استطلاع. نصف قرن على مغاربة ألمانيا

الإثنين, 06 يناير 2014

"طلبنا يدا عاملة فجاءنا بشر"، تلخص هذه القولة للأديب السويسري الكبير ماكس فريش جدل الهجرة في ألمانيا لعقود عديدة. وقد استمر هذا الجدل منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي، تاريخ وصول طلائع الهجرة الأولى إلى ألمانيا إلى مطلع 2005، تاريخ اعتماد قانون الهجرة. وقد تميزت الهجرة في بلاد الجرمان بعدم الاعتراف بها من طرف الألمان إلى أن شكل المستشار الألماني السابق غيهارد شرودر لجنة الحوار الوطني حول الهجرة وأوكل رئاستها إلى اليمينية رئيسة البرلمان الألماني غيتا سيسموت والتي وضعت لبنات قانون هجرة طلائعي يعترف بحقوق المهاجرين. ويرجع الفضل إليها في دفع الألمان تدريجيا للاعتراف بأن بلدهم بلد هجرة، وأن الهجرة جزء من تاريخ ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. وكأنها بذلك تتبنى مقولة أب الآداب الألمانية المعلم غوته الذي سبق أن قال "شعب لا يعترف بغربائه مآله الزوال".

تقدر الاحصائيات أن عدد السكان الألمان من أصل أجنبي يصل إلى 15 مليون نسمة أي ما يعادل 20 في المئة من مجموع السكان. ويشكل مغاربة ألمانيا جزء من هذا التعدد الثقافي. وبالرغم من صعوبة تحديد أعدادهم في ألمانيا نظرا لتجنيس العديد منهم منذ إقرار ألمانيا قانون التجنيس، فإنه يمكن الحديث عن أعداد تتراوح ما بين  150 ألف و180 ألف نسمة. من دون شك أصبح العديد من المهاجرين ومنهم المغاربة جزء من المجتمع الألماني. ويرجع التواجد المغربي في ألمانيا إلى نصف قرن.

نصف قرن على الهجرة المغربية إلى ألمانيا

شكلت الاتفاقية المبرمة بين المغرب وألمانيا في العام 1963 الانطلاقة الحقيقية والرسمية للهجرة المغربية إلى ألمانيا. هذه الهجرة التي جاءت في إطار إعادة إعمار ألمانيا بعد الدمار الاقتصادي والعمراني الذي عرفته إبان الحرب العالمية الثانية. وتنص هذه الاتفاقية على جلب اليد العاملة المغربية إلى ألمانيا. حيث شكلت كل من ولايتي هيسن وشمال الراين شرق فاليا قبلة للعمال المغاربة التي احتظنتهم مناجم الغرب الألماني وشركات السيارات وصناعاتها المتعددة المنتشرة في عدد من المدن الألمانية. فإلى جانب أفواج الهجرة المغربية التي تشكلت في بدايتها من اليد العاملة الرجالية وبعدها الأفواج الأولى من النساء بداية عقد السبعينات، التحقت أيضا فئة الطلبة بداية منتصف الثمانينات بأفواج المهاجرين المغاربة. وشكلت مختلف أفواج هذه الهجرة تعددا وغنى. ويتمركز نحو 70% منهم في ولايتي هيسن وشمال الراين/فيستفاليا. هذا بالاضافة إلى أن نحو 91% من مغاربة ألمانيا حاصلونعلى الجنسية الألمانية. 

خمسون سنة على الهجرة المغربية في ألمانيا، هي مناسبة للوقوف عند هذه المحطة وعند المتغيرات التي عرفتها واثرت فيها. ما الذي تغير خلال نصف قرن على التواجد المغربي في ألمانيا؟ وما هي طبيعة التعايش بين المغاربة والألمان؟ وما هو تأثير الهجرة المغربية في ألمانيا على تطور البلدين؟ وهل من تأثير للمهاجرين في مد جسور التعاون بين ألمانيا كبلد للإستقبال والمغرب كبلد الأصل؟

وقد ارتأت شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا تخليد هذه الاحتفالية، سعيا منها على الوقوف على مجمل هذا التواجد وإبراز تعدده سواء من حيث تعدد أجياله أو جنسه.

وفي سياق الاحتفاء بهذه الذكرى ستكون المناسبة سانحة كما صرحت الدكتورة صورية موقيت رئيسة الشبكة "للوقوف على غنى وتجارب الهجرة المغربية في ألمانيا من خلال عدد من التظاهرات والأنشطة الفنية والثقافية ومد جسور التعاون بين ألمانيا والمغرب". 

وفي هذا الاطار فإن الشبكة انكبت على إعداد برنامج متكامل وغني للاحتفاء بذكرى مرور نصف قرن على هذه الهجرة. وقد صب  هذا الاحتفال في ثلاث محاور: الاعتراف أولا بمجهودات الهجرة المغربية في ألمانيا، خاصة الجيل الأول. وثانيا المساهمة في توثيق هذه الهجرة، أما البعد الثالث التي سعت الشبكة إلى الوصول إليه هو  تسطير استراتيجية مشتركة بين المغرب وألمانيا لتوطيد علاقات التعاون والشراكة بين البلدين. وكذا المساهمة من جهة في المجهود التنموي في المغرب كبلد الأصل ودعم سياسة الهجرة والاندماج في ألمانيا، بلد الاستقبال.

تعريف الشبكة

جاء تأسيس شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا في سياق التحول الذي عرفته الهجرة العالمية.  إنه التحول الذي انعكس على جمعيات الهجرة التي أصبحت تلعب دورا كبيرا في العشرية الأخيرة سواء في بلدان الاستقبال أو بلدان الأصل. إن الهجرة المغربية التي تتميز بالتنوع في الكم والكيف والانتشار لا تخرج عن هذا السياق. ففي زمن العولمة ومجتمع المعرفة أصبحت الهجرة وجمعياتها وسيطا أساسيا ومتكاملا بين دول الاستقبال ودول الأصل. إذ أن عددا من المهاجرين هم مواطنون متعددوا الهوية أو ما يعرف بمواطني هناك وهناك. وهذا ما يميز أيضا شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا من خلال تعددها وتنوعها سواء من حيث النوع أو من حيث تنوع المناطق التي ينحدر منها أعضاؤها سواء في ألمانيا أو في المغرب وكذا تعدد مجالات اشتغالها.

الحفل الرسمي

انطلقت الاحتفالية الرسمية لنصف قرن على الهجرة المغربية في برلين وذلك يومي  25 يونيو 2013 بمشاركة عدة شخصيات سياسية من ألمانيا والمغرب على رأسهم رئيس البرلمان الألماني ورئيس الكتلة البرلمانية الألمانية المغاربية والمبعوث الشخصي للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل لشؤون أفريقيا. ومن الجانب المغربي وزير الهجرة وممثلي عن مجلس الجالية المغربية في المغرب.

معرض حول الهجرة المغربية في ألمانيا

يسلط المعرض الضوء على الهجرة المغربية والذي أنجز تحت إشراف كل من الدكتور رحيم حجي والكاتب والاعلامي عبد اللطيف يوسفي والدكتورة صورية موقيت. ويعكس هذا المعرض التاريخ المتعدد لأوجه للهجرة المغربية إلى ألمانيا. وهي محاولة لتمثل قريب لواقع الهجرة المغربية في ألماني، ولحظة تكريمية لها. وذلك من خلال سبعة مجالات موضوعاتية تشمل عشرين بورتريه: للجيل الأول وأبناء المهاجرين و أوضاعهم التعليمية وحياتهم الدينية والثقافية والعمل التطوعي. هذا بالاضافة إلى مجال الأعمال. ويذكر أن هذا المعرض يأتي في سياق الاحتفالات بالذكرى الخمسين للهجرة المغربية في ألمانيا والتي تنظم بدعم من الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالجالية المغربية وبشؤون الهجرة ومجلس الجالية المغربية في الخارج.  

حفل أوبرالي: حجاية مغربية

وذلك بتعاون مع كونسرتو قصر كارلسروة بمشاركة كل من مليكة رياض وحياة الشاوي ومريم سابا وادريس الجاي. إنه مشروع يمزج فن الحكي الشرقي مع فن الموسيقى الأوروبية ليتحول هذا المزج إلى شكل تعبير فرجة خفيف وطريف.  لقد كان هذا المزج أسلوبا فنيا لفرجة تتراوح بين حكي غنائي خفيف وعرض بلغة حكي مباشرة. إنه أسلوب وطريقة الحكي ، الذي أقنع الجمهور. يضفي الجاي على حكايته حلة خيال جامح و يجعل الشخوص تصبح ذات شكل حي.

أيام السينما المغربية في فرانكفورت

شهد المسرح الدولي بفرانكفورت عرض أفلام لمبدعين سينمائيين مغاربة بمعدل فيلم في الشهر لتقريب الجمهور الألماني من الإنتاج السينمائي المغربي.  واعتبرت رئيسة شبكة الكفاءات المغربية في ألمانيا، صوريا موقيت، أن عرض فيلم مغربي في الشهر، مبادرة جيدة تروم التعريف بإنتاج المبدعين السينمائيين المغاربة في ألمانيا. وقال منسق "أيام السينما المغربية" عبد الكريم اعمارة، إن أفلام هذه التظاهرة تركز على موضوع الهجرة وعلى الصراع بين الأجيال، والمشاكل التي تعترض الأسر المهاجرة في بلدان الاستقبال.

كتاب حول الهجرة المغربية في ألمانيا

بتعاون مع معهد الدراسات حول الهجرة والتبادل الثقافي بجامعة أوزنابروك. وهو كتاب أكاديمي يتضمن مقالات وأبحاث لباحثين مغاربة وألمان تؤرخ لهجرة المغاربة إلى ألمانيا وتقف عند منجزاتها ونقط ضعفها.

كانت احتفالية نصف قرن على الهجرة المغربية في ألمانيا، مناسبة للتعريف بهذه الهجرة في العديد من المدن الألمانية والمغربية طيلة العام الماضي. وقد تضمنت عدة أنشطةً متنوعة اقترحتها شبكة الكفاءات المغربية بألمانيا بتنسيق مع المؤسسات الألمانية والمغربية، من بينها وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية والوكالة الألمانية للتعاون الدولي والمركز الدولي للهجرة والتنمية ومعهد الدراسات حول الهجرة والتبادل الثقافي بجامعة أوزنابروك. ومن المغرب كان الحضور قويا لوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالمغاربة المقيمين في الخارج ومجلس الجالية المغربية في الخارج وسفارة المملكة المغربية في برلين والبنك الشعبي ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين في الخارج.

عن موقع نون بريس

«أبريل 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
1234567
891011121314
15161718192021
22232425262728
2930     
Google+ Google+