السبت، 12 أكتوير 2024 23:11

أحمد حريكَة .. مغربيّ يساهم في جهود التصدّي لمدّ التطرّف بروتردام

الخميس, 23 يونيو 2016

ما زال أحمد حريكة، المواطن الهولنديّ ذو الأصل المغربيّ، مستمرّا في التنقيب عن السبل الكفيلة بخلق فرص بديلة قادرة على تفادي التشوّهات المجتمعيّة المؤثرة على الأفراد والجماعات .. مسترسلا بذلك في مسار البحث نفسه الذي انخرط فيه، طوعا وكرها، منذ انتقاله من شمال المغرب إلى غرب هولندا .. مستثمرا خبرة 30 عاما راكمها في هذا المجال، مع ما حازه طيلة هذه العقود من مهارات في التوقّع والاستشراف والتطوير.

 

تجمّع عائليّ

حلّ أحمد حريكة بهولندا، روتردام تحديدا، وهو في الـ18 من عمره جرّاء مرافقته لأسرته بالاستفادة من مسطرة التجمّع العائلي التي فعّلها أبوه سنة 1986، فكان له أن اصطدم ببيئة عيش مغايرة لتلك التي ألفها بمدينة الناظور ونواحيها، خاصّة وأنّه لم يكن يتقن اللغة الهولنديّة ولا الانجليزيّة اللتين يتطلبهما تحقيق التواصل مع الهولنديّين.

"مَا زلت أتذكّر الصعوبات التي واجهتني وقتها"، يقول حريكة قبل أن يزيد: "كأيّ وافد جديد، لم أكن أتوفر على شبكة علاقات بإمكانها أن تساعدني في التوجيه، وغالبيّة من تواجدوا بمحيطي كانوا ينصحونني بالإقبال على سوق العمل العضليّ.. ومع مرور الوقت تعرّفت على من وجهوني صوب تعلّم اللغة الهولنديّة، باعتبارها مفتاح المستقبل لكل من يعيش في هذه البلاد التي قدم إليها أبي سنوات الستينيات .. وبذلك حققت الانطلاقة السليمة".

أسس جديدة

استغرق أحمد حريكَة زهاء 4 سنوات من أجل إرساء أسس جديدة لحياته، محققا اندماجا نسبيّا في المجتمع الهولنديّ بروتردام؛ إذ اكتسب المبادئ الأوّلية للتواصل بلسان أهل الأراضي المنخفضة في شهور قبل أن يسترسل في تحصيله التعليميّ الذي كان قد قطع شوطا مهما منه في إقليم النّاظور.

بعد أن أنهَى أحمد سلك التكوين في مدرسة إداريّة بروتردام، التحق بالتعليم العالي الذي توفره الأكاديميّة الاجتماعيّة المتواجدة في المدينة عينها، وقد حسم في اختياره ميله إلى العمل الاجتماعيّ وسابق تعاطيه، من 1988 إلى 1990، مع مؤسّسة "هيومَانِيتَاس" في ما يهم مشاكل الشباب ذوي الأصول المغربيّة وأسرهم، زيادة على انتمائه.

اختار أحمد حريكة الانفتاح على العمل السياسي بهولندا انطلاقا من قواعد حزب اليسار الأخضر الذي انخرط فيه سنة 1993. وبعد تخرّجه في الأكاديميّة الاجتماعيّة، ظفر الهولنديّ المغربيّ نفسه بفرصة اشتغال كمساعد اجتماعي من بداية تسعينيات القرن الماضي إلى غاية عام 2002، ووسم هذه المرحلة بالخضوع لتكوين إضافيّ عامي 1996 و1997 بمدرسة التسيير الإداري في العاصمة أمستردام.

التزامات متنوّعة

أفرد "ابن الناظور" سنوات طويلة من عمره للفعل السياسيّ المرتبط بتدبير الشأن العام المحليّ في مدينة روتردام الهولندية، فكانت البداية عام 2002 حين ولج مجلس تسيير البلديّة الجزئيّة لشمال الحاضرة ذاتها، وقد استمرّ في هذا الموقع إلى حدود سنة 2014، بل أفلح في الظفر برئاسة هذه البلديّة، ذات التعداد السكانيّ البالغ 50 ألف نسمة، طيلة الأشهر الأربعة المنتمية إلى الربع الأخير من 2013 والربع الأوّل من 2014.

خلال العام ذاته، اختار أحمد حريكة النأي عن السياسة، لاعتبارات ذاتيّة وموضوعيّة، وتأسيس شركته المتخصصة في خدمات الترجمة، مع خوض مسار تكوينيّ بديل في مدرسة الترجمة بمدينة أوتريخت، يشرف على إنهائه بغية تمكين اسمه من التواجد بالسجل الوطني لممارسي هذه المهنة في هولندا.

من جهة أخرى، شرع حريكة في تولّي مهمّة جديدة ببلدية روتردام، منذ مطلع 2015، أساسها الإشراف على تكوينات الموظفين في مجال محاربة التطرّف.. وعن هذه المرحلة يقول أحمد: "أنا موظف حاليا لدى بلديّة روتردام التي يرأسها أحمد بوطالب، وأنتمي إلى المصلحة الأمنيّة بقسم التطرف الدينيّ".

"أضحى عدد كبير من الشبان الهولنديّين، من بينهم ذوو أصول مغربيّة، يلتحقون بمناطق النزاعات المسلّحة، خاصّة الأراضي السوريّة التي يسيطر عليها تنظيم داعش.. وهذا الإشكال أضحى محطّ اهتمام مدبري الشأن العام الهولنديّ، حتّى إن بلديات المُدن أنشأت أقساما للتعاطي مع هذه الظاهرة بحثا عن سبل مواجهتها، والتركيز يتم على كيفية خلق فرص بديلة تثني الناس عن اللجوء إلى حمل الأسلحة في مناطق التوترات العالميّة.. وهذا مجال اشتغالي الآن؛ حيث أشرف على تدريب موظفي بلدية روتردام من أجل النجاح في تحقيق هذه الأهداف ذات الصبغة الاجتماعيّة"، يقول أحمد حريكَة.

انتصار المُواطَنَة

يعبّر أحمد عن رضاه بما حققه طيلة العقود الثلاثة التي عاشها وسط المجتمع الهولنديّ.. بل يعدّ نفسه واحدا ممّن مستهم رياح الهجرة قبل أن تنهزم أمام المُواطنَة التي حققوها ببيئة عيشهم الجديدة.. وبخصوص ذلك يعلّق: "الأجيال الحديثة التي تتحدّر من هجرة المغاربة صوب هولندا لم تعد تؤمن بالعمل ومراكمة أموال تمكّنها من العودة إلى أرض الوطن، بل أضحت راغبة في ولوج الوظائف العموميّة ككلّ حامل للجنسيّة الهولنديّة، وبالتالي يبقى هذا الطموح مرتبطا بالاستفادة من كل ما تتيحه المواطنَة، من جهة، والمؤهلات الفرديّة، من جهة أخرى".

ويزيد حريكة: "نصف سكان روتردام يتحدّرون من أصول غير هولنديّة، وغالبية هذا العدد من تركيا، بينما المتأصلون من المغرب يقدّر عددهم بـ40 ألفا.. والجميع صار يرى نفسه هولنديّا أوّلا، ثمّ منتميا إلى بيئته الأمّ، ما يجعلهم يحرصون على تنميّة ذواتهم لنفع محيطهم الأسريّ والمجتمع الذي يلمّهم.. أنا واحد من هؤلاء الذين فعلوا ما بوسعهم من أجل أنفسنا ومن أجل هذا البلد".

أبواب مفتوحة

ينفي أحمد حريكة أن يكون قد سطّر، في أي من مراحل حياته، برنامجا دقيقا يسير.. ويقول إنه يكتفي بوضع خطوط عريضة لما يرغب فيه قبل أن يبقي الأبواب مفتوحة على جميع الخيارات والإمكانات... ثم يوضح: "أنا منصبّ على عملي ببلديّة روتردام، كما أحاول التركيز على مسار اشتغالي كمترجم، بينما ما يحمله المستقبل لا علم لي به.. فتواجدي بحزب اليسار الأخضر مستمر رغم انعدام أي طموح لديّ بالعودة إلى السياسة.. وما سأراه مناسبا لي مستقبلا سأحسم فيه حين يحين الوقت المناسب للقيام بذلك".

وبخصوص الشباب الراغبين في البصم على مسارات ناجحة مؤسس لها بالهجرة إلى الأراضي المنخفضة، يرى حريكة، بناء على تجربته الخاصّة، أن التأسيس ينبغي أن ينطلق من الإقبال على الدراسة.. ويزيد: "هولندا تتيح للجميع الإقبال على التعلّم من أجل الظفر بمستقبل زاهر، والمهن التقليديّة التي استقبلت الرعيل الأوّل من الجالية المغربيّة لم يعد لها وجود في هذا العهد الذي شهد طفرة مكننة مسّت جميع المجالات.. ولذلك ينبغي الوصول إلى مستويات دراسيّة متقدّمة من أجل التقرّب من النجاحات التي تحسم فيها الميولات الفرديّة".

عن موقع هسبريس

 

 

مختارات

Google+ Google+