نص الخطاب الملكي السامي الذي وجهه صاحب الجلالة بمناسبة الذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراءالرباط : الأحد 06 نونبر 2005

السبت, 13 يونيو 2009
الرباط : الأحد 06 نونبر 2005


" الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

شعبي العزيز،


قبل التوجه إليك بالخطاب، بمناسبة الذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء، نعرب عن إدانتنا الشديدة للاختطاف الحقير، الذي طال المواطنين المغربيين المستخدمين بسفارة المملكة ببغداد، من طرف العصابات الإرهابية في العراق.


وقد تتبعنا مثلك، وبكل انشغال واستنكار هذه الجريمة الشنعاء، التي يدينها الشعب المغربي، بكل مكوناته، وتبذل مختلف مشاربه النداءات الإنسانية والمساعي الحثيثة لإطلاق سراحهما.


وإننا إذ نعلن شديد الاستنكار لهذا التصرف الأهوج والمدان، بكل المقاييس الأخلاقية والدينية، ما نزال ننتظر أن يعود الجناة إلى الرشد، ويفكوا الحصار عن هذين المواطنين البريئين، اللذين ينتميان إلى بلد عربي مسلم، لم يدخر وسعا في الوقوف بجانب الشعب العراقي الشقيق، في محنته، والحث على انتهاج سبل الحوار، والدعوة بالتي هي أحسن للخروج من أزمته.


شعبي العزيز،


نخلد اليوم، بكامل الاعتزاز، الذكرى الثلاثين لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، لاسترجاع أقاليمنا الصحرا وية ؛ مستحضرين ما ترمز إليه من التحام بين العرش والشعب، وإجماع وطني على التشبث بوحدتك الوطنية والترابية. وهي مناسبة خالدة نجدد فيها العهد، على الوفاء للقسم، الذي أديناه جميعا مع مبدعها، والدنا المنعم، جلالة المغفور له، الملك الحسن الثاني، أكرم الله مثواه، ومواصلة التعبئة الشاملة، بقيادة خديمك الأول، من أجل حماية الوطن، وصيانة حوزته.


وقد شهدت أقاليمنا الصحراوية، بعد تصفية استعمارها سنة 1975، تنمية شاملة، حولتها إلى مدن وحواضر، تنعم بالأمن والاستقرار والازدهار، بفضل تضحيات جميع المغاربة، مدنيين وعسكريين.


وبفعل التضامن الوطني القوي، فقد اندمجت فيما قطعته بلادنا من أشواط متقدمة، على درب التطور الديمقراطي والاقتصادي والاجتماعي.


كما وقفت بصمود، في مواجهة المؤامرات المكشوفة، لخصوم وحدتنا الترابية للنيل من مغربيتها.


وبالرغم من مناورا تهم اليائسة، فإن المغرب، القوي بعدالة قضيته، وإجماعه حول عدم التفريط في شبر من صحرائه، قد ظل حريصا على التشبث بوشائج الأخوة وحسن الجوار، وانتهاج الحوار، والجنوح إلى السلم، والتحلي بالحكمة والتعقل.


وإننا لمؤمنون بأن الأخذ بهذه الفضائل، هو السبيل القويم، للخروج من النفق الطويل لهذا النزاع المفتعل، إلى رحابة فضاء التعايش والوئام، الكفيل بتجسيد تطلعات الأجيال الصاعدة، إلى الوحدة وبناء مستقبل مغاربي مشترك.


إن تشبثنا بمغربية صحرائنا، لا يعادله إلا حرصنا على إيجاد حل سياسي تفاوضي، للنزاع المفتعل حولها، يخول أقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا، يضمن لسكانها تدبير شؤونهم الجهوية، في نطاق سيادة المملكة، ووحدتها الوطنية والترابية.


وتندرج جهودنا الدؤوبة لإ قرار حل توافقي ونهائي، في إطار تعاملنا الإيجابي، مع التوصيات الوجيهة للأمم المتحدة، ومساعيها الحميدة.
وفي هذا السياق، أكدنا خلال استقبالنا للسيد المبعوث الشخصي الجديد، للأمين العام للأمم المتحدة، استعداد بلادنا للتعاون المخلص مع معاليه، ومن خلاله مع المنتظم الدولي، والتفاوض الجاد، واتخاذ المبادرات الإيجابية، الهادفة للتسوية العادلة، لهذا الخلاف المصطنع، بروح الثقة والمسؤولية، والنظرة المستقبلية المتبصرة.


ومن منطلق وفائنا لروح المسيرة، التي حققت تحرير الصحراء، بالتعبئة الشاملة، وسيرا على النهج الديمقراطي، بإشراك كل القوى الحية في الدفاع عن مغربيتها، فقد قررنا استشارة الأحزاب السياسية، لما لها من دور أساسي في القضايا الوطنية، وذلك بشأن منظورها الملموس للحكم الذاتي، في نطاق سيادة المملكة، في أفق بلورة وتقديم المقترح المغربي، بهذا الخصوص.


وإننا نجدد الدعوة لكل الهيآت والفعاليات الوطنية، للنهوض بدورها في تعبئة الرأي العام، والتأطير الميداني للمواطنين، وتوسيع انخراطهم، في دعم هذا التوجه الحكيم، بكل وعي ومسؤولية، تجسيداً للإجماع الوطني حوله، وكسب المزيد من الدعم الدولي له.


كما ندعوها للمزيد من اليقظة والتعبئة، لفك الحصار عن مواطنينا المحتجزين بمخيمات تندوف، فمستقبلهم في ظل مغرب ديمقراطي وموحد، يوفر لهم كل شروط المواطنة الكاملة، والعيش الحر الكريم.


وفي نفس السياق، وعلى غرار الأحزاب السياسية، ستتم استشارة أبناء المنطقة ومنتخبيها، ولاسيما شيوخ القبائل، لحنكتهم وحكمتهم، ومكانتهم الرفيعة لدى جلالتنا، وذلك بصدد تصوراتهم لمشروع إقامة نظام جهوي متقدم، ملائم لخصوصيات هذه المنطقة العزيزة من وطننا. كما سيتم إشراكهم في إعادة هيكلة المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، تقديراً منا لغيرتهم الصادقة على الثوابت والمقدسات الوطنية، وخبرتهم الواسعة بقضايا المنطقة، وتطلعات سكانها.


وإننا لنؤكد الأهمية التي نوليها لهذا المجلس، لجعله مؤسسة فاعلة في تنمية الأقاليم الجنوبية، والدفاع عن مغربيتها. كما نتوخى أن يشكل هيأة متوازنة في تركيبتها، منفتحة، بالإضافة إلى أعيانها الأوفياء، على النخب الجديدة، والجمعيات الفاعلة للمجتمع المدني، وخاصة منهم الشباب والنساء.


شعبي العزيز،


لقد خلقت المسيرة مغربا جديدا. وإننا لحريصون على تعزيز ما حققته بلادنا من مكاسب، على درب الوحدة والديمقراطية والتنمية، بفضل جهود كل أبناء شعبنا، داخل الوطن وخارجه.


وفي هذا الصدد، نشيد بالدور الفعال لجاليتنا المقيمة بالخارج، التي نعتبرها من مقومات المغرب الجديد. بل وفي طليعة الفعاليات، التي تساهم بكل صدق وإخلاص، في تنمية بلادنا، والدفاع عن وحدتها الترابية، وإشعاعها الخارجي، في ارتباط وثيق بهويتها المغربية الأصيلة.


وتجسيدا لتجاوبنا العميق مع التطلعات المشروعة لمختلف أجيالها، في ممارسة المواطنة الكاملة، ولضمان مشاركة ناجعة، وذات مصداقية، لمواطنينا المهاجرين، في كل مؤسسات ومجالات الشأن العام، فقد اتخذنا أربعة قرارات هامة ومتكاملة:


أولها : تمكين المغاربة المقيمين بالخارج من تمثيلهم، عن جدارة واستحقاق، في مجلس النواب، بكيفية ملائمة وواقعية وعقلانية.
أما القرار الثاني، المترتب عن الأول، فيتعلق بوجوب إحداث دوائر تشريعية انتخابية بالخارج، ليتسنى لمواطنينا بالمهجر اختيار نوابهم بالغرفة الأولى للبرلمان. علما بأنهم يتمتعون، على قدم المساواة، بالحقوق السياسية والمدنية، التي يخولها القانون لكل المغاربة، ليكونوا ناخبين أو منتخبين بأرض الوطن.


ويأتي قرارنا الثالث، بتمكين الأجيال الجديدة من جاليتنا العزيزة، من حق التصويت والترشيح في الانتخابات، على غرار آبائهم، تجسيدا لمبدإ المساواة في المواطنة.


ولهذه الغاية، نصدر تعليماتنا للحكومة، لاتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ هذه القرارات الثلاثة، عند مراجعتها لمنظومة الانتخابات. وسيظل هدفنا أبعد من ذلك، في التجاوب مع الطموح الكبير، لمواطنينا المقيمين بالخارج، بفتح كل فضاءات وأنماط المشاركة أمامهم.


ومن هنا كان قرارنا الرابع، بإحداث مجلس أعلى للجالية المغربية بالخارج، برئاسة جلالتنا، يتم تشكيله، بكيفية ديمقراطية وشفافة، تكفل له كل ضمانات المصداقية، والنجاعة والتمثيلية الحقة. على أن يضم أعضاء نتولى تعيينهم، من ضمن الشخصيات المشهود لها بالعطاء المتميز، في مجال الدفاع عن حقوق المغاربة المهاجرين، وعن المصالح العليا للوطن، بالإضافة إلى ممثلين عن السلطات والمؤسسات المعنية بقضاياهم.


وتندرج هذه القرارات والتوجهات في سياق استراتيجية شمولية ثلاثية الأبعاد، تأخذ بعين الاعتبار، كون المغرب يعد مصدرا للهجرة، ومعبرا ووجهة لها.


وبالنظر لكون بلادنا تعتبر مصدراً للهجرة، لم نفتأ نولي عناية خاصة لجاليتنا بالخارج، ولتفاعلها الإيجابي مع بلدان الإقامة، وانخراطها الفاعل في الإصلاحات والأوراش الكبرى، التي نقودها.


كما أننا نحرص على توفير الظروف الملائمة للإقامة الشرعية للجالية الأجنبية، التي اتخذت من بلادنا مقرا لها، إما للدراسة والتكوين، أو للعمل والاستثمار، أو للسياحة وغيرها، في ظل الأمن والطمأنينة وسيادة القانون.


وبالموازاة مع ذلك، فإن الموقع الجغرافي لبلدنا، وإكراهات المحيط الإقليمي والدولي، قد أفرزت معطى جديداً أكثر حساسية، جعله معبراً للمهاجرين، من بلدان إفريقية شقيقة جنوب الصحراء، نحو الوجهة الأوروبية الممتنعة.


وبالرغم من كونه المتضرر الأول من هذه الوضعية، فإن المغرب يبذل قصارى جهوذه، وبوسائله المحدودة لمواجهتها، بتنسيق محكم مع جارته إسبانيا الصديقة.


ومع ذلك، فإن المشكل في عمقه، يتجاوز الطابع الثنائي بين البلدين الجارين، ليشمل سائر البلدان المعنية بالهجرة، إفريقياً ومغاربياً وأوربياً.


وأمام تزايد تدفق الهجرة غير الشرعية، من دنيا الفقر إلى عالم الغنى، فإنها تقتضي معالجة شمولية، لاتنحصر في الجانب الأمني فحسب، لأنه غير كاف وحده، إذا لم يتم العمل على معالجة دوافعها الاقتصادية والاجتماعية بالدول المصدرة لها. ولن يتأتى ذلك إلا بتوفير الدعم الضروري للتنمية المحلية للشعوب الإفريقية الشقيقة، بما يمكنها من الاستقرار والعيش الكريم في أوطانها، في ظل الرخاء المشترك، والأمن الشامل.


وفي إطار هذا التوجه، تندرج مبادرة المغرب وإسبانيا، الداعية لاجتماع الدول الأعضاء بكل من الاتحاد الأوروبي، والمغرب العربي، والبلدان الإفريقية المعنية، لإيجاد سياسة مشتركة، محددة في مسؤولياتها، ووسائلها وبرامجها المندمجة، ومنظورها الاستراتيجي للهجرة، باعتبارها معضلة هيكلية، وليست ظاهرة عابرة.


ومهما تكن المصاعب الظرفية، فإنها لن تنال من عزم المغرب الراسخ، لرفع هذا التحدي، في احترام لحقوق المهاجرين وكرامتهم، مغاربة كانوا أو أجانب. وبذلك يؤكد المغرب أنه يظل في مستوى ما يطرحه موقعه الجغرافي، ونظامه الديمقراطي، ورصيده الحضاري، من انفتاح وتواصل وتضامن وإخاء.



والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

Google+ Google+