تسير إسبانيا تدريجيا لتصبح بلد هجرة مرة أخرى. بعد أن عرفت قبل حوالي عشرين سنة من اليوم نموا اقتصاديا سريعا بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، جعلها تستقطب عددا كبيرا من اليد العاملة الأجنبية، فأصبحت في وقت وجيز بلد استقبال للمهاجرين.

لكن وابتداء من النصف الأخير من سنة 2007 بدأ وضع الهجرة الإسبانية في العودة شيئا فشيئا إلى ما كان عليه قبل عقدين من الزمن. فهل ستصبح إسبانيا بلد هجرة مرة أخرى بعد ان عاشت لفترة وجيزة وضعية بلد الاستقبال؟

أرقام المعهد الإسباني للإحصاء، وكذا “سجل المواطنين الإسبانيين بالخارج” الذي يهتم بتعداد المواطنين الحاملين لجنسية إسبانية ويعيشون في دول أخرى، تذهب في هذا الاتجاه. فعدد الإسبان المقيمين خارج إسبانيا كان إلى غاية فاتح يناير 2009 لا يتجاوز مليون و471 ألف شخص، ليصل في ظرف ثلاث سنوات فقط إلى مليون و800 ألف شخص، أي بارتفاع بلغ 23%.

أما آخر تقرير للمعهد الإسباني للإحصاء، والذي تم إصداره بداية هذا الأسبوع، فقد أظهر أن عدد المواطنين الإسبان الذين يغادرون البلاد ارتفع للسنة الثانية على التوالي، حيث غادر إسبانيا في الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2012 ما يقدر ب 27 ألف و 4 إسبان، أي بزيادة تصل إلى أكثر من ضعف العدد خلال نفس الفترة من السنة الماضية (2011) التي بلغ عدد المغادرين خلالها 13 ألف شخص.

ما تعرفه الهجرة الإسبانية من تحول لا يشمل فقط ارتفاع عدد أفرادها في الخارج بشكل مطرد، بل أيضا تسجيل انخفاض عدد المهاجرين الأجانب الذين كانوا إلى وقت قريب يرون في إسبانيا “إلدورادو” (جنة) يعلقون عليه أحلامهم في حياة أكثر رفاهية. ووفق تقرير المعهد الإسباني للإحصاء فإن إسبانيا استقبلت سنة 2011 457 ألف و650 مهاجر، بينما بلغ عدد الإسبان الذين غادروا البلاد خلال نفس السنة 507 آلاف و740 شخص.

ولأن تحويلات المهاجرين إلى دولهم الأصلية تعتبر أحد المعايير التي يتم الاعتماد عليها في دراسة تطور الهجرة في بلد معين، وتتأثر بتغير الوضعية الاقتصادية التي تمر بها دولة الاستقبال، فإن نسبة التحويلات المرسلة من إسبانيا عرفت انخفاضا واضحا منذ سنة 2007، وحتى وإن عرفت القليل من الانتعاش سنة 2011 وبلغ مجموعها 7 ملايير و 200 مليون يورو، إلا أن الرقم يضل بعيدا عما كان عليه قبل الأزمة الاقتصادية إذ عرفت سنة 2007 تحويل المهاجرين المقيمين بإسبانيا ما مجموعه 8 ملايير وحوالي 500 مليون يوير.

وبالمقابل فإن أرقام بنك إسبانيا الصادرة خلال شهر أبريل 2012، تكشف أن مجموع التحويلات التي أرسلها الإسبان العاملين في خارج إلى بلدهم، حققت رقما قياسيا خلال سنة 2011 ووصلت ما مجموعه 5 ملايير و700 مليون يورو، أي بارتفاع بنسبة 6% مقارنة مع سنة 2010.

كما أن هناك عامل آخر خلفته حدة الأزمة الاقتصادية، وارتفاع نسبة البطالة في صفوف الإسبان، يرتقب ان يكون له تأثير على الهجرة الإسبانية، هو توجه فئة كبيرة من المواطنين الإسبان نحو مهن كانت مقتصرة على اليد العاملة المهاجرة في فترة الازدهار الاقتصادي لإسبانيا، كأعمال البناء والفلاحة، وأيضا المهن الموسمية كجني توت الأرض (الفراولة).

وفي هذا الإطار أصبحت بعض السياسات العمومية الإسبانية تصب في هذا الاتجاه من اجل مواجهة البطالة، ويشار هنا إلى أن اجتماع لجنة “موجات الهجرة” التي تضم كلا من الإدارات المركزية وإدارت إقليم الأندلس المهتمة بعملية جني الفراولة، والنقابات وأرباب عمل حقول الفراولة، المنعقد بمدينة هويلبا بمنطقة الأندلس، يوم الخميس 12 أبريل 2012 قرر خفض نسبة العمال والعاملات المهاجرات في حقول التوت بمنطقة هويلبا إلى ب60% من أجل إتاحة مناصب شغل ولو موسمية لعمال إسبان في حالة بطالة.

محمد الصيباري

18-04-2012

Exit mobile version