بمجرد تداول مفهوم الهجرة من منظور مؤسساتي يتضح بأن الدولة المغربية أولت اهتماما خاصا بهذا الملف نظرا لأهميته الاستراتيجية، من خلال نسيج مؤسساتي يطلع بمهمة الإحاطة بمختلف جوانب ملف الهجرة ومغاربة العالم، كل من موقعه وفق اختصاصات محددة لكل مؤسسة، قد تفتح قنوات للتنسيق بين مجموعة من المؤسسات بخصوص معالجة بعض القضايا؛ لكن النصوص التشريعية والقانونية لم تدع مجالا للتداخل أو التقاطع في المهام والاختصاصات بين مختلف المؤسسات المكلفة بتدبير ملف الهجرة.
على الصعيد الحكومي
باعتبارها الجهاز التنفيذي، أعطى الدستور المغربي لسنة 2011 للحكومة سلطة التداول في السياسات العمومية للدولة وكذا السياسات القطاعية وكذا مشاريع القوانين والمراسيم، وحدد من بين مهامها ضمان تنفيذ القوانين، كما وضع الإدارة تحت تصرفها (الفصل 89).
من هذا المنطلق يشرف على ملف الهجرة ومغاربة العالم في الحكومة المغربية المعينة يوم 10 أكتوبر 2013 الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة باعتبارها الجهة المسؤولة عن وضع وتنفيذ سياسة الحكومة بشأن الجالية المغربية في الخارج.
وقد حدد مرسوم رقم 2.14.192 الصادر في 4 أبريل 2014 المتعلق باختصاصات وتنظيم الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، مهمة الوزارة في “إعداد وتنفيذ السياسة الحكومية المتعلقة بكل من المغاربة المقيمين في الخارج والمهاجرين بالمغرب بتنسيق مع القطاعات الوزارية والمؤسسات المعنية داخل المغرب وخارجه”.
كما خول نفس القانون إلى الوزارة القيام بمهام تقوية التضامن والنهوض بالعمل الاجتماعي لفائدة مغاربة العالم، والحفاظ على الهوية المغربية وتوطيدها؛ والحث والحرص على الارتقاء بالخدمات العمومية لصالح مغاربة العالم؛ وتيسير الاندماج في دول الإقامة؛ وتعبئة مغاربة العالم للمساهمة في الأوراش التنموية التي يعرفها المغرب؛ بالإضافة إلى مهام أخرى متعلقة بالمهاجرين واللاجئين في المغرب.
مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج
من بين المؤسسات الفاعلة في تدبير ملف الهجرة ومغاربة العالم هناك مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج. وتهدف هذه المؤسسة بحسب القانون رقم 89-19 المتعلق بإحداثها الى “ضمان استمرار العلاقات الأساسية التي تربطهم بوطنهم، والى مساعدتهم على تذليل الصعوبات التي تعترضهم بسبب اغترابهم”.
ومن أجل هذه الغاية أنيطت بالمؤسسة مجموعة من المهام في الميادين الثقافية والدينية والاجتماعية، أبرزها المساهمة في المصاريف المرتبطة بالتأطير وتملك المعدات اللازمة لتطوير أساليب التعليم الملقن للمغاربة المقيمين بالخارج ولأطفالهم، خاصة في مجالات اللغة العربية والثقافة القومية والتربية الدينية؛ و القيام عند الحاجة ببناء أو تملك وتجهيز المدارس والمراكز الاجتماعية الثقافية ومراكز قضاء العطل الخاصة بالمغاربة المقيمين بالخارج وعائلاتهم؛ و المساهمة في تحسين ظروف استقبال المغاربة المقيمين بالخارج العائدين إلى المغرب لقضاء عطلهم فيه.
ومن بين المهام التي تطلع بها المؤسسة المحدثة سنة 1990، تنظيم مخيمات قضاء العطل والرحلات إلى المغرب لفائدة أبناء المغاربة المقيمين بالخارج، وتقديم مساعدة مالية إلى المحتاجين من المغاربة المقيمين بالخارج الذين لا يستفيدون من ضمان اجتماعي؛ وكذا تقديم مساعدة طبية أو قضائية أو المساعدتين معا إلى المحتاجين إليها من المغاربة المقيمين بالخارج، وتنظيم وتمويل مهرجانات ثقافية وفنية ورياضية لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج”.
مجلس الجالية المغربية بالخارج
في دجنبر من سنة 2007 تم إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج، كهيأة استشارية بجانب جلالة الملك ” يتولى إبداء الرأي لدى جلالتنا الشريفة بخصوص شؤون الهجرة، ولاسيما القضايا التي تهم مواطنينا بالخارج” وفق المادة الأولى من ظهير الملكي رقم 1.07.208 الصادر بتاريخ 21 دجنبر 2007.
وجاء في المهام العامة الواردة في ظهير التأسيس “…وتفعيلا لإرادتنا الراسخة في توثيق الأواصر المتينة، التي تربطهم ببلادهم؛ وتوطيدا لما قمنا به من جهود دؤوبة؛ وتجاوباً مع متطلبات النمو السريع والمتزايد للمغاربة بالمهجر بتوفير مؤسسات فعالة من خلال إحداث هيأة كفيلة بالنهوض بمهام التشاور والمساهمة في صياغة وبلورة السياسات المتعلقة بالهجرة وشؤون الجالية المغربية بالخارج”.
على هذا الأساس فإن مهمة مجلس الجالية المغربية بالخارج تتمثل في ضمان المتابعة والتقييم للسياسات العمومية للمملكة تجاه مواطنيها المهاجرين وتحسينها بهدف ضمان حقوقهم وتكثيف مشاركتهم في التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية للبلاد.
وخولت المادة الثانية من ظهير إحداث مجلس الجالية المغربية بالخارج، للمؤسسة إبداء الرأي في المشاريع الأولية للنصوص التشريعية أو التنظيمية التي يتعلق موضوعها بشؤون الهجرة والقضايا التي تهم المغاربة المقيمين بالخارج؛ وكذا التوجهات الرئيسة للسياسات العمومية الكفيلة بضمان حفاظ المغاربة المقيمين بالخارج على روابط متينة مع هويتهم المغربية وخاصة فيما يتعلق بتعليم اللغات والتربية الدينية والنشاط الثقافي؛ والإجراءات الرامية إلى ضمان الحقوق والحفاظ على مصالح المغاربة المقيمين بالخارج، خاصة من يوجد منهم في وضعية صعبة أو هشة.
بالإضافة إلى ذلك فقد أوكل للمجلس أيضا ابداء آرائه بخصوص الوسائل الهادفة إلى حث المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج على المشاركة في المؤسسات ومختلف قطاعات الحياة على المستوى الوطني وتدعيم الأنشطة المنجزة لصالحهم؛ ووسائل تكثيف مشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في تنمية قدرات بلدهم الأصل وفي مجهود التنمية البشرية المستدامة وتحديث المجتمع؛ وكذا تنمية الاستراتيجيات الحديثة للتواصل والتفاعل والتعاون مع بلدان الاستقبال على المستوى الثقافي والإنساني والاقتصادي.
بالإضافة إلى هاته المؤسسات الفاعلة بشكل مباشر، كل واحدة من موقعها، في ملف الهجرة ومغاربة العالم وفق اختصاصات محددة، تحتل قضايا المغاربة المقيمين بالخارج موقعا في السياسات القطاعية للعديد من الوزارات والمؤسسات المغربية، نظرا للتنوع والتشابك الذي تتميز به إشكاليات الهجرة المغربية، هناك على سبيل المثال وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووزارة التربية الوطنية، ووزارة العدل والحريات، ووزارة التشغيل، بالإضافة إلى المجلس العلمي الأعلى، مؤسسة محمد الخامس للتضامن، مؤسسة الوسيط، المجلس الوطني لحقوق الإنسان…
محمد الصيباري