مريم الودغيري.. من "لمْسِيد" بفاس إلى الأشغال العموميّة ببرِيتشيَا

الجمعة, 30 يناير 2015

هي شابّة بنت حياتها على "التجربة والخطأ".. مؤمنة بأن نهاية مرحلة لا يمكن أن يكون غير بداية لمراحل أخرى قادمة.. أو هكذا جعلتها تعتقد خبرتها التي راكمتها ما بين فاس والناظور وألميريا وبريتشيا، وعدد من فضاءات العيش التي تواجدت بها طيلة العقود الثلاثة المنصرمة.. إنها مريم الودغيري الإدريسي التي تستقر حاليا بالشمال الإيطاليّ ضمن عصارة تجربة هجرة لم تكن تحلم بها، أو قررتها، في وقت مبكّر من عمرها..

من لْمْسِيد إلى بنك

استهلّت مريم الودغيري الإدريسي علاقتها بعالم الدرس والتحصيل من "لْمسِيد" بمدينَة فاس، ثمّ قصدت بعده روض أطفال تجسيدا لرغبة أسرتها في تمكينها من مزج ما بين التعليمين التقليدي والحديث.. مشكلة مجموعة من ثلاثة إخوة دأبوا على مرافقة بعضهم البعض من البيت لفضاءات التحصيل الابتدائية.

"كنّا أصدقاء يترافقون للمدرسة القريبة من البيت، وكذا نحو إعداديتي أمّ أيمن وابن حزم، وهو ما جعلني أرفض التحاقي بثانوية للبنات عقب الانتهاء من الدراسة الإعداديّة، ذلك أني كنت قد ألفت وجود أخوَاي بجانبي إلى درجة اعتباري لنفسي متربية وسط الذكور" تقول مريم.

بعد تحصيلها لشهادة الباكلوريا، التحقت ذات الشابة المغربيّة بجامعة فاس لدراسة الأدب الإسبانيّ وتتخصص في اللسانيات، كما أنّها التحقت، بالموازاة مع ذلك، بمدرسة تقدّم تكوينا في الإعلاميات ووسائل الاتصال الحديثة.. وتقول عن ذلك: "مكنتني مؤهلاتي، زيادة على تجارب مراس متعددة بعدد من المؤسسات، من انتزاع فرصة عمل داخل وكالة بنكية.. وأصدقكم القول وأنا أقرّ بكون ذلك قد تمّ بتدخل واسطَة رغما عن كفاءتي".

على الأمواج

الودغيري الإدريسي تمكّنت من نيل دبلوم تخرج للمدرسة العليا للمقاولات والإعلام، كما استمرت في رفع التحديات وهي تغادر موقعها بالمؤسسة المالية التي شغلتها، مفضلة الالتحاق بالنّاظور، وتحديدا المحطة البحرية لبني انصار، للعمل فوق سفينة ضامنة لرحلات ما بين المغرب ومدينة ألميريا بالجنوب الإسباني.

"كانت هذه الخطوة هي التي جعلتني أقتحم عالما آخر، فقد أبهرتني ثقافات الأجانب وبلدانهم، خاصة أني شغلت مواقع مهنية بفضاءات الاستقبال وتعرفت على أناس كثر من جنسيات تنتمي للقارات الخمس.. حينها بدأت فكرة الهجرة تختمر لديّ، فما كان لي إلاّ أن قررت العودة إلى المغرب من أجل تسطير مشروع هجرة نظاميّة" تقول مريم ضمن تصريح لهسبريس.

قدّمت ذات المغربية طلبا لنيل منحة دراسيّة تمكنها من مواصلة تعليمها فوق التراب الإسبانيّ، فكان لها ما أرادت.. وقد انخرطت ضمن التجربة لـ6 أشهر قبل أن تتخلّى عنها.. ذلك أنّها استجابت لدعوة من أخيها الذي استقر بإيطاليا يدعوها لزيارة سياحيّة.. لكنّ التنقل صوب التراب الإيطالي ما زال مستمرا إلى الآن رغما عن تفعيله لأوّل مرّة قبل 15 سنة.

تمثلات نمطيّة

"رحالي وضعتها ببريتشيا، وبذات الفضاء اصطدمت بنمطية التمثلات التي حملها المجتمع الإيطالي عن المغاربة وهو لا يتقبل التصديق بأن من بينهم دارسون ومتوفرون على شواهد عليا بعدد من التخصصات، حتى الأكثر تعقيدا.. فقد كانوا يتوارثون التفكير بكوننا بعيدين عن العلوم والتحصيل المقترن بها" تقول مريم وهي تتذكر أولى أيّامها بإيطاليا، لكنّها تستدرك بتشديد على أن الأمور قد تغيّرت اليوم بفعل تطور وسائل الاتصال والتحاق عدد كبير من المغاربة للعيش بذات البلد الأوروبي.

وما تزال مريم الودغيري الإدريسي تتذكّر كيف أنّها حرصت على التنقل ما بين مدن إيطالية عديدة لاستكمال دراستها ضمن المجال الاقتصادي والمالي.. كل ذلك وهي تمارس عددا من المهام المهنيّة التي تمكنها من الوفاء بالتزاماتها الحياتيّة.. "كانت تجربة رائعة وسعت من مكتسباتي الثقافيّة، وتعلمت وقتها أن لكل فرد نظرته الخاصّة للمغاربة، يبنيها من بيئته وكذا الأصول التي ينحدر منها.." تضيف ذات المغربيّة.

المستشفَى والبلديّة

اختارت مريم، كما ألفت منذ سنين قبل ذلك، أن تقلب توجهها المهني وهي تقتحم المجال الصحي للعمل وسيطة ثقافية وسط مشفَى.. إذ عملت لسنتين ضمن فضاءات مصلحة الترجمة بمرفق طبي، مشتغلة على اللقات العربية والفرنسية والإسبانية، ما مكّنها من اكتساب تجربة في التعاطي مع المهاجرين بإيطاليا والتعرف عن انشغالاتهم من أقرب مسافة.

عاودت الودغيري قصد مدينة بريتشيا، الفضاء الحضري الذي كان اول مستقر لها بإيطاليا، وذلك للاشتغال ببلديتها وسط قسم الهجرة الذي كان يحتاج متمرسين في التعاطي مع المنحدرين من أصول أجنبيّة، وعن تلك المرحلة تورد: "وجدت نفسي أتعاطَى مع وثائق مصريّة لكل مهاجر، وتقترن ببطائق الإقامة على وجه التحديد.. وأكسبتني هذه المرحلة المهنية تجارب إضافيّة دون أن تدفعني لاختيار الاستقرار بعملي على غير عادتي".

وأمسكت مريم الإدريسي، بتجربة إضافية تسبق محطتها الحالية، بملفات تقترن بشواهد "صلاحية السكن" التي تعدّ مصيرية للحسم في مسعى المهاجرين الراغبين في لم شمل أسرهم فوق التراب الإيطالي، وبنفوذ بلدية بريتشيَا تحديدا.. حيث اعتبرت ذات المغربيّة ـ الإيطاليّة أن تجربتها العانية بالمساكن التي سيتقر بها المهاجرون، وإن كانت تختلف عن سابقاتها مهنيا، إلاّ أنها استمرت في التقاطع مع مسار حياتها الذي ألفته منفتحا دوما على الآخرين ومقترنا بالتعامل مع إرهاصات الهجرة وما يصبو إليه المهاجرون.

وعن ذات التجربة الإدارية بمرفق التدبير المحلي ببريتشيا تقول مريم لهسبريس: "بذلت مجهودا كي أتأقلم بعيدا عن الحزازات التي حاول إذكاءها من يعتبرونني أجنبية وسط المرفق، إذ اعتبرتهم مجرد أصوات تبتغي حرمان الآخر من تحمل المسؤولية ونيل قدر من السلطة تجعل له رأيا يؤخذ بعين الاعتبار.. وحين أجلس مع ذاتي أجد أن كل ذلك قد نفعني، تماما كما نفعي للآخرين وأنا أسهم في تغيير نظراتهم للغير بعيدا عن الأوهام".

وسط الأوراش

تعمل مريم الودغيري الإدريسي، ضمن منصبها الحالي، وسط أوراش الأشغال العمومية لبلدية بريتشيا الإيطاليّة، وهي مهمّة لا تسند إلا للكفاءات الفارضة لرؤاها الناجحة.. حيث اعتاد الماسكون بملفات الأداءات التشييدية والإصلاحية التي تقف وراءها ذات البلديّة أن يرصدوا تواجد المتأصلة من فاس المغربية وهي تتوسط مجموعات العمل وتناقش مسؤوليها ضمن توجهاتهم وأفكارهم واقتراحاتهم.

وترى مريم أن نشاطها المهني الجاري ما هو غلا محطة أخرى تبتغي النجاح ضمن رهانها الثقافي.. وتزيد لكي تشرح ذلك: "أحاول أن أكون مثالا للتعايش مع زملائي الإيطاليين وباقي المنحدرين من أصول اخرى، تماما كما جمعنا العمل والمجتمع وجعلهم يتعايشون معي.. فكلانا يتأقلم مع الوضع بنجاح، حتّى أنّي لم أنعت بالأجنبيّة منذ وقت غير قصير..".

كتابة وأحلام

وبابتسامة مستمتعة بالحياة تعرب ابنة العاصمة العلمية للمغرب من مستقرها بإيطاليا عن رضاها بشأن ما حققته ضمن حياتها، وذلك على الشقين الشخصي والمهني، زيادة لما دأبت عليه ضمن مسارها من إحباب للقراءة وولع بكتابة الأشعار.. حتّى أنّها في طور الاشتغال على مشروع كتاب تأمل في نقله صوب الوجود قريبا.

"كل إنسان بداخله حلم ينتظر التحقق، وسيان أن يتم ذلك في الصغر او الكبر" تقول الودغيري الإدريسي للإعراب عن رأيها في مشاريع مهاجري المستقبل بالمغرب.. وتزيد: "لست ضدّ الهجرة، كما أني لست معها بإطلاق، ذلك أني أرحب بالتحركات النظامية بين الأوطان وفضاءات العيش، كما أشجّع اجتهادات كل طموح يعي بأنه لن يجد ملاعق ذهبية تنتظره أينما حل وارتحل.. فالعازمون على شق مسارات بالهجرة ينبغي عليهم الإيمان بوجوب التدرج على مراحل، مع تركيز قوي على الجواهر بدل المظاهر".

عن موقع هسبريس

الصحافة والهجرة

Google+ Google+