بيتر فان كونينكسفلد: مفهوم "المسلم" أصبح عنوانا إثنيا في المجتمعات الأوروبية!

قال الباحث الهولندي رئيس معهد ليدن لدراسة الأديان بيتر فان ﻛﻮﻧينكسفلد الإسلام في حد ذاته لا يمكن أن يكون حاجزا للتعايش والاندماج في المجتمعات الأوروبية، مشيرا إلى وجود تيارات عنصرية ضد الإسلام والمهاجرين بشكل عام؛ حيث يتم استعمال صورة سلبية للإسلام من أجل تنفيذ أهداف عنصرية.

 وأضاف أستاذ تاريخ الإسلام في أوروبا الغربية بجامعة ليدن، بأن الصورة السلبية للإسلام لم تبدأ مع المهاجرين المسلمين الأوائل الذين هاجروا إلى أوروبا وهولندا، إنما هذه الصورة كانت موجودة قبل مجيء المسلمين إلى بلداننا، وكانت موجودة في الفترة الاستعمارية، بل وكانت موجودة أيضا في القرون الوسطى.

من جهة أخرى أكد الأكاديمي الهولندي بأن العلمانية ساهمت بشكل كبير في وجود الإسلام ضمن الفضاء الأوروبي، داعيا إلى ضرورة اعتبار العلمانية في الواقع الأوروبي بمثابة صديق للإسلام والمسلمين،  لأنها العامل الأساس من أجل ضمان الوجود الحر للإسلام والمسلمين.

وبخصوص بعض السلوكات الغربية المسيئة للإسلام قال المتخصص في قضايا الإسلام في أوروبا، بأنه ليس مقبولا تحت غطاء حرية التعبير إهانة وإذلال مجموعة اجتماعية كالمسلمين، داعيا إلى ضرورة تطوير قوانين تمنع مثل هذا السلوك.

كما أكد بيتر فان ﻛﻮﻧينكسفلد  بأنه لا يمكن انتظار الشيء الكثير من الحوار الديني لأننا في آخر المطاف نحن أمام أديان مختلفة، وهذه الأديان لا تريد أن تتحول إلى دين جديد واحد، وبالتالي يجب أن يكون الهدف من الحوار تحجيم الخلافات وتقوية العلاقات.

وفي موضوع له علاقة بالأطر الدينية في أوروبا، لاحظ الباحث الهولندي أن أغلب الأئمة لا يتقنون لغة بلدهم الذي يقيمون فيه، كما أنهم ليسوا على دراية بتاريخ هذا البلد، وهي أمور أساسية لمن يريد التواصل مع مجتمعات الإقامة.

ولم يفت كونينكسفلد أن يشير إلى أننا نشهد ولادة فئة إثنية جديدة في المجتمعات الأوروبية تسمى "المسلمون"، إذ إن المجتمع لا يضع أي فرق في لغاتهم وصورهم بين من أصله تركي وبين من أصله مغربي وبين مفهوم المسلم؛ فمفهوم "المسلم" أصبح عنوانا إثنيا في المجتمعات الأوروبية.

وفيما يلي نص الحوار.

هل هناك بالفعل انزعاج وخوف من الإسلام في أوروبا؟

هذا سؤال جد معقد. لأنه سيستدعي البحث في قضايا تتعلق بالنظرة الغربية للإسلام؛ بما فيها النظرة الهولندية. ويمكن القول إن هناك في وقتنا المعاصر تيارات داخل الرأي العام الغربي تكره الأجانب (Xénophobes). وفي هولندا مثلا هناك بعض الأحزاب السياسية من اليمين المتطرف التي لها أجندة سياسية تتضمن عناصر خوف من الإسلام (Islamophobie)، بل هناك من له أجندة تندرج ضمن ما يمكن تسميته بكره الإسلام (La haine de l’islam).

باعتبارك أحد أبرز المتخصصين في قضايا الإسلام. كيف تفهم مثل هذه الظواهر التي يعرفها الواقع الأوروبي؟

شخصيا أضع هذه الظاهرة في نفس مستوى الظاهرة التاريخية والاجتماعية المتمثلة في معاداة السامية (Antisémitisme). وأعتقد أنه إذا قارنا هاتين الظاهرتين سنكتشف تشابها وتلاقيا كبيرا بين الظاهرتين.

 لكننا مع ذلك ينبغي ألا نسقط في آفة التعميم. ففي الفترة الاستعمارية يمكن أن نضع تمايزا بين تيارات مختلفة داخل الرأي العام الأوروبي، وبشكل خاص على مستوى الدوائر الثقافية والأكاديمية في بلدي بخصوص الإسلام.

وكذلك فيما يتعلق بوقتنا الراهن. فعندما تتابعون الدروس التي تلقى في الجامعات أو الأكاديميات بخصوص التاريخ الإسلامي ستجدونه خطابا موضوعيا ومحايدا وأكاديميا... والذي هو مختلف جذريا عن الخطاب الآخر الذي توظفه بعض الأحزاب السياسية من اليمين المتطرف، والتي لا تجرؤ الأحزاب الأخرى كثيرا على وضع مسافة بينها وبين هذه الأحزاب. وهذا هو المشكل الكبير للأحزاب السياسية الكبيرة في بلدي، كالحزب السياسي الاشتراكي والحزب السياسي المسيحي الديمقراطي على سبيل المثال. فهم ضد هذا الخطاب بشكل واضح، لكنهم لا يواجهونه بشكل واضح.

لماذا لا يواجهونه ولا يشكلون قوة ضغط من أجل مواجهة مثل هذا الخطاب العنصري المتطرف؟

لأنهم يخافون من فقدان مساندة قواعدهم الانتخابية؛ فالخطاب ضد الإسلام هو خطاب شعبي قادر على حشد الكثير من الأصوات خاصة في الظروف التي نعيشها حاليا، والتي تشهد أزمات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. أضف إلى ذلك أن الأعمال الإرهابية تتيح إمكانات كبيرة لهذا الخطاب.

في رأيك الشخصي هل تعتقد أن في الإسلام عناصر معينة يمكن أن تكون سببا لخوف وكره الإنسان الأوروبي للإسلام؟

تعلمون أنني عالم إسلاميات وأستاذ الإسلامولوجيا وأنجزت العديد من الدراسات والأبحاث عن الفكر الإسلامي المعاصر. وأعرف أن هناك نقاشا كبيرا بين العلماء حول مسألة الجهاد في الإسلام وما هو الجهاد؟ وقديما وضعوا تمييزا بين دار الإسلام ودار الحرب، وأن هناك دائما علاقة حرب بين العالمين...

وفي القرن العشرين لاحظنا ظهور اتجاه ضد هذا التفكير، والآن بشكل عام يتم النظر إلى الجهاد على أساس أنه حربٌ دفاعية وليس حربا هجومية.

لكن هناك أيضا داخل الإسلام من يستمر في التعاطي مع الجهاد على أساس أنه هجومي وبشكل عدواني.

أعتقد أن مسألة الجهاد في الإسلام مسألة مهمة بالنسبة للكثير من الناس في الغرب (نظرية الحرب).

رغم أن الجهاد في المنظومة الإسلامية لا يعني فقط القتال!

لكن في الفقه هناك مذهب للجهاد وكيفية ممارسته والحالات التي لا يجب ممارسته. كيف نبدأ الجهاد وكيف ننهيه! وهذا فصل كبير من الفقه الإسلامي. وأعتقد أن كل ما يتعلق بالجهاد يعتبر جد حساس بالنسبة للغربيين خاصة بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر.

وفي الصورة الغربية التقليدية يُعتبر الإسلام دينا عدوانيا وكذلك صورة الرسول نفسه هي صورة جد سلبية لصيقة بالعنف.

أعرف أن الكثير من العلماء بصدد مراجعة مبدأ الجهاد. فمع بداية القرن العشرين قام مجموعة من الباحثين بمراجعة هذا المبدأ، لكن لم يصل هذا الأمر إلى درجة أن تكون المراجعة هي القاعدة؛ لأننا مازلنا نشهد من يستعمل الفهم الخطأ لهذا المبدأ من أجل تبرير الأعمال الإرهابية. 

هل هناك تصرفات داخل الوجود الإسلامي في هولندا تنفر الهولنديين من قيم العيش والتعايش المشتركين؟

لا أعتقد ذلك. المسلمون بشر كسائر البشر، ويمكن أن يرتكبوا أخطاء كسائر البشر. صحيح أن البعض يقوم بتوظيف بعض الصور السلبية للإسلام من أجل استعمالها ضد المسلمين. ونحن ندين هذا التصرف، لكن في الحقيقة إذا نظرنا إلى هذا الأمر بشيء من الموضوعية لا نستطيع أن نضع فرقا بين سلوك المسلمين وسلوك غير المسلمين في البلاد الغربية. هذا مستحيل.

هل تعتقد أن المسلم الممارس لدينه قادر على الاندماج والتعايش في المجتمعات الغربية؟

بالتأكيد نعم. فالواقع يبرهن على هذه الإمكانية. لم يعد الاندماج والتعايش إمكانية بل إنه بالنسبة لفئات كثيرة قد تحول إلى واقع. وستجدون في كل القطاعات الهولندية ناسا من أصول مسلمة، ومسلمين مؤمنين، ممارسين وغير ممارسين... وهناك أطباء وأساتذة ومحامون ونواب برلمانيون وعمداء مدن كبيرة...

الإسلام في ذاته لا يمكن أن يكون حاجزا، لكن بالتأكيد هناك سوء تفاهم وأخطاء، وهناك أيضا تيارات ضد الإسلام والمهاجرين بشكل عام.

أعتقد أن هذه التيارات هي تيارات عنصرية. حيث يتم استعمال صورة سلبية للإسلام من أجل تنفيذ أهداف عنصرية. والذين يتهمون الإسلام لم يقرءوا أبدا القرآن ولا يعرفون شيئا عن الإسلام ولا عن المجتمعات في البلاد الإسلامية.

لكن ألا يمكن القول بأن المسلمين مقصرون على مستوى التعريف بالوجه الحضاري والإنساني المتسامح للإسلام؟ وأن الجيل الأول من المهاجرين كانوا من العمال الذين ربما تنقصهم الثقافة الإسلامية الواسعة؟!

قد يكون هذا صحيحا. لكن هناك أيضا مسيحيون عمال. ولا ننتظر من العمال أن يشرحوا المسيحية للمجتمع الهولندي والمعتقد المسيحي!

لا أعتقد أن الصورة السلبية للإسلام بدأت مع المهاجرين المسلمين الأوائل الذين هاجروا إلى أوروبا وهولندا. هذه الصورة كانت موجودة قبل مجيء المسلمين إلى بلداننا. ينبغي أن نفهم جيدا هذه المسألة. فهذه الصورة كانت موجودة في الفترة الاستعمارية، بل وكانت موجودة أيضا في القرون الوسطى.

الفرق هو التحولات الاجتماعية؛ حيث إننا في وقتنا الحاضر نجد أن هناك فئات من المسلمين تعيش في الدول الغربية، وهذه الفئات تكون ضحية حقيقية لتلك الصورة السلبية، مثل اليهود الذين كانوا ضحية لتلك الصورة السلبية لليهودية في بلداننا.

ثم ليس هناك العمال فقط، هناك الكثير من اللاجئين المسلمين؛ مثقفين وفنانين وأساتذة وأطباء وكتابا كبارا... ولدينا لاجئون من العراق  وإيران وتركيا... ومن الكثير من البلدان الإسلامية.

إذا سلمنا بالفكرة التي تقول بأن العلمانية هي التي منحت للمسلمين حرية ممارسة دينهم... هل في اعتقادك هناك سوء فهم من المسلمين للعلمانية؟

هذا صحيح. هناك نقاش كبير في الإسلام الإصلاحي منذ نهاية القرن التاسع عشر مع جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده... بين مفكري هذا التيار الإصلاحي من جهة، وبين من يعتبر العلمانية شكلا إلحاديا... ولهم صورة جد سلبية عن العلمانية. لكن دراسة موضوعية للتاريخ تبين لنا أن الإسلام لا يمكن أن يوجد في المجتمعات الغربية إلا بدعم من العلمانية. قد تبدو هذه مفارقة لكن هذه هي الحقيقة لأن روح العلمانية هي الفصل بين الدولة والدين، الدولة والكنيسة. وهذا الفصل كان هو الشرط الأساسي من أجل تطوير مبدأ "حرية الدين".

حرية الدين تعني أن كل شخص يملك حرية الارتباط بدين معين بمحض اختياره. فمع إدخال هذا المبدأ في أوروبا أصبحت هناك قاعدة شرعية للوجود الإسلامي، كما هو الحال بالنسبة لليهود ولغير المؤمنين أيضا وللهندوس والبوذيين...

فحرية الدين هي فضاء لم يكن موجودا في أوروبا قبل العلمانية... وقبل الفصل بين الدولة والكنيسة. بل على العكس كانت الكنيسة دائما تمنع بناء المساجد في الفضاء الأوروبي.

في بداية القرن الرابع عشر كانت الكنيسة تطالب دائما بطرد الأقليات المسلمة من إسبانيا المسيحية. كانت هناك أقليات مسلمة في إسبانيا المسيحية من القرن الثالث عشر إلى القرن السادس عشر. والكنيسة كانت دائما تطالب بطرد هذه الأقليات. وفعلا تم طردهم في بداية القرن السابع عشر وخاصة إلى المغرب وكذلك في اتجاه تونس.

والشخصيات الفيودالية هي التي كانت دائما تحمي هذه الأقليات. لأن هذه الحماية كانت تصب في المصلحة المالية والاقتصادية لهذه الشخصيات. لكن الكنيسة من جانبها كانت دائما تنادي بطرد الأقليات المسلمة. وهذا هو التاريخ، وكل من يدرس التاريخ يعرف أن هذه هي الحقيقة.

فقط مع إدخال العلمانية -التي يعتبرها الكثير من المفكرين المسلمين العدو- كان بمقدور الإسلام أن يوجد ضمن الفضاء الأوروبي.

لكن ألا تعتقد أنه تم تقديم العلمانية في جزء كبير من الخطاب العربي على أساس أنها مضادة للدين؟

هذا ممكن جدا. وربما مجرد تكهنات. وأعتقد أنه ينبغي البحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الصورة السلبية للعلمانية.

أريد أن أقول بأنه قد يكون العالم الإسلامي خائف من العلمانية لأن العلمانية تطالب بفصل الدين عن الدولة. هذا هو المذهب الأساسي للعلمانية. وعندما تقرأون كتابات سيد قطب فإنه يركز كثيرا على هذه النقطة. ويتم النظر إلى العلمانية باعتبارها عدوا للإسلام. لكن كما أقول دائما يجب اعتبار العلمانية في الواقع الأوروبي بمثابة صديق للإسلام والمسلمين؛ لأنها –تاريخيا- هي العامل الأساسي من أجل ضمان الوجود الحر للإسلام والمسلمين.

بمعنى على المسلمين في أوروبا والغرب أن يدافعوا عن العلمانية باعتبارها السبيل إلى كسب المزيد من الحقوق؟

هذا صحيح. وكما رأيتم أثناء الندوة التي نظمها مجلس الجالية المغربية بالخارج بفاس حول "الوضع القانوني للإسلام في أوروبا" (14-15 مارس 2009)، فإن القاعدة الأساسية لكل القوانين السياسية والقانونية بخصوص الإسلام والمساجد والأئمة هي حرية الدين بدون أي استثناء. وإذا فهمنا مركزية ومحورية هذا المبدأ -المعترف بها من طرف كل الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة-، وكذلك مادة أساسية في الميثاق الأوروبي... هذا المبدأ هو القاعدة الأساسية للوجود الحر لكل الأديان المختلفة في الفضاء الأوروبي بما فيها الإسلام.

ما هي مقاربتك لسلوكات بعض الغربيين المسيئة للإسلام كالرسومات والأفلام المسيئة للرسول وغيرها... والتي تتم باسم حرية التعبير؟

أعتقد أننا نبحث في بلدي وفي البلدان الأوروبية الأخرى تفسيرا دقيقا يناسب الوضعية الاجتماعية الحالية لبلداننا فيما يخص مبدأ "حرية التعبير".

فيما يتعلق بالقرآن على سبيل المثال، شخصيا أقول علنا بأنه يجب أن تكون هناك دراسة علمية وجادة للقرآن، وأن تكون هناك حرية كاملة. لا يمكن أن نضع حدودا للحرية الجادة في التعامل مع القرآن، ولا نتحدث عن تقييد لهذه الحرية. لكن استعملت حرية التعبير وتم توظيفها من أجل سب فئة في المجتمع كالمسلمين مثلا، أو اليهود في حالات أخرى، فهذا لا يمكن أن يكون مقبولا! وأوأأو

فليس مقبولا تحت غطاء حرية التعبير إهانة وإذلال مجموعة اجتماعية كالمسلمين! هنا يجب تطوير قوانين تمنع مثل هذا السلوك.

وفي هولندا ليس هناك قانون محدد لمعاداة السامية إنما هناك قوانين ضد العنصرية على سبيل المثال، ليس ضد اليهود فقط ولكن ضد الأفارقة والصينيين.

كيف تقيمون أشكال ردة فعل المسلمين على التصرفات المعادية للإسلام؟ كالتظاهرات مثلا؟ أم أن الأمر يتطلب التحرك على جبهات أخرى؟

التظاهرات والمظاهرات أسلوب مشروع ويندرج ضمن حرية التعبير. ويلجأ إليها غالبا الذين يريدون التعبير عن احتجاجهم. وهي فعل مقبول في المجتمع مادامت هذه التظاهرات بعيدة عن العنف.

والحكومة الهولندية بدأت في السنوات الأخيرة في فهم أفضل لأهمية ردود الفعل؛ ليس فقط في إطار المجموعات الإسلامية في مجتمعنا ولكن في إطار العالم ككل، فنحن نعيش في عالم معولم. فما يحدث مثلا في هولندا يثير ردود أفعال في كل العالم الإسلامي. وأنا كثيرا ما كتبت أنه يجب أن نفهم بأنه ستكون هناك ردود فعل في كل العالم الإسلامي.

إذا كان السيد فلدرس على سبيل المثال سيعرض فيلمه فينبغي أن ننتظر أنه سيثير ردود فعل في كل العالم الإسلامي. وسيؤثر بشكل أكثر سلبية حتى على مصالحنا الاقتصادية والتجارية.

لماذا لا نريد أن نفهم هذا الأمر وأن نأخذه بعين الاعتبار! وأعتقد أن الحكومة الهولندية فهمت جيدا هذا الأمر وتريد اتخاذ إجراءات تسمح في المستقبل بتغيير مثل هذه الأشياء بدواعي براغماتية وسياسية حقيقية، واقتصادية أيضا. وليس فقط لأسباب نابعة من إيديولوجية معينة أو من القانون الإنساني أو من حرية ممارسة الدين.

تعددت بؤر التوتر في عالمنا المعاصر. إلى أي حد يمكن للحوار بين الأديان والثقافات والحضارات أن يردم الهوة بين الشرق والغرب؟

نعرف أنه مادام الناس يتحدثون فيما بينهم فإنهم لا يختصمون. والحوار مع الآخر شيء أساسي من أجل الفهم المتبادل. وأعتقد أن جانبا كبيرا من العنف ناتج عن سوء فهم؛ لا نفهم الآخر، ننسب للآخر أشياء خاطئة بشكل كلي؛  إذن الحديث مع الآخر ومحاولة فهمه والحوار معه أمر جيد.

والحوار أساسي على كل المستويات، وليس على مستوى المثقفين فقط. المثقفون كانوا في حوار دائم بينهم. فهم بشكل أو بآخر المتكلمون. لكن الحوار يجب أن يكون أيضا على مستوى الحي وعلى مستويات مختلفة. وليس بين الأديان فقط، إنما بين الناس بشكل عام.

الدين مهم جدا وأساسي في الحياة الإنسانية، لكن ليس الشيء الوحيد المهم في حياتنا، هناك أشياء أخرى مثل المصالح المشتركة لحي من الأحياء على سبيل المثال، تنظيف الحي بشكل جماعي، حماية الأطفال. كل هذه الأشياء من الحياة إذا كان هناك تواصل سيكون هناك دائما تقدم.

أعتقد بشكل عام أنه لا يمكن انتظار الشيء الكثير من الحوار الديني لأننا في آخر المطاف نحن أمام أديان مختلفة. وهذه الأديان لا تريد أن تتحول إلى دين جديد واحد! الأديان تعتقد بأن لها الحق في الوجود، ولها هذا الحق. وبالتالي يجب أن يكون الهدف من الحوار تحجيم الخلافات وتقوية العلاقات... وليس من الضروري أن يتحول كل المحاوِرين إلى أساتذة في الدين. ومن أجل عالم يسوده السلام ليس ضروريا أن يتحول كل الناس إلى مثقفين في المجال الديني. وإذا كان الجيران لا يتحدثون فيما بينهم، فهذه بداية الخلافات.

ما هي في رأيك المجالات والقضايا التي يجب أن تحظى بالأولوية لدى المسلمين؟

هناك بشكل عام ثلاث نقاط مهمة:

الأولى: تكوين الأئمة. الأئمة في المجتمعات الأوروبية هم قيادات جماعاتهم. والإمام في أوروبا يكتسي أهمية أكبر من الإمام في المغرب على سبيل المثال. وينبغي على الإمام باعتباره زعيما روحيا أن يكون متخصصا في الدين الإسلامي، لكن يجب أيضا أن يفهم المجتمع الذي يعيش فيه. بمعنى يجب أن يكون على معرفة باللغات، وهذا مع الأسف غائب في صفوف الأئمة في أوروبا في أغلب الحالات. وعلى الأئمة كذلك أن يعرفوا تاريخ البلد الذي يقيمون فيه، وهذا غائب أيضا.

وإذا كان الإمام يعرف تاريخ ولغة البلد الذي يقيم فيه فإنه سيكون ناطقا باسم جماعته في وسائل الإعلام...

النقطة الثانية: هي تمثلية الإسلام وتنظيمه في المجتمعات الأوروبية. يجب أن يكون هناك تنظيم أحسن وقوي للإسلام في المجتمع الأوروبي مما هو موجود حاليا؛ ممّا سيعطي وجودا صلبا للإسلام.

والإشكال هو معرفة كيفية تنظيم الدين في مجتمع علماني. فالعلمانية قد فصلت الدين عن الدولة. وبالتالي فإن على الدين أن يفرض وجوده بإمكانياته الذاتية. لأن الدين ليس ممولا من طرف الدولة إلا في استثناءات قليلة. وهذا يستلزم أن تمنح رواتب مهمة للأئمة.

والأئمة في المجتمعات الأوروبية، خاصة الأئمة المغاربة، تُمنح لهم رواتب جد هزيلة. أقل من عامل في المصنع. ويسكنون في ظروف سيئة وهذا بسبب جماعتهم الخاصة... يجب أن نفهم بأنه كي تكون متدينا في المجتمع الأوروبي فهذا يتطلب تنظيما مستقلا وقويا أكثر من الذي نراه حاليا.

النقطة الثالثة: يجب التدقيق في التعريف الذي يقدم لمصطلح "المسلم". من هو المسلم؟ ففي المجتمعات العلمانية ليس هناك تسجيل للدين. يمنع التسجيل على حسب الدين. في سجلات البلدية يتم التسجيل حسب تاريخ الميلاد والاسم واسم الأم والأطفال والعنوان والضرائب التي يجب تأديتها... لكن الدين لا يُسجل. فتسجيل الدين ممنوع.

هنا في المغرب من المفترض أن يكون كل الناس مسلمين باستثناء الذين تم تسجيلهم باعتبارهم مسيحيين أو يهودا. لكن الأمور في أوروبا لا تكون على هذه الشاكلة.

كم هو عدد المسلمين في أوروبا؟ وكيف يمكن الوصول إلى التحديد الدقيق لهذا العدد؟ يجب معرفة أيضا بأن المسلمين في المجتمعات الأوروبية يتميزون بتنوع كبير.

درست شخصيا مختلف المطبوعات الرسمية لوزارات الشؤون الدينية في الكثير من الدول الإسلامية، بما فيه المغرب، وسنلاحظ وجود مذهب رسمي للإسلام من طرف الحكومة.

وفي مجتمعاتكم توجد تيارات إسلامية لكن هناك مذهب رسمي للدولة. في هولندا ليس هناك مذهب رسمي، هناك التنوع فقط. وهذا عامل مهم جدا.

مشكلة مفهوم "المسلم" (كمفهوم "اليهودي") هو أنه بصدد التحول إلى مصطلح إثني. صحيح أن المسلم هو الذي يعتقد في الإسلام، لكن في المجتمعات الأوروبية مصطلح "مسلم" بصدد التحول إلى مفهوم إثني.

نلاحظ ولادة فئة إثنية جديدة في المجتمعات الأوروبية والتي تسمى "المسلمون". وهذا خطير جدا. لكن هذا هو الواقع. والمجتمع لا يضع أي فرق في لغاتهم وصورهم بين من أصله تركي وبين من أصله مغربي وبين مفهوم المسلم؛ فمفهوم "المسلم" أصبح عنوانا إثنيا في المجتمع.

لكن من الذي كرس هذا المنحى في التفكير والسلوك وهذه الصورة الإثنية؟ المسلمون أم اليمين المتطرف؟

هذه صيرورة. وهناك دراسات في هذا المجال. وهناك دراسة لأحد الأنتروبولوجيين الفرنسيين من أصول جزائرية؛ حيث درس تاريخ تطور مصطلح "مسلم" في الصورة الأوروبية، ولاحظ أنه إلى حدود الثورة الإسلامية في إيران في سنة 1979 الصحافة والإعلام لم تكن تتحدث عن المسلم بشكل عام، بل كانت تتحدث عن المغربي والتركي والإيراني والباكستاني... كانت تتحدث عنهم من خلال جنسيتهم. في نهاية 1979 حدث تغير أساسي مع الثورة الإسلامية في إيران. بدأ الرأي العام الغربي (الصحافة والإعلام...) في تصنيف كل هذه المجموعات المسلمة المتنوعة تحت عنوان "مسلم". وبالتالي قلتُ بأن "المسلم" أصبح مفهوما إثنيا.

إذا سُئلت هل أنت مسلم. نعم أنا مسلم لأني أعتقد في الإسلام. ولكن إذا رأيتم شخصا من سورينام نقول إنه مسلم حتى لو لم يكن مسلما. لأننا اعتمدنا على الجانب الفيزيولوجي. لأن في ملامحه بعض السمات والقسمات التي تحدد كأنها تنتمي لمفهوم "المسلم".

الصحافة والهجرة

Google+ Google+