها المتعددة التخصصات، حيث تُدمج بين الفنون البصرية والحرف التقليدية ضمن رؤية معاصرة، فمع مزيج من الفن والحرف اليدوية، بما في ذلك السيراميك والزجاج والتطريز، تسلط “سارة أوحدو” (Sara Ouhaddou) الضوء على جذورها الثقافية والتراث الأمازيغي، وتسعى جاهدة للحفاظ عليها بعناية فائقة.
بين الفن والحِرفة
يُقدَّم المعرض كأرشيف حي يتقاطع فيه السرد والذاكرة والإيماءة. وقد أُنجز بتنسيق مع القيّم الفني لودوفيك دولالاند، الذي أكد أن «كوزموغرام» (Cosmogrammes) يفتح فضاءً للتبادل بين الفن والحِرفة، من خلال أعمال تُعيد إحياء تقاليد راسخة بوسائل تعبيرية حديثة. وتجمع التظاهرة بين التطريز والزجاج والخزف والرسم والمجوهرات والصور الفوتوغرافية، ما يعكس ثراء التجربة الفنية لـ”أوحدو” القائمة على الإصغاء والحوار والتجريب.
أبجدية خيالية وأسئلة ثقافية
منذ سنة 2015، طوّرت الفنانة «أبجدية خيالية» مستوحاة من العمارة العربية-الأندلسية والزخارف التقليدية وعلاقتها بالخط العربي، رغم أنها لا تتقن هذه اللغة. ويُنظر إلى هذا النظام البصري كأداة لإعادة appropriation ثقافية، تطرح أسئلة حول علاقة القوة بين الفن والحِرفة، وأنماط الإنتاج، ودور الذاكرة في صياغة الهوية الجماعية. المعرض يكشف، بحسب القائمين عليه، عن عملية إبداعية تتجاوز الجانب الجمالي لتلامس أبعادًا اجتماعية وسياسية.
تعاون عابر للحدود
على مدى أكثر من عقد، نسجت “أوحدو” شبكة من التعاونات مع حرفيين في المغرب وفرنسا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة وتونس وأوزبكستان. وقد أثمرت هذه التجارب المشتركة أعمالاً متجذّرة في الذاكرة المحلية ومنفتحة على العالمية في آن واحد. بعض القطع المعروضة أُنجزت مؤخرًا بشراكة مع حرفيي حي غوت دور الشعبي في باريس، ما يمنح المعرض طابعًا حيًا ومتجددًا.
سيرة ومسار فني
وُلدت سارة أوحدو سنة 1986، وتعيش وتعمل بين فرنسا والمغرب. هي خريجة مدرسة أوليفييه دو سير للفنون التطبيقية بباريس، وشاركت في إقامات فنية مرموقة، منها: “استكشاف الفن × المدينة العالمية للفنون” (Art Explora x Cité internationale des arts) و”دانييل ونينا كاراسو” (Daniel et Nina Carasso) في باريس (2020–2021)، ثم برنامج IASPIS بالسويد (2022)، وإقامة “فيلا ألبرتين” (Villa Albertine) بهيوستن ولوس أنجلس (2023). وإقامة فنية في متحف “نيو تايبيه سيتي للفنون” بتايوان.
تتمثل مهمتها في معالجة التحديات المختلفة التي تواجه المجتمعات الحرفية، وتصور الفن كوسيلة للتحرر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. موضوع مهم في عملها هو اللغة العربية، التي تقوم بتشريح حروفها لإنشاء رموز مجردة، قبل تحويل هذه الرموز إلى لغة في حد ذاتها.
حضور دولي متصاعد
حصلت “أوحدو” على ترشيح لجائزة AWARE المخصصة للفنانات الصاعدات سنة 2021، وشاركت منذ 2016 في محطات بارزة مثل بينالي مراكش، معرض Global Resistance بمركز بومبيدو (فرنسا 2020)، Manifesta 13 بمرسيليا، Qalqalah في سيت (فرنسا 2021)، Moroccan Trilogy بمتحف رينا صوفيا (إسبانيا 2021)، إلى جانب معارض في تونس والمغرب وتايلاند وفرنسا، وصولاً إلى بينالي غيردينا بإيطاليا (2024).
كما تم عرض أعمالها في عدد من المؤسسات، بما في ذلك Mucem (مرسيليا)، والمتحف الوطني للفنون رينا صوفيا (مدريد)، وZ33 (هاسيلت)، ومركز بومبيدو وقصر طوكيو ومعهد الثقافات الإسلامية (باريس)، وباوهاوس ديساو (ديساو) والمدينة الدولية للفنون (باريس).
إشعاع فني متجدد
من خلال «كوزموغرام»، تعود “سارة أوحدو” لتؤكد أن الفن، حين يلتقي بالحِرفة، يصبح أداة للذاكرة المشتركة وفضاءً للحوار بين الثقافات. وتعاونت مع مطرزين من تطوان، حيث قامت بتجربة تقنيات غير تقليدية مثل التطريز على المطاط والآلات الرقمية والإنتاج الضخم. كما تستكشف الفنانة هويتها وارتباطها باللغة العربية، من خلال رموز تدمج الزخارف الحرفية مع الأشكال العربية الأندلسية.
ويضع معهد ثقافات الإسلام جمهور باريس أمام تجربة بصرية فريدة، تستحضر الماضي وتعيد صياغته بلغة معاصرة تُجسّد روح الانفتاح والإبداع العابر للحدود. وتستكشف “سارة” هذا النهج القائم على السرد لأكثر من عقد من الزمان، من خلال إقامة كبيرة ومعارض دولية. وقد ألهمتها هذه التجارب الفنية لإنشاء أعمال تحتفي بالحرف اليدوية من جميع أنحاء العالم، من المغرب إلى اليابان.