خطاب السيد محمد عمر الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج

السبت, 13 يونيو 2009

خطاب السيد محمد عمر

الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج

 مراكش 19 و 20 دجنبر 2008

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

السيد رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج.
السيدات الوزيرات والسادة الوزراء.
السيدة المديرة الإقليمية لبرنامج صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة لشمال إفريقيا.
السيدات والسادة ممثلو المؤسسات الوطنية، والمنظمات الحكومية وغير الحكومية.
سيداتي، سادتي.
بداية اسمحوا لي أن أعبر بحرارة الكلمة وصدق المشاعر عن متمنياتي بالنجاح والإشعاع والازدهار لمبادرتكم هاته.
إنه لحدث مغربي بامتياز هذا الذي يأتي على بعد أيام قليلة فقط من احتفال العالم بالذكرى الستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإعلان جلالة الملك محمد السادس حفظه الله عن قراره سحب المملكة المغربية للتحفظات المسجلة بشأن الاتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة كما ورد في الرسالة الملكية : "وهي مناسبة نجدد فيها تشبثنا الراسخ، بحقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها، جاعلين من تجسيدها في مواطنة كريمة لكل المغاربة، مذهبنا في الحكم... وفي هذا السياق، نجدد حرصنا على صيانة حقوق مواطنينا المقيمين بالخارج، وحمايتهم من كل أشكال التمييز....وتعزيزا لهذا المسار، نعلن عن سحب المملكة المغربية للتحفظات المسجلة، بشأن الإتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، التي أصبحت متجاوزة، بفعل التشريعات المتقدمة، التي أقرتها بلادنا."
كما يأتي حدثكم هذا، على بعد أسابيع قليلة من تخليد اليوم الوطني للمرأة المغربية في العاشر من أكتوبر 2008، والذي أقره جلالة الملك، ضامن حقوق وحريات المواطنين، يوما وطنيا ليخلد كل سنة مكانة وعطاء المرأة المغربية.
والواقع أن لدينا اليوم الكثير مما يوجب الاحتفال، ويمنحنا الإحساس بقدرة بلدنا على السير قدما للارتقاء بأوضاع النساء المغربيات إلى مستوى أعلى من التمتع الكامل بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها كونيا.
وهذا الحدث يأتي أيضا ليأخذ مكانته كاملة ضمن الصيرورة الوطنية للنهوض بحقوق النساء المغربيات وحمايتهن أينما تواجدن.
إنه للقاء من أهم الملتقيات الممكنة، والتي يتوجب علينا منحها كامل الدعم إلى جانب مثيلاتها من الملتقيات التي تتطلع إلى مد جسور التواصل والحوار والاعتراف بالغيرية من أجل تمثل القيم الكونية.
إن عنوان هذا اللقاء" النساء المغربيات عبر العالم " أو "مغربيات العالم داخل الوطن وخارجه" لهو في حد ذاته جملة تنبؤنا بالفرح، إنها ليست بلاغة لفظية فقط، إنها أكثر من ذلك لما تحمله بين طياتها من تعبيرات حقيقية عن التطور المفاهيمي الحاصل في علاقته المباشرة مع التغيرات والمكتسبات التي حققتها النساء، كما أنها تحمل الكثير من الدلالات عن المكتسبات الأخرى التي هي في طور الإنجاز والتراكم.
إنها أيضا، وفي السياق المغربي الخاص، لتعنون لماهية الرؤية الشمولية الدافعة بمسيرة المغرب نحو المساواة.
أيتها السيدات، أيها السادة،
لا أعتقد أنني سأجانب الصواب إذا ما أكدت اليوم، وأمام جميع الفعاليات الحاضرة معنا هنا في ملتقى النساء المغربيات المنتميات إلى هنا وإلى هناك - مع ما نعرفه أن الهناك قد ابتدأ من قبل هنا- بأن هذا اللقاء وما يسعى إلى تحقيقه من أهداف، قد ظل حجر الزاوية الغائب عن صرح المساواة الذي انكبت على بنائه جميع المكونات الوطنية المغربية منذ ما يقارب أكثر من العقدين.
- فالمغرب وفاء منه لاختياراته السياسية ) الدستور المغربي، الإرادة الملكية السامية، بناء دولة الحق والقانون وترسيخ حقوق الإنسان، أسس ومبادئ الانتقال الديمقراطي (....
- ومحترما لالتزاماته الدولية ) ميثاق الأمم المتحدة، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بكين + 10، السيداو، أهداف الألفية الثالثة (...،
- ومستلهما لروح العصر ولمعنى التاريخ ومساره،
- ومخلصا كذلك لثقافة الأنوار العربية الإسلامية )إبن عربي، إبن رشد..)،
اختار المغرب تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس الانخراط في مسيرة المساواة، التي تتقدم كل يوم بخطى ثابتة، بربح مساحات كاملة داخل البنيات القديمة التي كانت تفرض الهيمنة والدونية على مجموع النساء.
وتتم ترجمة هذه الإرادة السياسية، يوما بعد يوم، في العديد من الإصلاحات الأساسية التشريعية والمؤسساتية نذكر منها:
- مدونة الشغل (2003) ،
- مدونة الأسرة ( 2004)،
- الاستراتيجية الوطنية من أجل الإنصاف والمساواة بين الجنسين،
- قانون الجنسية،
- الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء،
- إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في اعتماد الميزانية،
- ولوج النساء لمراكز القرار والمسؤولية السياسة(34 امرأة بمجلس النواب ، 7 وزيرات في الحكومة الحالية)،
- القيام بحملة وطنية من أجل التحسيس والتوعية قصد ضمان التمثيلية المنصفة للنساء في الانتخابات الجماعية المقبلة،
- مصادقة البرلمان المغربي في دورته التشريعية الحالية على مدونة الانتخابات الجديدة التي نصت على التمييز الإيجابي لصالح تمثيلية النساء ترشيحا وانتخابا.
أيتها السيدات، أيها السادة،
إن هذا اللقاء النسائي المغربي ليعد بحق لحظة تاريخية مهمة تحمل دلالة المواطنة المتعددة الثقافات، بما أن هذا الجمع يحضن فعاليات وشخصيات ووجوها نسائية تنتمي كلها إلى المغرب وطنا وجغرافية وذاكرة، نساء جئن من هنا ومن هناك، من جميع امتدادات الهجرة المغربية عبر العالم...إذن فهذا اللقاء يؤسس لإنتاج المعنى في عملية تعيد إعادة قراءة وتفسير جميع بوتقات الإنصهار لإلغاء الفوارق، ومد الجسور بين فئات النساء داخل وخارج المغرب وبين بلدان الاستقبال والبلد الأم.
وإذا كان مد الجسور يتطلب ما هو أكثر من الحجر والإسمنت، فإن لدى نساء المغرب ما يكفي من شحنات الفعل والكفاح والذكاء من أجل بناء هذه الجسور، وجعلها ممرات للحياة وتلاقح الثقافات المتعددة والمتنوعة التي يعشن في كنفها وما بين ضفافها.
إنها مبادرة من أجل تمجيد الفعل الجماعي، وتعميق أواصر الارتباط الروحي بوطن يريد أن ينصف جميع نسائه هنا وهناك.
ونحن في الوزارة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، إذ نقوم برصد وتتبع الإشكاليات الخاصة بهجرة النساء المغربيات عن كثب وعن بعد، فإننا نسعى إلى تضافر جهودنا جميعا لكي نحقق أولوية الأولويات ألا وهي: تأمين مسارات الهجرة النسائية، بما أنها أكثر تعرضا للمخاطر خلال جميع مراحل هذه المسارات.
هذه الأولوية، نريدها أن تشكل في المستقبل نقطة فارقة مع وضعيات الهشاشة الصعبة واللاإنسانية التي تعاني منها نسبة مهمة من النساء المغربيات في المهجر.
أيتها السيدات، أيها السادة،
إن موضوع النساء قد طاله النسيان على امتداد التاريخ الحديث للهجرات الدولية، فالعمال والرجال منهم في سن العمر النشيط، هم من شكلوا دائما الموضوع المركزي للملاحظة والدرس والبحث في سياقات الهجرة، بينما مكثت الفئات الأخرى والمعنية مباشرة بهذا الحراك التاريخي الإنساني في الظل (النساء، الأطفال، المتقاعدون).
ونتيجة لهذه الوضعية، وفيما يخص النساء المغربيات، فإن المعطيات القليلة والغير المفصلة التي نتوفر عليها اليوم، تم استخراجها من الإحصائيات الخاصة بسياسات التجمع العائلي المتبعة في بلدان الاستقبال.
فموضوع النساء لم يشكل في تاريخ الهجرة موضوعا مستقلا بذاته في مبحث التاريخ، فالمسارات الخاصة بهن، وسيرورات الاندماج التي يعشنها، وطبيعة الساكنة النسائية في بلدان الاستقبال... والتي يمكنها أن تمدنا ببعض الأجوبة والإيضاحات للإشكالية التي تخصهن لا تزال دون توضيحات كافية.
وإذا كنا نتوفر اليوم على معلومات عامة من قبيل النسب العددية (50% من الهجرة المغربية تتشكل من النساء، وارتفاع نسبة هجرة النساء باستمرار، وبعض الخصائص الأخرى) فإننا نعرف أيضا بأن الدراسات الأكاديمية، والأبحاث التشخيصية، والتقارير الرسمية والإنتاجات الفكرية الأخرى، الأدبية منها والتسجيلية، لا تزال في إرهاصاتها الأولى.
وإذا كان من مسؤوليتنا كوزارة تقديم الدعم والمساندة لمجموع هذه المجهودات العلمية، فإننا مطالبون في نفس الآن بإيجاد أجوبة عاجلة، والإتيان بحلول ملائمة ومناسبة. إن الأمر إذن ليتعلق بعمل استعجالي وبحاجة استعجالية أيضا لجمع وتتبع المعلومات الدقيقة والضاربة العمق في الدرس والتحليل.
إن لقاءكن اليوم ليحمل معه من الإمكانيات الواعدة ما سيمكنه من وضع الدعائم الأساسية للشروع في إرساء اللبنات الضرورية الخاصة بكتابة التاريخ الاجتماعي للنساء المغربيات في المهجر.
إنه إحدى التحديات التي يجب أن نربحها جميعا (قطاعات حكومية ذات الصلة، مؤسسات وطنية، باحثون وباحثات، مؤسسات إقليمية ودولية مهتمة...).
أيتها السيدات ، أيها السادة،
إن تسمية "نساء المغرب في العالم" لتضعنا في مواجهة إحدى أصعب الإشكاليات، إنها تلك المتعلقة بسؤال الهوية أو الهويات.
فالتعريفات في هذا المجال متعددة ومتداخلة، مركبة ومعقدة وغير مكتملة، وبالأخص عندما يتعلق الأمر بالنساء ونساء الهجرات.
إن تنوع وتعدد الهويات وعمليات إعادة التشكل المستمرة التي تعرفها، لتذكرنا بواجبنا جميعا اتجاه هذه الهويات، بأن نكون قادرين على الإنصات المرهف، ونحترم الاختيارات الفردية والجماعية ، ومسارات الحياة الخاصة، والتداخلات الحاصلة مع تاريخ تشكل الأمم والدول.
إن نساء الهجرات بما يواجهنه من صعوبة مزدوجة، بحكم أصولهن والنوع الاجتماعي، ليشهدن على الصعوبات التي تواجهها مسألة تطبيق المساواة بين الرجال والنساء.
إن القطاع الحكومي الذي أترأسه، اختار منذ البداية عن قناعة كاملة اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي، كمكون أساسي في برنامج الوزارة والمخطط الوطني الخماسي الأولي 2008-2012 للنهوض بقضايا وشؤون المغاربة المقيمين بالخارج.
فهذه المنهجية العرضانية من أجل مقاربة مندمجة للمساواة، وهذه السياسة العمومية للمساواة في الحظوظ بين الفئات الخاصة بالنوع الاجتماعي، يتم تطبيقها بصياغة اتفاقيات تلزم الفاعلين، مؤسساتيين وقطاعات وزارية، وأيضا فاعلين عموميين وقطاع خاص، وبتطوير شراكات مثمرة مع مكونات النسيج الجمعوي الفاعل في فضاءات الهجرة.
إن اعتماد مقاربة النوع ستمكننا دون شك، من تحسين أدائنا في التنسيق مع مختلف المتدخلين قصد الرفع من عدد وجودة الخدمات في حقول الهجرة المغربية.
وباعتمادنا مقاربة النوع الاجتماعي في سياستنا العمومية فإننا نسعى بحول الله إلى تحقيق ثلاثة أهداف كبرى تخص النساء المغربيات بالمهجر:
تسهيل الولوج إلى الحقوق.
النهوض بالحقوق الأساسية للنساء.
المواكبة وتقديم خدمات الدعم الأساسية للنساء بالخارج، من أجل الحفاظ على مكانتهن داخل بلدان الاستقبال ومن أجل التمتع بحقوقهن في الانتماءات إلى بلدهن الأصل.
فبإدماج هذه المقاربة في برنامج عملنا ضمن مخططنا الوطني الاستراتيجي، يحذونا الأمل في تسريع وتيرة العمل، وتحسين جودة الخدمات العمومية المقدمة.
إن مبادرتكن جاءت لتحقيق الالتقائية مع الإرادة الوطنية، من أجل توسيع وتقوية فضاءات المشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية للنساء المغربيات المنتميات إلى هنا وهناك.
سيداتي، سادتي ،
مرة أخرى أتقدم بتهانئي الحارة إلى السيد رئيس وأعضاء وعضوات مجلس الجالية المغربية بالخارج، على مختلف مبادراته النوعية في حقل الهجرات المغربية، وتأتي هذه المبادرة المحتفل بها اليوم بمراكش في هذا الزخم حاملة لأصوات القوى الحية لمغاربة العالم، هنا أصوات النساء.
إن هذا اللقاء يأتي في وقته المناسب ليؤكد على الديناميات الجديدة، والفضاءات الجديدة أيضا بامتداداتها المجالية الجديدة لتحرر النساء وازدهارهن.
ففي الوقت الذي يعبر فيه عدد من الملاحظين عن خيبة الأمل من عالم اليوم، ها نحن اليوم نؤسس للبنات أخرى من أجل روعة الأمل، التي يمكنها أن تدلنا على طرقات التفاؤل. إنها ليست مسالك معبدة سلفا، بل إنها طرقات متفرعة ويجب علينا جميعا أن ندرك كيف نصل إلى نقط التقائها.
هذه المسؤولية التي نتحمل ثقلها ولكن أيضا روعة رسالتها النبيلة في إيصالها للأجيال القادمة.
إنها روعة الأمل ونشيد للمستقبل، مستقبل النساء في كفاحهن من أجل المساواة والتحرر والسعادة ومستقبل الإنسانية في بحثها الدائم عن عالم أفضل.
مع التوفيق الكامل لأشغالكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

 

 

الصحافة والهجرة

Google+ Google+