بعد ان كانت القضايا المرتبطة بالإسلاموفوبيا ومعاداة الأجانب تشكل مواضيع مثيرة للجدال السياسي في فرنسا بين اليمين المتطرف واليسار، ومادة دسمة تلهب النقاش في وسائل الإعلام الفرنسية؛ أصبح الأدب ميدانا جديدا لهذا النقاش من خلال مؤلفات تتخذ من هذه القضايا مواضيع تمكنها من اختصار الطريق نحو الشهرة وشاشات التلفزة خصوصا إذا كانت تمرر مواقف سياسية في قالب أدبي.
آخر فصول النقاش حول الإسلام في فرنسا تزامن مع بداية السنة، حيث طرحت رواية بعنوان “الخضوع” لكاتبها ميشال ويلبيك، جدالا في مختلف وسائل الإعلام الفرنسية، حتى قبل توزيعها في المكتبات، وذلك بالنظر لما تتضمنه من سيناريوهات يرى فيها البعض وسيلة لزيادة مخاوف الفرنسيين من المسلمين بينما يعتبرها آخرون مجرد رواية أدبية خيالية شبيهة برواية “مزرعة الحيوانات” للكاتب الأمريكي جورج أورويل الصادرة في أربعينات القرن الماضي.
فرنسا في 2022
يصور ميشال ويلبيك، وهو من أكثر الكتاب الفرنسيين المعاصرين الذين ترجمت أعمالهم إلى لغات أخرى، في روايته “الخضوع” فرنسا بعد نهاية الولاية الثانية للرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند، وفوز محمد بنعباس، وهي شخصية مبتكرة اختار له الكاتب أن يكون زعيما لحزب “الأخوية الإسلامية”، في الانتخابات التي تنافسه فيها زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليميني، مارين لوبين، المعروفة برفضها لوجود المسلمين والأجانب بصفة عامة في المجتمع الفرنسي.
ومن بين السيناريوهات التي تصورها الكاتب سنة 2022 في فرنسا المسلمة، تحول المجتمع الفرنسي إلى مجتمع محافظ يدافع عن الحجاب وإجبار النساء على المكوث في المنازل وكذا تعدد الزوجات، “اما الشعب الفرنسي المخدر والفاسد، فيعود الى سليقته التي عودنا عليها منذ الحرب العالمية الثانية وهي التعاون مع المحتل ايا كان ويتقبل فرنسا المتأسلمة الجديدة”.
رواية متخيلة ام موقف سياسي
ردود الفعل المنتقدة للرواية ذهبت في اتجاه كونها تمنح مصداقية ثقافية لأفكار بعض المثقفين والسياسيين المشجعين للأفكار الرافضة للتعايش في فرنسا والمشجعة على الحد من تكاثر المسلمين في البلاد. وفي هذا الإطار كتبت جريدة ليبيراسيون اليسارية القريبة من الحزب الاشتراكي الفرنسي الحاكم، أن الكاتب الحائز على جائزة الغونكور يصب في اتجاه أفكار حزب الجبهة الوطنية؛ معتبرة أن الرواية لها بعد سياسي واضح، “فبعد انحسار الضجة الاعلامية، سينظر الى هذه الرواية بوصفها تمثل لحظة حاسمة في تاريخ الافكار وهي اللحظة التي دخل فيها اليمين المتطرف الى الاعمال الادبية العظيمة.”
وفي نفس الاتجاه ذهب المقدم التلفزيوني علي بادو الذي عبر عن شعوره بالاهانة عند قراءة الكتاب، مضيفا ان السنة الجديدة بدأت بعمل معاد للاسلام ينشر من خلال عمل لروائي فرنسي عظيم”.
وفي رده على الانتقادات الموجهة إلى الرواية ألمح ميشال ويلبيك إلى لعبه على وثر التخويف في عمله الأدبي إلا انه نفى في مقابلات تلفزية أن يكون هذا التخويف موجه ضد المسلمين “لا ندري تحديدا ما الذين نخاف منه، ان كنا خائفين من دعاة التمسك بالهوية (اي اليمين المتطرف) او من المسلمين. يبقى كل هذا ضبابيا” يضيف ويلبيك.
أما مارين لوبين فلم تدع فرصة إصدار رواية “الخضوع” تمر دون جعلها مناسبة للدفاع عن توجهات حزبها الإيديولوجية الرافضة للوجود الأجنبي في فرنسا، ولانتقاد مواقف منافسيها السياسيين الأسيين حزب اتحاد من أجل حركة شعبية والحزب الاشتراكي.
واعتبرت خلال مشاركتها في برنامج صباحي مباشر على إذاعة فرانس أنفو نهاية الأسبوع الماضي أن المهم في هذه الرواية المتخيلة هو أن هذا الخيال يمكنه ذات يوم ان يصبح حقيقة، خصوصا إذا نظرنا إلى الطريقة التي يصف بها سلوك الحزب الاشتراكي وحزب اتحاد من أجل حركة شعبية”.
محد الصيباري