أكاديميون يسائلون الثقافة الدينية ومصادر تدين المسلمين في أوروبا

الأربعاء, 13 فبراير 2019

لا بد من التنبيه إلى أن التدين الإسلامي في الغرب تشكل عبر عوامل كثيرة، داخلية وخارجية، ولا بد من استحضار هذه الأرضية في معرض قراءة معالم هذا التدين. بهذا التأطير، حاضر مصطفى الشنضيض، أستاذ باحث في علوم الشريعة، والمرشد الديني لمسجد الرحمن بكوبنغاهن في أولى المداخلات التي جاءت في مائدة مستديرة تحت عنوان "الثقافة الدينية لدى مسلمي أوروبا: مصادرها وقنواتها"، والتي احتضنها رواق مجلس الجالية المغربية بالخارج بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، زوال يوم الأربعاء 13 فبراير 2019، في لقاء أداره عبد الله رضوان، عضو المجلس.

SIEL19 D6 TR3 REDOUANE

وتوقف الشنضيض في مداخلته عند نوعين من العوامل في تشكل التدين الإسلامي في الغرب، أولها داخلي، أو ذاتي، يتضمن أيضا الجانب العاطفي والنفسي، أي الجاهزية التي لدى المسلم البسيط، لكي يحتفظ على الموروث الديني والخوف من مؤثرات المحيط الغيري، وهم الأمر الذي يسبب له نوعا من التقوقع حول الذات الجمعية والاحتماء بالماضي.

كما يدخل في هذا العامل أيضا جانب إبستيمي، ومفاده أن المسلم المهاجر ضعيف المناعة ضد المذاهب الفكرية الوافدة من الشرق والغرب، ويصبح بالتالي جاهزا للتفاعل مع الأعلى صوتا وصخبا، دون اعتبار للقوانين المنظمة للشأن الديني والاجتماعي هناك في الغرب.

SIEL19 D6 TR3 CHENDID

أما العوامل الخارجية، فقد لخصها المحاضر بداية في وجود الحركات الإسلامية في أوربا منذ أربعة عقود، حيث تميز خطابها بنشر فكر الوعود والأمنيات، مع إنفاق الأموال والإمدادات من أجل ترويج لنوع محدد من الأفكار، وعوض الاشتغال على تربية الإنسان، تم الاشتغال على تكثير الأتباع والأعضاء، مما أدى إلى تقسيم المسلمين إلى فئات عديدة، يشتغل بعضها على تصحيح مسارات البعض الآخر، ويشتغل آخرون على استقطاب الأتباع.

من جهة أخرى أبرز الشنضيض، في إطار حديثه عن العوامل الخارجية في تشكل الإسلام في أوروبا، أن صعوبة مواكبة الأحداث السياسية في زمن ثورة الاتصالات والمعلومات، بسبب تعاقب ثقافة الصورة مما يجعله متعجلا في تبني الكثير من الآراء بمجرد أنها تملأ الساحة الإعلامية؛ كما ذكر أن الأحداث المتواترة في المنطقة العربية أخذت الشيء الكثير من ذهن مسلمي أوربا وكانت لها تأثيرات على أراء المسلمين في الغرب، يوازيها حضور قضايا الهجرة في الساحة السياسية في مجتمعات الاستقبال وارتفاع أسهم الإسلاموفوبيا وكلها عوامل ساهمت في شروع العديد من الدول الأوروبية في سن قوانين تعقد الوجود الإسلامي.

واختتم المحاضر مداخلته بالتوقف عند بعض المميزات الخاصة بالنموذج المغربي في التدين، داعيا المسؤولين إلى الانتباه إليها والعمل على نشرها في الخارج، واستدراك النقص في المطبوعات (الكتب والمرئيات) وتعزيز الحضور في الفضائيات.

الغزالي : للدين دور أساسي في الدولة الحديثة

بالنسبة لمحمد خالد غزالي، وهو مدير مشروع علمي أوروبي عنوانه "الوقاية والتفاعل عبر البحر الأبيض المتوسط"، وأستاذ زائر في جامعات سويسرية وإسبانية، فقد تطرق لموضوع الثقافة الدينية في أوروبا، انطلاقا من أرضية علم الاجتماع، ومن خبرته الميدانية في الساحة الأوربية.

SIEL19 D6 TR3 GHAZALI

واعتبر غزالي أن استحضار أدوات علم الاجتماع، تفسر الحديث عن إسلام مغربي أو إسلام أوروبي أو غيره، لأنها أنماط من التدين مرتبطة بعوامل اجتماعية وثقافية، معتبرا أنه في هذا الحقل العلمي غالبا ما يتم الحديث عن الاستعمالات الاجتماعية للدين، في إطار التفاعل مع الظواهر الدينية، بصرف النظر عن الجوانب الإيجابية أو السلبية لهذا الاستعمال أو التوظيف؛ داعيا إلى ضرورة الانتباه لمعضلة تدبير مسألة التعددية الدينية في عدد من المؤسسات الإيطالية خصوصا المؤسسات السجنية.

واختتم المحاضر مداخلته بمحاولة الإجابة على سؤال دور الدين اليوم، حيث اعتبر أن للدين دور أساسي في إثبات الدولة الحديثة، بل وصل الأمر في الحالة الأوربية إلى ظهور مرشدين دينيين في السجون، وهذا مؤشر مقلق حسب المحاضر لأنه يتعلق بمهنة، بينما علم الاجتماع يفيد بأن تاريخ المهن مختلف عن المهنة الدينية.

وأكد الغرالي في الأخير أن التفاعل مع هذه الثقافة الدينية يتطلب ذكاء في التدبير وامتلاكا للمعارف وليس توظيف الدين لاعتبارات إيديولوجية في المجال العام "مما يفتح الباب أمام التفكير في تعريف جديد للدين في أوروبا" يخلص.

السباعي: الجالية المسلمة في أوروبا تستهلك المعرفة الدينية ولا تنتجها

أما يوسف السباعي، وهو أستاذ جامعي في الجامعات الإيطالية، فقد أورد بعض الإحصائيات المتعلقة بعدد المسلمين في أوروبا الذي يتراوح بين 25 و30 مليون مسلم، وهو ما يُصعب تصنيفهم بحسب الأصول الجغرافية أو المذهبية أو أخذا بعين الاعتبار التصنيف المرتبط بالأجيال، مضيفا أن هذه التصنيفات معقدة وغير دقيقة، بدليل ما نلاحظه مع الجالية المغربية في أوروبا والوزعة على مجموعة من الدول والعلاقة بين الفرد والدين عند كل فرد من أفراد الجالية تختلف من شخص لشخص.

SIEL19 D6 TR3 SEBAI

ولاحظ نفس المتدخل أن علاقة المواطن المسلم بأوروبا مع الدين، تنقسم إلى ثلاثة أقسام، أولها علاقة على مستوى الاعتقاد فقط، وثانيها علاقة تجمع بين الاعتقاد والممارسة الدينية، فيما يضيف آخرون إلى كل هذا الانتماء إلى مجموعة (جمعية ثقافية، أو جماعة إسلامية). إلخ.

بخصوص موضوع مصادر الثقافة الإسلامية عند كل مجموعة من هذه المجموعات، فقد أكد المحاضر، أن الدولة الإيطالية، لا تضم سوى خمسة مساجد فقط، بينما باقي أماكن إقامة الصلاة، فهي أماكن للعبادة، وعددها أكثر من ألف، وهي أشبه بمصليات منها إلى مساجد.

كما أشار السباعي إلى أن عدد مرتادي المساجد في إيطاليا وأوروبا بشكل عام، يتراوح 10 و15 في المائة من الجالية المسلمة، بما يفيد أن للباقين تجارب وممارستهم الدينية وقنوات تختلف عن المساجد والمصليات؛ بل حتى أماكن العبادة تنقسم إلى قسمين، منها قسم ينتمي إلى الحركات الإسلامية وهو أقلية، مقابل أغلبية المساجد وأماكن العبادة  التي لا علاقة لها بأي انتماء حركي.

وبخصوص مصادر المعرفة في القسمين معا، فقد اعتبر السباعي أنها قادمة من خارج أوروبا، وأن الجالية المسلمة عموما تستهلك المعرفة ولا تنتجها، ليبقى سؤال مصادر المعرفة عن الأغلبية التي لا تذهب إلى المساجد، وهؤلاء ينهلون من التلقين الديني الأفقي، عبر شبكة الإنترنت، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، داعيا إلى التفكير الجماعي في هذه التحديات من باب تسهيل اندماج مسلمي أوربا في النسيج المجتمعي الأوربي، على أساس النموذج الديني المغربي.

المرابط وضرورة الفصل بين مفهومي الدين والتدين

من جانبه توقف الأكاديمي المغربي مصطفى المرابط عند تاريخ بناء التدين في أوروبا، معتبرا أنه يشكل مختبرا حيا لمن لديهم هم معرفي، ومنجم خام لم يستثمر بالقدر الكافي، لأن الدراسات البحثية تفتقد للمعرفة من الداخل، أي من داخل ظاهرة التدين "وما ينتج من داخل الظاهرة لا يعدو أن يكون وعظا، وهذه مفارقة تستحق الاشتغال البحثي".

SIEL19 D6 TR3 MOURABIT

وفرق المرابط بين مفهوم الدين الذي يمثل مجموعة من القيم المرتبطة بالوحي والمتعالية عن الزمان والمكان، وبين مفهوم الثقافة الدينية أي التدين، بوصفه مجالا للاجتهاد البشري والتأويل المرتبط بقدرة الإنسان على فهم واستيعاب وتمثل الدين حسب السياقات التي يعيش فيها.

كما عرج المتدخل على التجربة التاريخية للإسلام التي نظرت إلى القرأن بوصفه كتابا حمالا لأوجه ومستودع أجوبة يتوجه إليه الإنسان بالأسئلة، وهو ما جعل التجربة التاريخية تنتج أنواعا مختلفة من التدين مرتبطة بالسياق، تعمل الذكاء الاجتماعي في فهم الدين وتمثله؛ لكن الصدمات التاريخية التي شهدها  المسلمون نتج عنها انفصال عن السياق جعل المسلمين يجترون ما تراكم في الماضي، فأصبح التدين هو المصدر عوض الدين.

وعن الواقع الديني للمسلمين في أوروبا اعتبر المرابط أن غياب مصادر ثقافة دينية منبثقة من السياق الأوروبي وتأخذ بعين الاعتبار وجود المسلمين كأقلية، جعلهم يعيشون اغترابا وجدانيا، انضاف إلى اغترابهم الجغرافي.

Google+ Google+