أعربت صحيفة “كوريري ديلا سيرا” بعد تفحص تقارير متعددة حول الديموغرافيا الإيطالية، عن قلقها من أن 6.4 مليون إيطالي يعيشون في الخارج، والهجرة تطال بشكل خاص الشباب من حملة الشهادات.
كشفت بيانات رسمية حديثة عن أزمة هجرة عقول حادة تعيشها إيطاليا، حيث يفوق عدد الإيطاليين المقيمين خارج البلاد عدد الأجانب المقيمين فيها. الأرقام الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء ومؤسسات بحثية متخصصة تشير إلى أن 6.4 مليون إيطالي يعيشون حاليا في الخارج، مقابل 5.5 مليون مهاجر داخل إيطاليا.
2024: سنة قياسية في الهجرة
سجلت إيطاليا رقما قياسيا جديدا في 2024، حيث اختار 155 ألف مواطن مغادرة وطنهم بحثا عن فرص أفضل في الخارج. وحذرت صحيفة “كوريري ديلا سيرا” الميلانية من أن “إيطاليا تفرغ من سكانها” في ظاهرة وصفتها بـ”الإيطالية النموذجية”.
الأكثر إثارة للقلق بحسب تقرير الصحيفة، وهي واحدة من الأكثر قراءة في هذا البلد البالغ عدد سكانه حوالي 59 مليون نسمة، هو أن الشريحة الأكبر من المهاجرين هم الشباب في سن الإنتاج. وفقا للمعهد الوطني للإحصاء، تنقل أن الفئة العمرية 18-34 سنة شكلت 48% من المغادرين، تليها الفئة 34-49 سنة بنسبة 38%. والأخطر أن حملة الشهادات الجامعية سجلوا أعلى نسبة زيادة في الهجرة (+46%) بين عامي 2022 و2023.
أسباب الهجرة: فوارق الرواتب وانسداد الأفق
تشير التقارير إلى عوامل متعددة تدفع الإيطاليين للهجرة، أبرزها تقرير مؤسسة الهجرة، المنشور في نوفمبر، الذي دعا إلى النظر إلى الظاهرة بعين ليست فقط كارثية، وأرجعها إلى: الفارق الهائل في الأجور، إذ مهندس معلوماتية إيطالي يتقاضى 34 ألف يورو سنويا، بينما نظيره البريطاني يحصل على 66 ألف يورو. والطبيب الفرنسي يكسب ضعف ما يتقاضاه زميله الإيطالي. يليها انسداد النظام، حيث تغلب هشاشة هيكلية في سوق العمل تتميز بالوظائف غير المستقرة، التفاوتات الإقليمية الصارخة، وغياب الاعتراف بالكفاءة والجدارة.
ومن اللافت أن مناطق الشمال الإيطالي الأكثر تطورا لم تعد قادرة على استقطاب أو الاحتفاظ بشبابها، ما يعكس عمق الأزمة.
وتؤكد الصحيفة على أن الهجرة الجماعية للخريجين الشباب كلفت الاقتصاد الإيطالي – وفقا لحسابات مؤسسة نوردست – 134 مليار يورو، حيث اضطرت الشركات الأكثر تطورا في كثير من الأحيان إلى مراجعة خططها التنموية تحديدا بسبب صعوبة إيجاد العمالة المناسبة. ومن المفارقات أن منطقتي لومبارديا وفينيتو هما الأكثر مساهمة في هذه الظاهرة. ويمثل العائدون أقل من ثلث المغادرين. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبحسب مؤسسة نوردست، مقابل كل شاب يختار الهجرة إلى إيطاليا، يختار ثمانية إيطاليين الطريق المعاكس.
تحذيرات من كارثة ديموغرافية
تاريخيا، تفاقمت الهجرة خلال الأزمة الاقتصادية 2011-2012، ثم توقفت مؤقتا بسبب جائحة كورونا، قبل أن تعاود الارتفاع بقوة منذ 2022. فيما التوقعات المستقبلية قاتمة، فبحلول 2050، قد تخسر إيطاليا 4.5 مليون نسمة إضافية، ليس بسبب انخفاض المواليد فقط، بل لأنها ستتحول من بلد جاذب إلى بلد طارد للسكان.
إيطاليا تواجه تحديا وجوديا يهدد نسيجها الاجتماعي والاقتصادي، في ظل استمرار نزيف العقول والكفاءات الشابة نحو دول توفر فرصا أفضل وأجورا أعلى.







