فيلم «قتلني عمر» أشهر بستاني في فرنسا

الإثنين, 27 يونيو 2011
في هذا الجو الكريه من العداء للغريب والأجنبي في فرنسا، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الفرنسية 2012، ومع وصول وزير داخلية فرنسي جديد، كلود غيانت، يعتبر وزراء الداخلية السابقون حمائم، مقارنة معه، هذا الوزير الذي اعتبر، بمجرد تقلده منصب الوزارة، وبشكل صريح، وجود ملايين من المسلمين في فرنسا يطرح «مشكلة». وفي هذا الجو الذي غدا فيه الكثير من الفرنسيين (من يمين الحزب الحاكم ومن أطر أحزاب اليسار، الذين يكنون كرها للأجنبي بشكل خاص المسلم) يطلبون ود مارين لوبين، رئيسة حزب الجبهة الوطني، اليميني، معتبرين إياها تختلف عن أبيها (إذ أعادت قراءة خطابات أبيها فيما يخص بالمحرقة، وكرست حقدها، الصريح والمضمر، للعرب المسلمين، كما أنها زارت الكيان الإسرائيلي، مما اعتبر بادرة على إنهاء صراع حزبها ضد اليهود، وهو ما رأى فيه بعض زعماء اليمين اليهودي في فرنسا منطلقا لعلاقات ودية معها). في هذا الجو الكريه أطل على الجمهور الفرنسي فيلم «قتلني عمر» لرشدي زيم وبطولة سامي بوعجيلة. وليس غريبا أن يتصدى هؤلاء لمأساة عمر الرداد.

من هو عمر الرداد، الذي يعرفه الفرنسيون جميعا؟

إنه بستاني مغربي، اتهم بقتل السيدة مارشال التي كانت تشغله عندها بستانيا، وهي أرملة ثرية، بغرض الاستيلاء على أموالها، بسبب ولعه بالقمار في مدينة نيس الفرنسية. وقد ساهم ولعه بالقمار، إضافة إلى أصوله المغربية (من ريف المغرب)، وكذا جهله المدقع باللغة الفرنسية، في منحه صورة «المذنب المثالي». ولكنه أصر على براءته، ولم تنفع مرافعة المحامي الشهير جاك فيرجيس (الذي صدح بمقارنة رهيبة بين البستاني عمر الرداد والضابط ديروفيوس: أدين الأول لأنه يهودي ويدان الثاني لأنه عربي!) في إطلاق سراحه، فقضى 7 سنوات في السجن قبل أن يصدر عفو رئاسي لفائدته.

ولكن عمر الرداد الخارج من الزنزانة لم يكن سعيدا، بشكل كامل، لأنه لا يريد أقل من تبرئته.

والحقيقة أن قضية عمر الرداد شغلت الرأي العام الفرنسي، فقسمته شطرين، من يرى فيه البريء ومن يرى فيه المذنب الحقيقي. وإذا كان القاضي لورونت دافيناس Laurent Davenas، يرى أنه مذنب ويتهم المحامي فيرجيس بأنه صنع من عمر الرداد «بريئا مثاليا»، فإن الكثير من المثقفين الفرنسيين، وعلى رأسهم الأكاديمي جان ماري روارت، يتشبثون ببراءة البستاني المغربي، وقد أصدر كتابا في هذا الصدد، وهو من المدافعين عن فكرة إعادة محاكمته.

ومن هذا المنطلق تصدى الممثل والمخرج رشدي زيم لهذه القضية التي لم تستطع أن تتركه لا مباليا. ولكنه يصر، منذ البدء، على أن ما يهمه في القضية ليس هو استعادة كل ما تفوهت به الميديا الفرنسية حينها، بل تركيز الكاميرا على عمر الرداد (مثل الدور الفنان المقتدر سامي بوعجيلة، الذي عرفناه في فيلم أندجين)، والطريقة التي عاش بها قضيته، وهو بهذا المعنى يريد أن يحمل الفيلم نظرة إنسانية عن هذا «المذنب المثالي»، من دون إبداء أي رأي يبرئ الرجل أو يتهمه، خصوصا أن جورج كيجمان محامي عائلة الأرملة القتيلة، بالمرصاد، بل ونصح المخرج بعدم المضي في إخراج الفيلم.

الملامح الكبرى عن المحاكمة موجودة في الفيلم، وهي معروفة من قبل الجمهور الفرنسي، الذي تتبع أطوارها وتفاصيلها المعلنة، وخصوصا الجملة التي كتبت على الحائط وتقول: «قتلني عمر»، وتحمل خطأ نحويا غير جدير بالأرملة الثرية.

ليس من شك أن الفيلم سيعرف نجاحا كبيرا (معظم المقالات التي خصصت له كانت إيجابية). فعوامل النجاح متوفرة، ابتداء من مشاركة ممثلين ناجحين، عرفا من قبل في فيلم «أندجين»، إضافة إلى لغز المحاكمة وشعور قطاع واسع من الفرنسيين أن ثمة أشياء كانت تستحق أن يتوقف عندها في المحاكمة ولم يفعل، وهو ما كرره المحامي جاك فيرجيس، كما أن عمر الرداد أصبح، الآن، أكثر فصاحة من ذي قبل، بعد أن حل الله عقدة من لسانه.

ومثلما استطاع فيلم «أندجين» أن يحرك مشاعر الفرنسيين وعلى رأسهم الرئيس شيراك، فقرر تسوية الأوضاع المادية لمحاربين عرب وأفارقة قدامى في الجيش الفرنسي كانوا يعيشون فقرا كبيرا، يراهن على أن يتسبب الفيلم في تهيئة الرأي العام الفرنسي لإعادة محاكمة عمر الرداد، مرة أخرى. على الأقل هي رغبة المخرج رشدي زيم ورغبة عمر الرداد نفسه.

هي رغبة عمر الرداد، الذي يريد أن يكتشف ابنه، أخيرا، براءته وأن لا ينادي عليه كما فعل، إثر خروجه من السجن، بعد سنوات سبع، بـ«السيد».

ربما هنا سيكون مكمن أهمية الفيلم ورسالته، وربما هي رغبة رشدي زيم الدفينة، إلى جانب الرواج التجاري، طبعا.

26-06-2011

المصدر/ جريدة الشرق الأوسط

«آذار 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
25262728293031
Google+ Google+