في حديث مؤثر قدمته ضمن مهرجان أفينيون، تتحدث الكاتبة الفرنسية المغربية ليلى سليماني عن علاقتها باللغة العربية الفصحى، وهي اللغة التي كان ينبغي أن ترثها ولكنها لا تتحدثها، مؤكدة أن الثقافة العربية ليست غريبة عن أوروبا، بل هي جزء من نسيجها الحضاري عبر التاريخ.
تتساءل ليلى سليماني في نص “اقتحام الحدود”، وهو نص غير منشور سابقًا عُرض مباشرةً في مهرجان أفينيون، عن علاقتها باللغة العربية. بقولها: “العربية الفصحى لغة لم أتمكن قط من إتقانها”، وفق ما نشره موقع راديو فرنسا.
نشأت الكاتبة في المغرب، وكانت تتحدث الفرنسية بشكل أساسي مع والديها وفي المدرسة. ورغم إجادتها للغة الدارجة المغربية، إلا أنها لا تتحدث العربية الفصحى: “لماذا لا أتحدث العربية، لغتي؟ هذا السؤال المؤلم والمذهل هو في صميم عملي. إنه مصدر حزن وخجل ودفعني إلى إعادة النظر باستمرار في علاقتي بالهوية. قد تكون الكتابة هي التصالح مع هذا، أو على الأقل، البحث عن لغتي. لغة لن تخضع لأي مهمة، لغة يمكنني أن أخترع فيها، حيث يمكنني أن أكون شخصا آخر.”
استعادة لغتها
لكن سليماني لم تتوقف عند الشعور بالنقص، بل جعلت من الكتابة وسيلتها لاستعادة العلاقة مع العربية، أو كما تقول: “لقد مكنتني الكتابة من استعادة العربية، أو بالأحرى استعادة غياب العربية، وفهم سبب وجود هذا الفراغ وهذا الخلاء في قلب حياتي وفي قلب عائلتي”، ولهذا السبب بالتحديد، سعت الكاتبة أن يتعلم أطفالها اللغة العربية. تقول:
“ابني البالغ من العمر أربعة عشر عاما بدأ بالفعل في كتابة العربية. هذا هو الأهم: أن تفسح الأجيال التي عاشت بدون العربية المجال لأجيال ستعيش بها.”
الصور النمطية الملتصقة باللغة
عبرت ليلى سليماني عن أسفها لكون هذه اللغة تعاني من العديد من الصور النمطية، والتي قد تكون مصدر خجل لمتحدثيها. تقول بهذا الصدد: “غالبًا ما تُربط اللغة العربية بالفقر، بالتهميش، وبنوع من التعصب. هذه الصورة السلبية تمثل عائقا أمام انتقالها بين الأجيال.”
ثقافتان لا تنفصلان
في معرض حديثها تذكر الكاتبة ليلى سليماني أيضا بقوة الروابط التاريخية التي تربط بين الثقافتين العربية والأوروبية: “لقد كانت الثقافة العربية حاضرة منذ قرون في الثقافة الغربية، في عمارتنا، في لغتنا، في مطبخنا، وفي أشكالنا…” واعتبرت أن الحضارتين العربية والأوروبية عاشتا معا وتداخلتا في محطات تاريخية مفصلية: “إنهما حضارتان عاشتا مع بعضهما البعض.”
ودعت الكاتبة الفرنسية المغربية الأوروبيين إلى الاعتراف بالبعد العربي الإسلامي في ذاكرتهم الجماعية، مؤكدة أن الثقافة العربية ليست غريبة عن أوروبا، بل هي جزء من نسيجها الحضاري عبر التاريخ.
تقول سليماني: “من المهم أن يقبل الأوروبيون فكرة أنهم يمتلكون في تاريخهم وفي ذاكرتهم جزءا من الحضارة العربية الإسلامية.”
وأكدت أنه “على مدى أربعين عاما، كان هناك الكثير من الخطاب الذي يجعلنا نعتقد أننا نأتي من عالمين متعارضين تماما، لا يوجد بينهما أي شيء مشترك”.