تضمنت مجموعة إصدارات مجلس الجالية المغربية بالخارج لسنة 2025، السيرة الذاتية للسياسية والوزيرة الفرنسية –المغربية نجاة فالو بلقاسم، الصادرة في نسختها المغربية بشراكة مع منشورات ملتقى الطرق.
جاء الكتاب في 135 صفحة من الحجم المتوسط، واستعرضت في مقدمته نجاة فالو بلقاسم سيرة حياتها منذ ولادتها في قرية صغيرة في منطقة بني شيكر شمال المغرب، ونشأتها في كنف أسرة يعيلها مهاجر مغربي يشتغل في البناء في فرنسا، لتلتحق وهي في سن مبكرة بأبيها في إطار التجمع العائلي لتبدأ بذلك حياة جديدة في ظروف مختلفة عما عاشته في قريتها الريفية، وتطرح أمامها أسئلة مختلفة واكتشافات جديدة مرتبطة باللغة والثقافة والعمران.
بعد تخصيص جزء من الحكي عن الطفولة ومراحل الدراسة الأولى في مدينة أميان، تتحدث الشابة نجاة ابنة الهجرة، بحنين حول مرحلة مفصلية في حياتها الدراسية والشخصية، وهي مرحلة الانتقال إلى العاصمة باريس بعد أن اجتازت بنجاح اختبار معهد العلوم السياسية “سيونس بو” لتلتحق بذلك بنخبة الطلبة الفرنسيين، وهناك التقت نجاة بزميلها بوريس الذي سيصبح فيما بعد زوجها وتحمل اسمه، وتحكي من خلاله ذلك الاختلاف بينها هي ابنة عامل مهاجر وزوجها المنحدر من أسرة فرنسية أصلية ذات خلفية ثقافية وفكرية، وهو ما يجسد بالنسبة لها فرنسا التي تحب فرنسا المتعددة والمنفتحة عن الآخر والتي تقبل التعددية.
فمعركة نجاة فالو بلقاسم السياسية التي تستعرضها ضمن سيرتها الذاتية وإن اختلفت سياقاتها المكانية بين محليا وجهويا في ليون حيث كانت منتخبة، ووطنيا في باريس كعضو في الحملة الانتخابية لشخصيات مهمة في الحزب الاشتراكي، ثم كوزيرة تقلدت ثلاث حقائب، كلها كانت بنفس تقدمي تنتصر فيه للحرية وللمساواة وللقيم الكونية في مواجهة خطابات العنصرية ومعاداة الأجانب، والتطرف الديني، ودفاعا عن الفرنسيين من أصل أجنبي، وعن المدرسة المنفتحة.
لقد خصصت نجاة فالو بلقاسم حيزا كبيرا لتجربتها الوزارية وللمعارك السياسية التي خاضتها داخل المؤسسات وفي وسائل الإعلام في سياق حساس عاشته فرنسا بسبب الهجمات الإرهابية سواء في نيس أو شارلي إيبدو أو الباطاكلون… والتي أججت استهداف المهاجرين وخاصة المسلمين منهم من طرف اليمين المتطرف وجعلت من نجاة فالو بلقاسم هدفا سياسيا للخطاب العنصري في وسائل التواصل الاجتماعي.
فسيرة الوزيرة الفرنسية كما قدمتها هي انعكاس لحياة أبناء المهاجرين بين ثقافتين وهويتين وانتمائين يؤثثان شخصية الأجيال الجديدة من المهاجرين الذين تشبعوا بقيم الدول التي ولدوا فيها أو وصلوا إليها في سن صغيرة وترعرعوا في مدارسها وأثروا مجتمعاتها وساهموا في تنميتها، وطبعوا على مسارات ناجحة مع المحافظة على رابط الانتماء إلى بلدهم الأصلي أو بلد أباءهم؛ ويجرهم الحنين دائما إلى جزء رمزي من ذاكرتهم مثل شجرة الليمون التي ما زالت تزهر في منزل نجاة بلقاسم، والتي كانت حافزا لها لإعادة اكتشاف المغرب وإصدار سيرتها الذاتية فيه بعد عقود من الغياب.