خلوق: على الجيل الحالي من مغاربة ألمانيا أن يستثمر في الرأس مال البشري

بعد أن ترجم مؤلف الكاتب الألماني راينهارد  كيفر بعنوان "حكايات مغربية" يتوقف الدكتور محمد خلوق أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماربورغ الألمانية في هذا الحوار على محطات من حكايته الشخصية في الهجرة من المغرب إلى ألمانيا.

 هجرة كانت في بداية الأمر من أجل طلب العلم قبل أن تتحول إلى مهمة وطنية تهدف إلى التعريف بالمغرب في المجتمع الألماني، وترجمة الصورة التي يحملها الألمان حول المغرب من خلال مجموعة من الكتب والمؤلفات لكتاب ألمان تركوا آثار زيارتهم للمغرب في المكتبات الألمانية.

 كما يتحدث محمد خلوق في هذا الحوار مع بوابة مجلس الجالية المغربية بالخارج عن اهم التحديات التي تواجه مغاربة ألمانيا والجاليات المسلمة بصفة عامة باعتباره المغربي الوحيد في المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا الذي يعتبر المخاطب الرسمي الوحيد للحكومة الألمانية، مبرزا ما يجب الاهتمام به من اجل الانفتاح على المجتمع الألماني وخلق جسور التبادل والحوار عبر بوابة الثقافة.

  وفيما يلي نص الحوار.

 كيف جاءت الهجرة إلى ألمانيا؟

 الهجرة إلى ألمانيا كانت عن طريق الاهتمام باللغة الألمانية، وبدأ هذا الاهتمام من خلال دراستي للسانيات في المغرب، واهتمامي  بالفلسفة، التي تعتبر ألمانيا احد مصادرها كما يعلم الجميع. فالاطلاع على الفلسفة الألمانية والشغف بها دفعني إلى التجرؤ ومحاولة تعلم لغة الفلاسفة.

 بدأت اتعلم اللغة الألمانية في معهد غوته بالرباط، بالموازاة مع سنتي الثانية في الجامعة، وحصلت على الإجازة في اللسانيات وفي نفس الوقت على شهادة اللغة الألمانية "الداف"، وفي المعهد لاحظت ان العديد يدرسون الألمانية ليس لأسباب علمية ولكن لأسباب مرتبطة بالهجرة؛ وهنا بدات تراودني فكرة الهجرة، فقدمت طلبا لجامعة ألمانية، فتم قبول طلبي وهكذا قدمت إلى المانيا.
 في أي سنة كان ذلك؟

 كان ذلك سنة 1997 وهي نفس السنة الاي انهيت فيها الدراسات الجامعية. في البداية كان المشكل في في عدم الاعتراف بالشواهد المغربية في ألمانيا، ولم أحصل على المعادلة كما كنت أتوقع، وأعدت الحسابات من جديد فغيرت الشعبة وقررت اختيار العلوم السياسية وبدات الدراسة بها من السنة الأولى حتى حصلت على الماجستير سنة 2003 ببحث حول مسلسل أوسلو.

 لقد اعتبر البحث الذي أنجزته أحسن عمل قدمه طالب أجنبي في تلك الجامعة، وحصل على جائزة "الدي أ دي" الأكاديمية الألمانية للتبادل الثقافي، وتمت طباعته ونشر على شكل كتاب في إحدى اهم دور النشر العلمية في ألمانية اسمها "ليت". وفي سنة 2004 تم إجراء مباراة بين الفائزين بهذه الجائزة في جميع الجامعات الألمانية التي يتجاوز عددها 160جامعة، وتم انتقاء خمسة عشر شخصا وفقا معايير محددة كي يحضوا باستقبال من وزير الخارجية الألماني أن ذاك "يوشكا فيشر" فكنت احد هؤلاء الطلبة وكنت المغربي الوحيد الذي حضي باستقبال وزير الخارجية الألماني.

 بعد سنة 2004 تقدمت لمنحة لإنجاز بحث دكتوراه وحصلت على دعم من مؤسسة "فريديريتش إيبرت" والتي مولت البحث وحصلت على الدكتوراه سنة 2008 حول المغرب أو الإسلام السياسي في المغرب.

 من هذا المدخل دعنا نتحدث قليلا عن الإسلام في ألمانيا بحكم اعتباركم عضوا في المجلس الأعلى للإسلام في ألمانيا. كيف ترون تطور الإسلام في ألمانيا؟

 إن موضوع الإسلام في ألمانيا يعتبر أحد المواضيع التي اهتممت بها، خصوصا أنني احتككت في الدراسات السياسية بالعديد من المثقفين الألمان والذين لهم خلفيات دينية أخرى؛ وكانت لنا نقاشات حول الإسلام.

  كان يعاني الإسلام في المانيا من مشكل عدم الاعتراف وإن كانت الدولة بحكم نظامها الديمقراطي تمنح المسلمين كمواطنين كل الحقوق. لكن تطلعات مسلمي ألمانيا كانت أكبر، وجاءت الرغبة في الانتظام والبحث عن شكل قانوني أو مؤسساتي ينتظم داخله من أجل إسماع صوتهم.

 جاء الدخول إلى المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا بمحض الصدفة حيث كان هناك لأول مرة كرسي في الجامعة خصص لوضع مؤسسة لتخريج أساتذة التدريس الإسلامي وكان على رأس الشعبة بروفيسور محمد كاليش الذي اثار ضجة بتشيك في وجود الرسول واعتبره شخصية افتراضية جاءت نتاج تراكمات تاريخية، وحاول أن يثبت هذ الأمر بطريقة علمية فقمت برد عليه من خلال مقال علمي أثار بعد نشره استحسان مجموعة من الجهات الألمانية بما فيها جهات مسيحية. وهنا انتبه المجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا لهذا الرد واتصلوا بي وعرضواعلي الاشتغال معهم في المجلس وكنت اول مغربي دخل هذا المجلس.

 ما هو دور هذا المجلس بالتحديد؟

 المجلس يمثل قضايا المسلمين بألمانيا ويمثل ازيد من 1000 جمعية إسلامية بألمانيا له ومنذ تأسيسه بعد 25 سنة كان أهم مخاطب للدولة الألمانية يمثل الجاليات المسلمة. كما انه مخاطب سياسي للدولة الألمانية ويشارك في كل اللقاءات، ويعتبر مخاطبا له وزنه لأنه لا يخضع للدولة في كل رغباتها، فقد قاطع لمدة سنتين مثلا مؤتمر الاندماج التي تعقده وزارة الداخلية بشكل سنوي لأنه اختلف مع وزير الداخلية لان الدولة الألمانية كانت تركز على الجوانب الأمنية في حين كان مطلب المجلس هو مناقشة الاندماج والعداء ضد المسلمين والتهميش الذي تعاني منه الجاليات المسلمة.

 وما زاد من أهمية المجلس بالنسبة للسلطات الألمانية هو نوعية الأعضاء فيه حيث يضم أشخاصا لهم سمعة جيدة في ألمانيا كمراد هوفمان السفير الاماني السابق في كل من المغرب والجزائر، وانا ماري شيمل المستشرقة ألمانية معروفة، التي توفيت مؤخرا، وأيضا هناك نديم إلياس اول من ترجم القرآن إلى الألمانية...

 من خلال متابعتنا للأحداث في أوروبا والأزمة الاقتصادية التي تسببت في صعود اليمين المتطرف الذي يبني خطابه أساسا على معاداة الأجانب وخصوصا المسلمين، هل عرفت ألمانيا التي لم تتأثر كثيرا بتداعيات الأزمة ما عرفته باقي الدول؟

 ألمانيا لها خصوصية تاريخية تجعل من الصعب مقارنتها بهولندا أو فرنسا فيما يتعلق بالحملات العنصرية. تاريخ ألمانيا طبعه ما يسمى  بمعاداة السامية، والألمان عانوا كثيرا من هذا الأمر وشكل لهم حساسية مفرطة تجاه جميع الأقليات لأنهم تعلموا من هذا التاريخ، وأصبح تعامل الألمان مع الأقليات المسلمة مقارنة مع باقي الدول الأوروبية تعاملا إيجابيا ومن الإجحاف القول ان المجتمع الألماني معادي للمسلمين. لكن هناك داخل المجتمع الألماني فئة تعادي المسلمين وتحاول دائما ان تستغل قضاياهم إما لأسباب انتخابية او لأسباب معينة وهي ضد الاندماج.

 المهم في ألمانيا ان نظامها الديمقراطي يجعلها دولة الحق والقانون وبالتالي فللمسلم الحق في ان يطالب بكل ما يريد وأن يحصل عليه. الإشكال حاليا ليس في المجتمع الألماني ولكن في الأقليات المسلمة بحد ذاتها لانها غير منتظمة في جمعيات قوية ولا تعرف كيف تطالب بحقوقها، ويعاني أغلب أفرادها من الامية وليس لها وعي سياسي ولا تشارك سياسيا ولا تهتم بتكوين جماعات الضغط كباقي الأقليات لكي تجعل صوتها أقوى وأكثر تأثير؛ لدينا تخلف من حيث الوقت مع باقي الأقليات وهو ما نحاول تداركه.

 تخلد الهجرة المغربية في ألمانيا هذه السنة خمسينية الهجرة المغربية إلى ألمانيا، بما انكم قضيتم أكثر من عشر سنوات هناك ما هي في نظركم التحديات التي تواجه المهاجر المغربي في ألمانيا؟

 التحديات التي تواجه المهاجرين المغاربة لا يمكن فصلها عن التحديات التي تواجه المسلمين بشكل عام. صحيح أن الهجرة المغربية بألمانيا هي حديثة العهد مقارنة مثلا مع الهجرة المغربية إلى فرنسا. فالهجرة إلى المانيا بدأت في الستينات وكانت أول موجة من المهاجرين المغاربة إلى ألمانيا يطلق عليها اسم "العمال الضيوف"، ومن هنا كان التعاطي السياسي الألماني  معهم تعاملا مؤقتا كضيوف فقط.  لكن الأمور تغيرت حيث بعد الجيل الأول جاء الجيل الثاني والتجمع العائلي أدى إلى امتداد هذه الهجرة إلى يومنا هذا.

 اليوم يمكن القول بأن التحديات لا زالت كبيرة، وأنا شخصيا ألخصها في شيئين أساسيين هما: التكوين والتعليم. فالمهاجر المغربي يجب أن يرفع هذين التحديين في هذا البلد ويجب على الجيل الحالي والجيل القادم أن يستثمر في التعليم لتدارك غياب الجيل الأول والثاني عن الساحة الثقافية الألمانية والسياسية.

 فإذا كان الفضل يعود للجيل الأول  في  بناء المساجد وجمع التبرعات وفتح المحلات التجارية التي تحفظ ثقافته وهويته، فإن الأمور قد تغيرت اليوم وهذا التغير يجعلنا في حاجة إلى بناء الإنسان الذي سيمثل هذه الفئة وبالتالي نحن في حاجة إلى الاستثمار في الرأس مال البشري لكي يكون لنا صوت داخل الأحزاب السياسية وداخل المجتمع المدني، و داخل المنظومات الإعلامية...

 حاليا يعاني معظم أبناء الجالية المغربية في ألمانيا من مشكل الهوية، او صراع الهويات إن صح القول، وهو ما يفرض وضع الحلول من أجل حماية هويتهم ومرجعيتهم وتكوينهم، ويجب على الدولة المساعدة في هذا التأطير.

 قلتم في حوار مع مجلة طنجة الأدبية حول ترجمتكم لكتاب لكريستوفر لاستن بانكم أردتم من هذه الترجمة تقريب صورة المغرب من المغاربة، السؤال هو كيف يرى المجتمع الالماني المغرب كدولة من خلال الحمولات الثقافية ومن خلال الصورة التي يقدمها المهاجرون المغاربة في المانيا عن بلادهم؟

 صورة الألمان عن المغرب بصفة عامة هي صورة إيجابية، لكننا مدعوون إلى تكريس هذه الصورة. صحيح ان هناك بعض الصور النمطية المعروفة على المغرب وعلى بعض الدول الإفريقية، لكن بشكل عام هناك صورة إيجابية على هذا البلد وذلك ينعكس عبر مجموعة من الأعمال الأدبية لمثقفين ألمان بمن فيهم كريستوفر لاسن الذي كتب "مراكش جامع لفنا" باللغة الألمانية وترجمت شخصيا هذا الكتاب إلى اللغة العربية حتى يتمكن المغاربة من معرفة كيف ينظر الآخر إليهم؛ هناك كتاب آخر ل"راينا هاد كيفر" الذي كتب عن أكادير كتابا بعنوان "مقهى موكا" وترجم إلى العربية سنة 2013 .

 إن الاهتمام الادبي الألماني بالمغرب اهتمام قديم يمتد إلى ازيد من 200 سنة. أول من كتب عن المغرب كان هو "غيرهارد غوفس" من خلال مؤلف بعنوان "إقامتي الأولى" وكان ذلك سنة 1848 ولم يترجم إلى اليوم، ويعتبر  بمثابة وثيقة تاريخية وانتروبولوجية، أضف إلى ذلك أنه مؤخرا وضعت دار النشر الألمانية المعروفة "ريمبو" في صفحتها الرسمية على شبكة الإنترنت حيزا بعنوان "عوالم مغربية" تريد من خلاله أن تنقل كل ما كتب عن المغرب بالألمانية إلى اللغة العربية، وتنتقي  بعض الأسماء المغربية لتعرف بها عند القارئ الألماني وهي سابقة لأول مرة تقع في ألمانيا.

 هذا يعكس اهتمام الالمان بالمغرب لكن بالمقابل لازلنا في الجانب المغربي غير مهتمين بالشكل الكافي بالسوق الألمانية، ولم يتم استغلالها بالشكل المفروض. إن ألمانيا نموذج يستحق ان نتعامل معه أكثر ونتبادل معه ثقافيا بشكل أكثر، ونحاول معرفته من خلال قنطرة الثقافة. ويجب الانتقال من الترويج للمغرب كوجهة سياحية باعتماد الشمس والجمال والبحر، فهذه الصور مهمة لكن يجب أيضا الاهتمام بالسياحة الثقافية لأن الألمان ينجذبون كثيرا للقيم الثقافية والتاريخية والاجتماعية. وحتى في الجانب السياسي فإن تجربة المغرب من خلال دستور 2011 والذي يمكننا تسميته بالثورة البيضاء، والتعايش الذي يعرفه المغرب كلها عوامل لم نستثمرها بشكل جيد في التعامل مع المجتمع الألماني وإيصال رسالة مفادها ان بلادنا ليست فقط بلاد الفولكلور وإنما لنا تاريخ ثقافي وتاريخ سياسي ونموذج سياسي خاص بنا.

 حاوره محمد الصيباري

الصحافة والهجرة

Google+ Google+