كلمة السيدة أمينة النصيري

السبت, 13 يونيو 2009

مغربيات من هنا وهناك

التحولات والتحديات والمسارات

19-20 دجنبر 2008

مراكش

كلمة السيدة أمينة النصيري، رئيسة مجموعة العمل:

مقاربة النوع الاجتماعي والأجيال الصاعدة

السيدة الوزيرة

السيد الوزير

السيدات والسادة المنتخبون

سيداتي سادتي

أصدقائي الأعزاء

يشرفني ويسعدني أن أستقبلكم في مدينة مراكش الساحرة، من أجل هذا الملتقى العام الأول بعنوان "مغربيات من هنا وهناك: التحولات والتحديات والمسارات" الذي يحظى بالرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والذي جاء بمبادرة من مجلس الجالية المغربية بالخارج، بشراكة مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة وجمعية الذكرى 1200 لتأسيس مدينة فاس.

 

وليس من قَبيل الصُّدف أن يختار المجلس لتظاهرته الكبرى الأولى موضوع المرأة المغربية عبر العالم، إذ جعل المجلس، منذ نشأته، من مقاربة النوع الاجتماعي والأجيال الصاعدة إحدى أولى أولوياته، خاصة من خلال تشكيل مجموعة عمل أفقية تهدف إلى القيام بأنشطة وتفكير خاصين بها، وكذا إلى العمل على أن يكون هذا البعد مدمجا بشكل منهجي في مجموع أنشطة المجلس. وفي واقع الأمر، هناك تأنيث متزايد للهجرة المغربية يفرض على المجلس أن يولي اهتماما خاصا بالتحديات النوعية التي تترتب عن هذا التحول العميق والمستمر.

وأخذُ إشكالية النوع الاجتماعي بعين الاعتبار ليس لا موضةً ولا شعارا، ذلك أن هذه الإشكالية تحتل مكانة جوهرية في التقدم الاجتماعي للمجتمعات. إنها موضوع سياسي وأولوية ظرفية.

 

وكثيرات هن، من زينب، مؤسسة مدينة مراكش، إلى فاطمة الفهرية، مؤسسة جامعة القرويين، الأولى والأقدم من نوعها، إلى كل مغربيات العالم، اللاتي عملن، بقليل أو بكثير، من أجل جعل المغرب ضاربا في عمق تقاليده ومتوجها نحو المستقبل بثبات.

 

ومنذ زمن قريب، أخذ موضوع نساء المهجر ودورهن رونقا جديدا، سواء بالمغرب أم بالخارج. وقبل أن يتم هذا الإدراك حديثا، كان الرجال يبدون كأنهم الفاعلون الرئيسيون في الهجرة، بينما النساء وبناتهن كن أكبر المنسيات في الإحصائيات والتاريخ.

 

والحالة هذه، فإن الهجرة تشهد تحولا تاما. ويمكن إجراء عدد من المعاينات التي سيتم تقديمها في مختلف الفضاءات خلال هذين اليومين: على الأقل خلال العقود الأربعة المنصرمة، عرفت الهجرة المغربية تحولا جذريا، وشهدت بالخصوص تأنيثا قويا (إذ أن هناك امرأة واحدة من أصل كل مهاجرين اثنين) إضافة إلى بروز أجيال جديدة.

 

وهي تتسم بتنوع كبير في ما يخص المهارات والمسارات: تطور هجرة عمال تهم النساء وحدهن، وبروز نساء سياسيات منحدرات من الهجرة، وعاملات متقاعدات وربات بيوت، لكن أيضا خادمات في البيوت في وضعية غير قانونية ونساء ضحايا الاستغلال الجنسي في بعض البلدان.

 

وهؤلاء النسوة يساهمن اليوم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، سواء في البلد الأصل أو في بلد الاستقبال.

 

وهذه مجموعة من العوامل التي تسلط الضوء على الميولات الثقيلة للهجرة النسائية المغربية، وتطرح التساؤل حول قدرة البلد الأصل وبلدان الاستقبال على أخذ هذا المعطى الجديد بعين الاعتبار.

 

لكنْ كثيرات هن نساء المهجر اللاتي عرفن كيف يشقُقن طريقهن الخاص وينخرطن بنجاح في مسارات الحركية الاجتماعية. فالمردودية والمهارة اِسمان مؤنثان. غير أنه بالنسبة لعدد لا يستهان به منهن، حقوقهن في الكرامة والاحترام والاندماج مهضومة، بينما يتعرضن في العمل، وبشكل أكثر فأكثر، إلى تمييز مزدوج بسبب أصلهن وجنسهن.

 

وقد باشر المغرب مجموعة من الأوراش في كل القطاعات بما يمَكن المغرب من التغير بشكل لا بديل عنه والانخراط في حركة التحديث، التي تُعد مسالة النوع الاجتماعي جزءا لا يتجزأ منها.

 

وطالبت النساء، وهن الحاضرات بقوة في الحركة الجمعوية، بتغيير قانون الحالة المدنية الذي كان يجعل منهن مجرد قاصرات. وقد أنصت لهن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في وعي تام بالدور الذي أصبحت تضطلع به المرأة، ما مكنها من إدراجها كفاعل قائم بذاته في التنمية المجتمعية.

 

ومن أجل استكمال هذا الطموح المعلَن عنه والمتوخى، لم يكن صاحب الجلالة ليقدم هدية أفضل من الإعلان عن رفع التحفظات المسجلة بخصوص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

 

وتعتبر مدونة الأسرة، المتأثرة في العمق بفلسفة حقوق الإنسان وبمبادئ المساواة والإنصاف، حدثا هاما جاء ليقلب المفاهيم، رغم أن الهوة بين الروح والتطبيق تضل كبيرة. وكان للمدونة وقع كبير على مختلف المؤسسات والجمعيات والنساء المغربيات القاطنات بالخارج. وفي واقع الحال، غالبا ما تجد نساء المهجر أنفسهن في مواجهة وضعية معقدة مرتبطة بالقانون الدولي الخاص، إضافة إلى تشابك في التشريعات بين البلدان الأصل وبلدان الاستقبال وفي الاتفاقيات الدولية، الثنائية منها ومتعددة الأطراف. والمدونة الجديدة تقلص بشكل ملحوظ الفوارق الموجودة بين تلك التشريعات.

 

والنساء، واللواتي طالما كن شبه غائبات في تاريخ الهجرة، والمنظور لهن مؤخرا كفاعلات إيجابيات في الإدماج، يثْبتن أكثر فأكثر حقهن في أخذ المبادرة ورغبتهن في تغيير العقليات.

 

وتشكلت صورة المرأة المغربية في غنى ثقافي يمثل قوتها ويثير غيرة الكثير من النساء العربيات. ويعتبر الإرساء الثقافي قوة من أجل المضي قدما نحو الأمام. وفي الخارج، المرأة هي من يجسد هذا البعد الثقافي، وهي من تعتبر ناقلة القيم التقليدية والعصرية في نفس الآن.

 

وسيمكن هذا الملتقى الأول، المعَد ليصبح موعدا سنويا، من وضع تشخيص أولي لوضعية النساء سواء في المغرب أو في بلدان المهجر والديناميات الحالية. وسيشكل فرصة من أجل إلقاء نظرة شاملة على تجارب النساء المغربيات من هنا وهناك، وتحليل الإنجازات والتحديات والإكراهات في ما يخص المساواة.

 

وقد اخترنا بعناية التطرق لموضوع النوع الاجتماعي، لكن دون أن ننسى، بطبيعة الحال، أن التحدي الأكبر لمجتمعاتنا يكمن في إشراك الرجال في التفكير بشأن المرأة.

 

وبفضاء للعمل وفضاء للقاءات وفضاء لتبادل الخبرات وتقاسم المعارف، منحنا الأولوية للتشاور المكثف بغية المساهمة في إيجاد تصور لهذا المؤتمر.

والفضاءات المقترحة عليكم في وقت واحد هي:

- النساء فاعلات في التغيير،

- وضعيات عدم المساواة والهشاشة المستمرة رغم التقدم الحاصل،

- صور وتمثلات النساء في وسائل الإعلام والفنون.

 

ومن جهة أخرى، سيُقترح عليكم في كل فضاء وقت مخصص لأنماط التعاون والشراكة بين المغرب ومغربيات العالم. وعدا عن التنمية الاقتصادية، يتمخض عن هذه التعاون دينامية ثقافية حول المواقف والسلوك والتربية.

 

وسينفتح هذا اللقاء لمغربيات العالم أيضا على مختلف أشكال التعبير الفنية النسائية المغربية.

 

وأود أن أشكر بحرارة جميع الأشخاص الحاضرين في هذه المناظرة والذين قبلوا دعوتنا مشكورين.

 

ومن بين هذه الشخصيات نجد العديد ممن يمثل الوسط الجامعي والاقتصادي والسياسي والمؤسسي، بالإضافة إلى فنانين ومسؤولين جمعويين وصحفيين، يلعبون كلهم دورا رائدا في تقدم مجتمعاتنا.

 

ويبين هذا الملتقى الذي يجمع النساء اليوم أن غنى التجارب والمسارات ما يزال ضروريا بالنسبة لنساء الهجرة اللائي يعشن تعددهن الثقافي كاملا، وهن حاملات لرسائل في سياق العولمة.

 

إن نساء المهجر، القويات بانتمائهن الثقافي المزدوج وبتعدد مساراتهن وتطلعاتهن، يشكلن ورقة رابحة بالنسبة للاقتصاد وأيضا بالنسبة للديمقراطية، وفرصة بالنسبة للمغرب ولبلدان المهجر.

 

ونيابة عن كافة زملائي بمجلس الجالية المغربية بالخارج، وباسم مجموعة العمل "مقاربة النوع الاجتماعي والأجيال الصاعدة"، أرحب بكم مجددا في هذه المدينة الرائعة. وليكن هذان اليومان فرصة للتلاقي والإبداع والشراكة والمشاريع والديناميات والصداقة. وأنتم مدعوون إلى اقتراح كل الأفكار التي من شأنها المساعدة في تنظيم الملتقى القادم، علما أن كل آرائكم ومقترحاتكم هي محل ترحيب من قِبلنا.

 

أتمنى لكنَّ ولكم جميعا التوفيق والسداد في أشغالكم.

أمينة النصيري

مراكش، 19 دجنبر 2008

الصحافة والهجرة

Google+ Google+