الجالية العربية في إسبانيا

الجمعة, 10 يناير 2014

يقدم هذا الكتاب قراءة موسعة لأوضاع الجالية العربية في إسبانيا، وتطور الظروف الاجتماعية والاقتصادية لهذه الجالية والصعوبات التي تعترضها هناك.

يتناول الكتاب مسار الهجرة العربية إلى إسبانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ثم التطور العددي لأبناء الجالية، والإطار القانوني للهجرة العربية منذ انضمام إسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي، والتوزيع الجغرافي للجالية العربية.

كما يتناول موضوع مغاربة مدينتي سبتة ومليلية منذ بداية الهجرة إليهما إلى الوقت الحاضر، والأسباب التي تحول دون اندماجهم الاجتماعي والاقتصادي والديني.

مسار الهجرة وتوزيعها

يعتبر عبد السلام برادة أقدم مهاجر عربي في إسبانيا، وكان يمتلك محلا لمنتجات الصناعة التقليدية المغربية في إشبيلية، وتزوج من فتاة من عائلة عريقة في مدينة سيدونيا العريقة، وحافظ برادة على لباسه المغربي الذي كان يثير الإعجاب، وتمتع بشعبية كبيرة في المدينة.

تدخل هجرة عبد السلام برادة إلى إسبانيا في تلك المرحلة المبكرة في إطار هجرة البرجوازية الفاسية إلى أوروبا، ومع ذلك بقي عدد المغاربة المسلمين محدودا خلال تلك الفترة مقارنة بعدد المغاربة اليهود.

ولكن هجرة المسلمين تزايدت بعد فرض إسبانيا حمايتها على شمال المغرب عام 1912، وشجع القرب الجغرافي انتقال بعض التجار إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، كما ساعد القرب الجغرافي الطلبة المغاربة في الدراسة في الجامعات الإسبانية، ومن الطلبة الذين أصبح لهم شأن كبير بطل حرب الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي.

وإلى جانب التجار والطلبة، كانت إسبانيا موقعا ملائما لعمال البناء والمناجم، أما الجنود المغاربة فقد كانوا بكثرة في إسبانيا واستعمل بعضهم لقمع التمردات، لكن أهم هجرة للجنود المغاربة كانت -بحسب المؤلف- مع اندلاع الحرب الأهلية عام 1936، حيث انتقل ما بين سبعة آلاف إلى عشرة آلاف جندي مغربي إلى إسبانيا خلال ثلاث سنوات، وكانوا الأداة التي نجح من خلالها فرانكو في القضاء على الحكومة الشرعية.

وقد عمد فرانسيسكو فرانكو إلى التقرب من المغاربة المسلمين تحت عنوان محاربة الملحدين، وبحجة أن المسيحية والإسلام يؤمنون بإله واحد، وأدى بعض شيوخ الزاوية دورا في نشر هذه الدعاية، وأصبح اسم فرانكو يذكر في المساجد بكثير من التبجيل.

لكن إسبانيا بعد الحرب الأهلية أصبحت معزولة دوليا، ولذلك عمد فرانكو إلى فك هذه العزلة من خلال التقرب من الدول العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص، ودعم التعاون الثقافي مع الدول العربية، وخلال هذه المرحلة بدأت إسبانيا توجيه الدعوات للزعماء العرب لزيارتها، وكانت زيارة الملك الأردني عبد الله الأول عام 1949 انتصارا لسياستها العربية.

وقد أدت هذه العلاقة المميزة لوصول طلبة مشارقة من بلاد الشام، ثم ارتفعت هجرة السوريين بشكل خاص بعد أحداث حماة في ثمانينيات القرن الماضي، على أن أكبر الهجرات العربية إلى إسبانيا حدثت بعد انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي عام 1986، فقد وصل عددها عام 2011 إلى نحو ستة ملايين بنسبة 12% من عدد السكان.

وأمام هذا الزحف البشري الهائل كان لزاما إصدار قوانين خاصة بالهجرة، لكن هذه القوانين لم تمنع الهجرة السرية التي بدأت عام 1988، وعلى غرار الهجرة القانونية ينتمي المهاجرون السريون إلى شمال المغرب.

يقول المؤلف إن السواد الأعظم من الجالية العربية تمركز في أربعة أقاليم: مدريد، كتالونيا، فالينسيا، الأندلس، ويعود سبب التمركز في الإقليمين الأولين إلى فرص العمل المتوفرة خصوصا في البناء والأشغال المنزلية، وسبب التمركز في الإقليمين الآخرين هو فرص العمل التي يوفرها قطاعا السياحة والفلاحة.

وعلى امتداد تسعينيات القرن العشرين احتل المغاربة المرتبة الأولى من بين الأجانب، وفي ما يتعلق بالنشاط المهني يسجل لدى الجالية العربية أعلى نسبة من اليد العاملة، كما أدى استقرارهم في المناطق القروية إلى العمل في الفلاحة.

الجالية العربية

الرفض للأجانب في إسبانيا هو بمستويات كثيرة، لكن مع العرب يحضر -كما يقول المؤلف- وزن التاريخ والدين والثقافة، والسبب في ذلك هو ظاهرة معقدة ومركبة نجدها في المجتمع الإسباني دون غيره من المجتمعات الغربية، ألا وهي الموروفوبيا التي يتأكد منها أن قضية الأندلس انتهت من الناحية الكرونولوجية، لكن من الناحية العاطفية والنفسية ما زالت مستمرة.

غير أن جذور الموروفوبيا لا تعود إلى المرحلة الأندلسية فحسب كما يؤكد المؤلف، بل لها علاقة أيضا بمجموعة من الأحداث بعضها دموي عرفته العلاقات الإسبانية المغربية.

ومن أجل تقديم دراسة موضوعية لواقع العلاقة بين العرب والإسبان، اعتمد المؤلف حدثا معبرا وقع في بلدة إليخيدو بولاية ألمرية، وهذا الحدث مهما اختلفت حوله التفسيرات تبقى الموروفوبيا أحد أسبابه الرئيسية، وفق ما يرى المؤلف.

أما السبب المباشر الذي فجر الأحداث، فهو إقدام شاب مغربي مختل عقليا على اغتيال فتاة إسبانية في أحد أسواق البلدة التي كان يعيش فيها نحو 15 ألف مهاجر مغربي من مجموع سكانها البالغ ستين ألف نسمة.

وقد أدى الحادث إلى هيجان سكان البلدة، واحتشد نحو ثلاثة آلاف إسباني مسلحين بالسلاسل والعصي والقضبان الحديدية، وبدؤوا بملاحقة المغاربة والاعتداء على ممتلكاتهم.

وضمن بحثه عن رؤية الإسبان للعرب اعتمد المؤلف على استطلاعات الرأي الإسبانية التي بينت -خلال الفترة الممتدة من عام 1991 إلى 2000- حصول الجالية العربية على المرتبة الأخيرة في تقييم الإسبان للأجانب.

ويستكمل الكتاب الصورة من خلال رصد موقف الجالية العربية نفسها، حيث أكد 80% من المغاربة أنهم يشعرون بتمييز عنصري أثناء بحثهم عن عمل، و67% لديهم الإحساس نفسه أثناء بحثهم عن السكن.

ولذلك يعمد المغاربة إلى نسج علاقات اجتماعية مع العرب الآخرين والمهجرين من ثقافات أخرى، وبالرغم من ذلك، يعول المهاجرون العرب على الدولة ومؤسساتها، ففي استطلاع للرأي قال 72% من أفراد الجالية العربية الإسلامية إن إسبانيا تتمتع بدرجة كبيرة من الحرية مقارنة ببلدانهم الأصل.

مغاربة سبتة ومليلة

بدأت الهجرة المغربية إلى مليلة في منتصف القرن التاسع عشر، وكان أول من استقر فيها مجموعة من شبان القرى شكلت بهم إسبانيا ما سمي آنذاك بفيلق المغاربة الرماة في الريف، أما سبتة فتعود هجرة المغاربة إليها إلى ستينيات القرن التاسع عشر، وكان اليهود هم الأكثرية في حين اقتصر وجود المسلمين المهاجرين على الجزائريين الذين قدموا إليها برفقة الجنود الفرنسيين بعد الاحتلال الإسباني لوهران عام 1792.

وفي سبعينيات القرن التاسع عشر، بدأ المهاجرون المغاربة المسلمون بالاستقرار في سبتة، وبعد استقلال المغرب تزايد عدد المغاربة في سبتة ومليلة، وحافظ المهاجرون المغاربة على جنسيتهم المغربية.

وكان يتعذر عليهم في كثير من الحالات الحصول على وثائق تثبت هويتهم المغربية لعدم وجود مصالح مغربية في المدينتين، وفي الوقت نفسه كان يصعب عليهم الحصول على الجنسية الإسبانية بسبب العراقيل التي كانت تضعها السلطات.

وقد اضطرت إسبانيا بعد دخولها في الاتحاد الأوروبي إلى إصدار تشريعات تتماشى مع التشريعات الأوروبية في مجال الجنسية، الأمر الذي سمح لأغلب المغاربة بالحصول على الجنسية في سبتة ومليلة.

غير أن الحصول على الجنسية -يقول المؤلف- لم يمح التباعد الثقافي بين المغاربة والإسبان، ففي سبتة ظل المغاربة يعيشون في حي "بيرنسيبي" وفي مليلة عاشوا في حي "لاكانيادا دي لامويرتي".

بالنسبة للحياة الاقتصادية، استفادت سبتة ومليلة من امتيازات خاصة في المجال الضريبي بحكم إعفائهما من الضرائب، وتشتغل حوالي 50% من اليد العاملة في الوظائف العمومية، لكن حضور المغاربة فيها يكاد ينعدم، الأمر الذي يزيد حالة التوتر بين المغاربة والإسبان.

وأمام هذا الوضع لم يبق أمام المغاربة سوى التجارة، حيث يمتلكون معظم المحلات التي تبيع المواد الغذائية في المدينتين، فضلا عن عمليات التهريب من المغرب إلى سبتة ومليلة. وتستنزف تجارة التهريب الاقتصاد المغربي، إذ تصل قيمة الأموال التي تخرج من المغرب بطريقة غير قانونية لاقتناء السلع في سبتة ومليلة إلى حوالي مليار ونصف مليار يورو في السنة.

وبالنسبة للمستقبل السياسي للمدينتين، يرفض الحزبان الرئيسيان في إسبانيا (الشعبي والاشتراكي) فتح أي حوار رسمي مع المغرب، ومع ذلك يستعمل الحزبان الإسبانيان المدينتين كورقة انتخابية، كذلك الأحزاب المحلية تهتم بالناخب المغربي في المدينتين، وأهم هذه الأحزاب، حزب التحالف من أجل مليلة والحزب الديمقراطي السبتي.

لقد ساهم تزايد الأحزاب التي أسسها المغاربة في تحويل المغاربة في المدينتين إلى قوة انتخابية بفضل تزايدهم الديمغرافي وحصول أغلبيتهم على الجنسية الإسبانية، حيث يمثلون في الوقت الحاضر حولي 45% من الأصوات الانتخابية.

وفي ختام هذا الفصل ينبه مؤلف الكتاب إلى الهاجس السياسي لدى النخبة الحاكمة في إسبانيا من المدينتين، فبحسب تقارير استخباراتية إسبانية، يمثل التزايد الديمغرافي للمغاربة في سبتة ومليلة خطرا كبيرا على إسبانيا.

ويكمن التخوف -بحسب المؤلف- في توحد الأصوات المغربية وتكتلها حول حزب يمثلهم تكون له مطالب ترابية، خصوصا مع وجود تجارب مماثلة في إسبانيا مثل بلاد الباسك وكتالونياعن موقع الجزيرة نت

مختارات

«آذار 2024»
اثنينثلاثاءالأربعاءخميسجمعةسبتالأحد
    123
45678910
11121314151617
18192021222324
25262728293031
Google+ Google+