وجهات نظر متقاطعة حول كتابة تاريخ اليهود بالمغرب

الأربعاء, 14 نونبر 2018

في إطار أشغال اللقاء الدولي حول "اليهود المغاربة: من أجل مغربة متقاسمة" الذي ينظمه مجلس الجالية المغربية بالخارج بشراكة مع مجلس الجماعات اليهودية بالمغرب تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تم تنظيم ندوة حول كتابة تاريخ يهود المغرب بمشاركة كل من ميشال أبيطبول كاتب وأستاذ جامعي في عدد من الجامعات الفرنسية، وله عدة كتابات حول تاريخ اليهود المغاربة، بالإضافة إلى المؤرخ ومدير أرشيف المغرب جامع بيضا.

بيضا ودور الجامعة في إعادة الإشعاع لتاريخ اليهود المغاربة

وفي مداخلته خلال هذه الندوة التي سيرها الكاتب والصحفي، سلومون مالكا، قدم المؤرخ جامع بيضا عرضا تاريخيا حول مكانة اليهود المغاربة في المغرب بعد الاستقلال. واعتبر بيضا في هذا السياق أن الأشهر الأولى بعد استقلال المغرب شهدت اهتماما كبيرا بالجالية اليهودية من طرف الملك الراحل محمد الخامس، الذي أكد في أول خطاب للعرش بعد العودة من المنفى أن اليهود المغاربة لهم جميه الحقوق مثل باقي المغاربة، وهو ما تم تعزيزه من خلال تعيين أول وزير يهودي مغربي بعد الاستقلال، إلا أن عوامل داخلية وخارجية أدت إلى التراجع على هذا المسار في علاقة المغرب باليهود المغاربة، حددها جامع بيضا في السياق الاقتصادي للمغرب والصراع الداخلي سياسي الحزبي، وانخراط المغرب في الجامعة العربية… « مما خلق نوعا من الشك والخوف في الجالية اليهودية ودفع ببعض أفرادها إلى الهجرة السرية التي جعلت المغرب يفقد جزءا من كفاءاته في وقت هو في أمس الحاجة إليها » يقول المؤرخ.

 

إلا أن أواسط السبعينات ستعرف بداية العمل انطلاقا من الجامعة المغربية من أجل تسليط الضوء من جديد على اليهود المغاربة من خلال الأبحاث التاريخية، وإخراجها من قفص الإديولوجية الوطنية، متأثرة بمدرسة الحوليات التي تعطي الأولوية للجانب السوسيو اقتصادي.

مدير أرشيف المغرب، ذكر بالإصلاحات السياسية والدستورية التي عرفها المغرب والتي وسعت من هامش الحريات الفردية والجماعية مع اهتمام خاص بالخصوصيات الهوياتية خصوصا الأمازيغيىة واليهودية، رافقها فتح مجموعة من مختبرات البحث في الجامعات التي أعادت الاعتبار للتاريخ المتعدد للمغرب، إضافة إلى الأعمال السينمائية والأعمال التلفزية حول اليهود المغاربة، وأيضا في إطار منظمات المجتمع المدني، مضيفا بأنه لا يمكن الحديث عن تاريخ المغرب من دون بمعزل على اليهودية،

هذا المسار، توج بحسب جامع بيضا، بمباركة دستورية من خلال الاعتراف بالرافد العبري كمكون أساسي للهوية المغربية وأيضا بالاهتمام المكلي باليهود المغاربة والرقي بالبيع وبالمقابر اليهودية في المغرب.

ميشال أبيتبول: الاحتكاك بالمسلمين أغنى الثقافة اليهودية

أما الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات اليهودية المسلمة، ميشال أبيتبول، فقد قدم مداخلة أكاديمية حول الحضور اليهودي في المغرب ومختلف محطات العلاقة بين اليهود والمسلمين، من خلال مجموعة من الأعمال العلمية التي تؤرج للعلاقة الغير ثابثة التي طبعت التاريخ المشترك لليهود والمسلمين في المغرب.

j2 8

وسجل أبيتبول عددا من الملاحطات الأكاديمية على كيفية اشتغال المؤرخين حول تاريخ اليهود في المغرب والتحولات التي طرأت على هذا الحقل البحثي، مبرزا المنحى المختلف الذي طبع الاشتغال على هذا لموضوع بعد الاستقلال من خلال تحرر المؤرخين والباحثين في المغرب من « الوصاية الفرنسية » ودخول باحثين أنجلوساكسونيين للمساهمة في كتابة وإعادة التاريخ اليهودي المغربي، وصولا إلى المؤرخين الجدد الذين اختاروا الاشتغال بوسائلهم الفكرية الخاصة ووضعوا تاريخ اليهود المغاربة ضمن تاريخ اليهود وضمن التاريخ المغربي.

وانتقد المتحدث ذاته ما سماع خطأ منهجيا في الدراسة العلمية لتاريخ اليهود المغاربة يتمثل في وضع اليهود في المغرب العربي في إطار ضيق غير متحرك وحبيس مجموعة من الكليشهات المرتبطة بعلاقة اليهود بالعالم العربي والمسلمين، مبرزا اهم التحولات التي طبعت هذه العلاقة باختلاف سياقاتها، ومشددا على أن الحضور اليهودي في العالم الإسلامي العربي جعله يستفيد من مكونات الثقافة السائدة في المجتمعات المسلمة، « كما تم الحفاظ على الحقوق الدينية لليهود باعتبارهم أهل ذمة وهي حقوق لم يعرفها اليهود في أوروبا إلا بعد الثورة الفرنسية » يضيف أبيبتبول.

وتوقف أبيتبول على المكتسبات التي حققتها الثقافة اليهودية من خلال احتكاكها بالثقافة الإسلامية في الأندلس، وهو ما أعطى أحد أبرز نماذج التعايش الديني عبر التاريخ وهو ما انعكس في الأعمال الفلسفية والشعرية والأدبية للفرابي وابن رشد… كما نجح هذا النموذج في انبثاق وزراء ودبلوماسيين ومسؤولين يهود في بلاط السلاطين المسلمين في الأندلس، ومكن من تحقيق وحدة بين المغرب وبين الأندلس شملت رقعة جغرافية ممتدة من الواد الكبير في إشبيلية إلى نهر السنغال.

من جهة أخرى أبرز ميشال أبيتبول مكانة اليهود في المغرب عبر التاريخ ودورهم الأساسي في التجارة البحرية وفي التجارة الصحراوية وتجارة القوافل المغربية المتوجهة إلى السنغال، وهم ما يفسر حضور المجموعات اليهودية في مناطق مغربية صحراوية مثل كلميم وسجلماسة والتي كانت تربطها علاقات قوية مع أكبر العواصم في تاريخ الدول المتعاقبة على المغرب مثل فاس ومراكش، وتوقف الأكاديمي المتخصص في تاريخ العلاقات اليهودية المغربية على نموذج مدينة فاس التي احتضنت اليهود الفارين من الأندلس بعد سقوط الحكم الإسلامي فيها وفتحت لهم المجال لممارسة مهنهم، واستفاد المغرب من كفاءاتهم سواء في مجال الحرف أو الطب أو الصناعة وبفضلها أصبح السكر المغربي في القرن الخامس عشر يصدر إلى أوروبا وإلى إفريقا جنوب الصحراء؛ مشددا على أن الذاكرة المشتركة للمغرب العربي ترسم واحدة من أهم الفصول المشرقة في تاريخ اليهود في العالم الإسلامي.

هيأة التحرير

الصحافة والهجرة

Google+ Google+