طنكول: الاشتغال على قضايا الهجرة في الجامعة المغربية ما يزال حديثا!

قال عبد الرحمن طنكول، رئيس جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، إن اهتمام الجامعات المغربية بموضوع الهجرة في مختلف تجلياتها، أمر حديث لكنه في تطور مستمر.

وأضاف الناقد الأدبي في حوار مع البوابة الإلكترونية لمجلس الجالية المغربية بالخارج، بأن ما تتمتع به مسألة الهجرة من مكانة محورية؛ خاصة وأن المجتمع المغربي في عمومه معني بها، وأن كل أسرة مغربية فيها أفراد مهاجرون، إضافة إلى الأبعاد والانعكاسات الاقتصادية لهجرة المغاربة؛ كل هذا حفّز -في تصور طنكول- الفضول المعرفي للاهتمام بقضية الهجرة والاشتغال عليها؛ فتأسست في الجامعات المغربية مراكز بحث متخصصة في قضايا الهجرة، وبرز متخصصون في إشكالاتها وقضاياها، وعقدت شراكات مع مجموعة من الجامعات الأوروبية للاشتغال على هذا الموضوع.

وفيما يتعلق بالإشكالات الراهنة المرتبطة بالوجود الإسلامي في أوروبا، قال طنكول إن هذا الوجود قديم لكن الجديد هو تحول الإسلام إلى قضية في المجتمعات الأوروبية؛ خاصة بعد بروز اليمين المتطرف في بعض هذه المجتمعات.

ودعا طنكول في هذا الحوار إلى التعامل مع الإسلام في أوروبا باعتباره معطى موضوعيا، مما يحتم منح هذا الوافد الجديد وضعا اعتباريا كسائر المكونات الدينية الأخرى؛ مؤكدا في الوقت ذاته نجاح الاندماج في تلك المجتمعات. ولم يفت رئيس جامعة ابن طيفل الإشارة إلى أن العلمانية أفادت المسلمين في الغرب، بما أنها مكنت المسلمين من ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية، وضمن فضاءات معترف بها.

وفيما يلي نص المقابلة.

بداية، من الملاحظ أن موضوعة الإسلام والمسلمين في أوروبا والغرب بشكل عام أصبحت في الآونة الأخيرة تتصدر المشهد السياسي والإعلامي الأوروبي والغربي. كيف تنظرون إلى تضخم كل ما له علاقة من قريب أو بعيد في الإسلام على مستوى تصريحات السياسيين وعلى مستوى عناوين الصحف والمجلات في تلك الدول؟

لابد من التذكير بأن الإسلام في أوروبا لم يظهر في السنوات الأخيرة؛ فتاريخ ظهوره يعود إلى عشرات السنين، لكن الجديد هو أن الإسلام باعتباره قضية في السنوات الأخيرة، أما باعتباره ممارسة وفعلا حضاريا فقد كان موجودا في أوروبا منذ مدة طويلة. أما وجوده كسؤال وكوضع داخل مجتمع لائكي فقد تم طرحه خاصة في السنوات الأخيرة. وكان من بين التفاعلات التي أحدثها الوجود الثاني هو تشدد العنصرية تجاه الإسلام وإزاء الجاليات المقيمة في أوروبا والتي تنتمي إلى إفريقيا وإلى دول العالم الإسلامي بشكل عام؛ وبشكل أدق الجاليات المنحدرة من المغرب العربي. وفي هذا السياق يمكن وضع بعض الإشكالات التي طرحت مؤخرا في بعض الدول الأوروبية كمسألة الحجاب والصلاة في الشوارع العمومية...

لماذا طرحت هذه الإشكالات من طرف بعض الأطراف السياسية بشكل حاد وعنيف؟

السبب هو أن بعض التيارات السياسية في أوروبا استغلت هذه الإشكالات من أجل شن حملة شديدة على الجاليات المنتمية لبلدان المغرب العربي أو لبعض البلدان الإفريقية أو حتى تلك الدول القريبة من أوروبا كتركيا مثلا... وذلك من أجل أن تعزز هذه التيارات مواقفها المتعلقة بمشاكل الشغل والبطالة وعجز النمو الاقتصادي في رفع تحدي العولمة في أوروبا... فهذه التيارات استغلت هذه القضايا من أجل تشديد الرؤية العنصرية إزاء الجاليات التي أشرت إليها.

ما هو في رأيك المسلك السليم الذي يجب أن تسلكه الدول الأوروبية والغربية للتعاطي مع تزايد الوجود الإسلامي في أوروبا والغرب عموما؟

أعتقد أنه لابد من تكييف بعض القوانين المتعلقة بتدبير الشأن الديني في دول أوروبا ليتناسب والحضور القوي للإسلام في تلك الدول، فكما يوجد هناك تدبير الشأن الديني المسيحي؛ بما أن أوروبا في غالبيتها العامة مسيحية، ونفس الشيء بالنسبة لليهودية... فإنه قد حان الوقت من أجل إنصاف الجاليات العربية والإفريقية والإسلامية على العموم، كي تجد وضعًا اعتباريا في إطار احترام القوانين المنظمة للجمهوريات، وأن تجد حظها فيما يخص التشريعات والقوانين التي تسمح لها بممارسة طقوسها الدينية أو ممارسة الدين على العموم بكل ما يقتضي ذلك من صلاة وزكاة... وغيرها من الممارسات التي تُحدد الهوية الإسلامية.

هل تتفقون مع الرأي الذي يقول بأن مسلسل اندماج الجاليات المسلمة في أوروبا قد فشل؟ إضافة إلى الأصوات الأخرى التي تنادي بضرورة بناء إسلام أوروبي وليس إسلاما في أوروبا؟!

أعتقد أن المتشددين من اليمين المتطرف هم الذين يروجون لمثل هذه الأفكار. والواقع يكذب ذلك، بل نجد أن الأجيال الجديدة من أصول مهاجرة قد اندمجت بشكل كلي في مجتمعات الإقامة. ونجد من بينهم السياسيين والفنانين والرياضيين... والمشكل أن الذين يقولون بفشل الاندماج ينطلقون مما يعاينونه في مجتمعاتهم من بروز للممارسات الدينية للجاليات الإسلامية، رغم أن هذا الأمر طبيعي جدا؛ فالمسيحي يصلي في الكنيسة، والمنتمون لديانات أخرى يمارسون طقوسهم الدينية... فهذا الأمر لا علاقة له بالاندماج.

لكن ألا تواجه الاندماج مشاكل معينة، كسلوك وتفكير بعض المسلمين المتعلقين بالعلاقة مع الآخر المختلف دينيا وثقافيا؟

صحيح أن الاندماج تواجهه عدة مشاكل، وهذا أمر حاصل في سائر المجتمعات البشرية. وهذا الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى مشكل النمو الاقتصادي والوضع الاعتباري لبعض الأقليات، وليس السبب راجعا إلى الدين. بل إن هناك مشاكل اقتصادية تظهر بين الفينة والأخرى في أوروبا وأمريكا وبعض الدول الآسيوية، وتثير قلاقل اجتماعية واحتجاجات... ولم يكن عامل الدين سببا في حدوثها.

من ناحية ثانية، لا أعتقد أن هناك مسلما يعيش في أوروبا لسنوات عديدة ويكون التزمتُ والانغلاقُ طبعَه، فمادام المسلم قد اختار العيش في هذه المجتمعات فإنه قد قبل الاندماج في بنياتها وثقافاتها وأن يقتسم مع تلك المجتمعات كل الأشياء... لكن في المقابل هذا المسلم بحاجة إلى ما يربطه بذاكرة وتقاليد ودين مجتمعه، وعندما يريد أن يمارس طقوسه فيجب أن نعتبر ذلك حقا له وأن ذلك لا يؤثر البتة على المجتمع الأوروبي. فكل الجمعيات الدينية أو تلك التي تحاول أن تجمع من حولها الجاليات وفق قيم وتصورات ليس هدفها هو خلق نوع من الانفصام أو التصدع داخل المجتمع الأوروبي.

ومع الأسف فإن المتشددين هم الذين يؤولون هذه الأعمال بالشكل الذي يخدم رؤيتهم العنصرية. فعندما تقول الجمعيات نريد أن تساعدنا البلديات في بناء المساجد وفي التعليم الديني... فإن في هذا إغناء وقيمة مضافة للمجتمعات الأوروبية.

هل ترون أن العلمانية أفادت المسلمين في بلدان أوروبا التي تعرف حضورا وازنا للجاليات المسلمة؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، لماذا لا نسمع من يدافع بقوة عن العلمانية في هذه البلدان؟

بالتأكيد العلمانية أفادت المسلمين في أوروبا. ولو لم تُفد العلمانية المسلمين لعادوا إلى أوطانهم الأصلية. الجاليات المسلمة وجدت ضالتها في العلمانية لأن حقوقها الدنيوية مضمونة، أما فيما يخص حقوقها الروحية فهناك مشكل في تدبير الممارسة الروحانية للفرد أو الجالية.

الجاليات المسلمة تقول نحن بحاجة إلى ممارسة كل ما هو متعلق بديننا وبروحانياتنا في إطار فضاءات معترف بها، وألا ينظر إلينا باعتبارنا نشازا داخل هذه المجتمعات. هناك بعض البلديات في أوروبا تفهمت جيدا هذه المطالب فساهمت وسارعت إلى المساعدة في خلق مساجد وفضاءات لتعليم الدين واللغة...

كيف تقيمون حضور الأبحاث والدراسات حول الهجرة في الجامعات والكليات والمؤسسات العلمية المغربية؟

هذا الحضور موجود بنسب مختلفة من جامعة إلى جامعة أم من كلية إلى أخرى... وهذا الحضور نابع من اعتبارات عدة؛ فلن تجد أسرة واحدة في المغرب ليس لها علاقة بمغربي أو مغربية يعيشون خارج أرض الوطن. ثم من الناحية الاقتصادية يساهم المغاربة المقيمون بالخارج بشكل كبير في تنمية اقتصاد الوطن، إما على مستوى العوائد أو على مستوى الاستثمار في بلدهم المغرب، أو على مستوى ربط الصلة وخلق علاقات مع المؤسسات والهيآت في بلدان الإقامة. هذه الاعتبارات شجعت وحفزت الفضول العلمي والمعرفي للاهتمام بقضايا الهجرة، بل إن المجتمع المغربي كله معني بهذا الأمر. هذا مع العلم بأن الإنسان المغربي مهاجر بطبعه ويحب الترحال، وخير مثال على ذلك الرحالة ابن بطوطة الذي جال العالم.

فمسألة الهجرة مسألة مطروحة بقوة ونهتم بها كثيرا، ونخصص لها العديد من الأبحاث؛ فمثلا جامعة ابن طفيل بالقنيطرة تتوفر على مركز يُعنى بدراسة الهجرة، إضافة إلى مراكز أخرى توجد في جامعات مغربية، وتربطها علاقة تعاون وشراكة إما مع المركز أو مع مراكز أخرى دولية تهتم بهذا الموضوع. فنحن مثلا لدينا اتفاقية مع جامعة ليبسش في ألمانيا، أحدثناها من أجل دراسة هذا الموضوع ليس فقط على المستوى المغربي الألماني وإنما على المستوى الدولي؛ لأن ظاهرة الهجرة لا تهم المغرب فقط إنما تهم العالم ككل فهي أصبحت ظاهرة عالمية تعيشها أمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا وإفريقيا، وبالتالي لابد أن تهتم بها الجامعة المغربية وتخصص لها الأبحاث للعناية بها.

هل يمكن القول بأن قضية الهجرة قد نالت ما تستحقه من اهتمام من طرف الجامعة والمؤسسات العلمية المغربية؟

أعتقد أن مجال الاشتغال على قضايا الهجرة ما يزال جديدا وحديثا. والمراكز التي أُحدثت هي حديثة العهد. وحتى حينما كانت تُدرّس الهجرة سابقا كانت تدرس من بعض المختصين القلائل فقط... ومنذ السنوات الأخيرة بدأ الاهتمام، وربما أقولها وبدون مجاملة بأن مجلس الجالية المغربية بالخارج كان له دور فعال في تحفيز وتشجيع الدراسات والأبحاث المتعلقة بموضوع الهجرة.

الصحافة والهجرة

Google+ Google+