حسناء بوعزّة .. مغربيّة تعمل على محاربة "تنميط الجاليات" بهولندا

الأربعاء, 15 يونيو 2016

اضطرّت حسناء بوعزّة، مغربيّة الأصل هولندية الجنسية، إلى تغيير وعائها الثقافيّ قبل تحقق الوعي لديها بوجودها، لكنّها سرعان ما عادت، عند وصولها إلى مرحلة الاختيار في حياتها، إلى الفعل في الثقافة من أجل الفعل بالثقافة؛ وبذلك كرّست كلّ جهدها المهنيّ، وشقّا غير يسير من حياتها الشخصيّة، لكسر الصور النمطيّة التي تُتداول بهولندا بخصوص من يعيشون على الضفّة الجنوبيّة من الحوض المتوسطيّ عموما، ومن يتواجدون بالتراب المغربيّ، أو ينحدرون منه أصلا، على وجه التحديد.

بين ثقافَات

مرّت قرابة 38 سنة على وصول المغربيّة حسناء بوعزة إلى الديار الهولنديّة، وذلك بعدما غادرت بيئة عيشها الأصليّة في وجدة صوب بيئة بديلة، في الرابعة من عمرها، من أجل العيش في أحضان أسرتها بمملكة الأراضي المنخفضة؛ فكان لها أن تموقعت، حاليا، فاعلة إعلاميّة وثقافيّة متمكنة من الكتابة والإخراج.

مضت طفولة بوعزّة بين بيئتين متباينتين، أولاهما أسريّة ذات خلفيّة مغربيّة إسلاميّة سائدة في البيت، من خلالها استطاعت الحفاظ على لسانها العربيّ الدارج، بينما الثانيَة كانت متمظهرة خارج المسكن، بمقومات متذبذبة ما بين الثقافة الهولنديّة وباقي الثقافات الوافدة على المجتمع عينه الذي احتضنها.

وتقول بوعزّة: "خلال مرحلة الطفولة كانت الصعوبات غائبة بشكل تامّ، إذ تأقلمت مع المجتمع الهولنديّ وتعلّمت لغته بسرعة، مستفيدة من الاستيعاب الذي أتاحه لي صغر سنّي عند حلولي بهذه التجربة البعيدة مكانيا عن الوطن الأمّ؛ بينما لم تَلُح الصعوبات إلاّ عقب مرور الوقت، خاصّة في مرحلة الشباب التي يحضر خلالها الوعي بأي تقلّب كان".

فِعل بالثقافات

بعدما أتمّت حسناء بوعزّة طورَي التمدرس الابتدائي والثانويّ، سلكت المغربيّة الهولنديّة نفسها مسارا نحو دراسة اللغتين الإنجليزيّة والفرنسيّة وآدابهما بجامعة أوتريخت، مفردة أربع سنوات كاملة للتكوين الأنجلوساكسونيّ مقابل عام واحد للتخصص الفرنكوفونيّ؛ وفي السنة الموالية لتخرّجها شرعت في أدائها المهنيّ من بوابة الترجمة.

كان الاستهلال بالتعاطي مع منتجات سمعيّة بصريّة تتوفر فيها قوّة الصورة التي استمالت حسناء بوعزّة منذ طفولتها، فأخذت في ترجمة أشرطة وبرامج من العربيّة إلى الإنجليزيّة والفرنسيّة والهولنديّة. وبتوالي الإشادات التي طالت أداءها، تمكّنت بوعزّة من الظفر بفرصة عمل داخل قناة VPRO التلفزيّة، واستمرّت تجربتها بهذا المنبر طيلة 7 سنوات.

وطورت حسناء كفاءاتها بما مكّنها من الاشتغال في برامج متنوّعة، وكان ذلك بميولات واضحة نحو التعاطي مع كل التيمات ذات الصلة بالقضايا السياسية والاجتماعية والثقافيّة، كما وازت بين هذا المسار وتكوين جعلها متمكّنة من أجرأة الرؤى الإخراجيّة الخاصّة بها.

وانفتحت بوعزّة على الكتابة الصحافيّة من خلال تجارب متنوعة، متناولة في ذلك قضايا منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، المشتهرة بتسميّة "العالم العربيّ" لدى المتلقِّي الهولنديّ.

تباين ثقافيّ

تقول بوعزّة إن رهانها يبقى دوما، كما كان أبدا، متصلا بتقريب هوّة التباين الثقافي التي يحملها المخيال الهولنديّ بين ثقافته الأصل وتلك المرتبطة بثقافات "العالم العربيّ"، وتزيد: "التعاطي الهولنديّ يميل إلى إبراز صور نمطيّة عن الحيز الجغرافي الممتدّ من المحيط الأطلسيّ إلى الخليج العربيّ، مهتما بالإرهاب والكره والعداءات وباقي المشاكل التي تغيّب وجود أناس حاملين لأحلام راقيّة وطموحات متميّزة، ولذلك حاولت أن أخاطب هذا المتلقّي الأجنبيّ من مواقع عدّة، تارة بالحرف والكلمة، وأخرى بالصوت والصورة".

وتضيف المتحدّثة ذاتها: "على سبيل المثال لا الحصر، يتكلّم الهولنديون عن المرأة المسلمة، لكنّهم لا يتكلمون معها، وبالتالي تبقى العديد من الأحكام المسبقة ساريَة دون نيل فرصة لدحضها..وقد اخترت الاشتغال على برنامج تلفزيون يتحدّث إلى هذه الفئة الأنثويّة، مع تمكينها من سرد حكاياتها وإبراز طموحاتها بدلا من الاقتصار على رؤى الغربيات المدافعات عن حقوق النساء.. ولازلت أشتغل عبر هذه المقاربة إلى جوار مواظبتي على الكتابة في مواضيع شتّى، بميز إيجابيّ للتعاطي مع الثقافة وتأثيراتها الكبيرة".

وترى حسناء بوعزّة أن الانتماء إلى البيئة المغربيّة المسلمة يجعل الفرد عرضة للمحاصرة، على المستوى المهنيّ، في زاوية التعاطي مع هذه البيئة نفسها؛ ومن هذا المنطلق تكتسب المغربيّة الهولنديّة عينُها الإرادة في معالجة إعلاميّة لمواضيع تمتدّ إلى الطبخ والموسيقى والسينما وآخر تقليعات الأزياء، وغيرها.

"لا أرغب في التخصّص لأنّ ذلك يجعل المرء محاصرا ومُزكيّا للتنميط الذي يرنو إليه الأغيار، ويمكنني التصريح بأنّي انفعاليّة حتّى درجات قصوى حين أرصد اشتغالات إعلاميّة مسيئة إلى المغاربة والمسلمين، ولذلك ترتفع دينامية الفعل والتفاعل لديّ بمجال اشتغالي؛ لكنّي، من جهة أخرى، أحبّ الحياة وأقبل على ما تحمله من جمال، وهذا يحقّق الوصول إلى قصص ووقائع قادرة على خلق المتعة لدى الآخرين بعد مشاطرَها معهم؛ فعيشة ذوي الأصول الأجنبيّة أكبر من هواجس التجنيس والاندماج التي يخالها الهولنديّون"، تعبّر حسناء بوعزّة.

ثقافة التحدّي

تؤمن حسناء بثقافة التحدّي حتّى النخاع، وتُقرّ بأن هذا الإيمان هو الذي جعلها تحقق ما تصبو إليه، خاصّة الانفتاح على تجارب موازيّة ذات صلة بمختلف أجناس الكتابَة، معلنة رضاها عن كل الخطوات التي قامت بها في هذا الإطار المهنيّ، ومعبّرة عن خيارها الرفع من إنتاجيتها في مجال القصّة.

"لديّ طموح جامح يجعلني أستمرّ في الخيارات التي اتخذتها ببيئة العيش الهولنديّة، ولذلك أريد أن أحكِي للناس قصصا لم يسمعوها بعد. وأرمي إلى مواصلة المشوار بتركيز على الاستقلالية في الإنتاج الإعلاميّ التي تمكّن من النأي عن قرارات تقييديّة لبعض مسؤولي منابر شتّى، فأنا لا أميل إلى المقاربة التي تجعل الغير يحسم في قبول مقترحاتي أو استضافتي، ولذلك أبحث لنفسي، ما دمت حيّة، عن مساحات أكثر تحرّرا"، تقول بوعزّة.

وأكدت حسناء بوعزّة أنها تغرف من توالي الدروس التي تعلّمتها على طول تجربتها الحياتيّة، قبل أن تسترسل: "من أراد النجاح ينبغي عليه أن يواصل السير، تماما مثل مخطاط دقّات القلب الذي ترسم عليه منحنيات صاعدة وأخرى منحدرَة، فالسهولة لا محل لها، والبحث عمّن يساعد في تخطّي الصعوبات أمر محمود، لا أن ننظر إلى الناجحين ونعتبر أن ما حققوه قد تمّ بين عشية وضحاها، فهذا غير صحيح.. لا أومن بالمثل الإنجليزيّ القائل: إن أردت شيئا فإنّك ستناله..بينما أوافق قول الشاعر: ومَا نيل المطَالب بالتمنّي، ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا".

عن موقع هسبريس

الصحافة والهجرة

Google+ Google+