بقلم سيلفي لوسبيرغ
إذا كنـا نحتفـل رسـميا بمـرور سـتين عامـا عـى اتفاقيـة العمـل بـين المغـرب وبلجيـكا، فـإن حكايـة هـذه الجاليـة سـابقة عـلى ذلــك بكثــير، إذ تعــود إلى أواخـر القــرن التاســع عـشر. فخـلال الحــرب العالميــة الأولى ســقط كثــير مــن المغاربــة في ميــدان الـشرف عـى الأرض البلجيكيـة، وسـيقرر كثير مـن الناجين منهم البقـاء عـى تلـك الأرض. وفي 1930 كان هنـاك أكثر مـن ألـف مغـربي يعملـون في مناجـم الفحـم. وسـيحارب عـشرات الآلاف مــن المغاربــة القــوات النازيـة أثنــاء الحــرب العالميــة الثانيــة. وتضـم مقـبرة شاسـتر رفـات أغلـب القتى مـن القناصـة المغاربة الذيـن لقـوا حتفهـم في معركـة جومبلـو.

بعـد نهايـة الحـرب في 1945، جلبـت بلجيـكا، مـن أجـل إعـادة البنـاء، عـمالا مـن إيطاليـا عـلى الخصـوص، وقـد توقفـت هـذه
الهجـرة بعـد كارثـة غابـة كازييـه في .1956 حينهـا اسـتدارت بلجيـكا صـوب المغـرب مـن أجـل تدويـر اقتصادهـا بالسرعـة القصـوى خـلال «السـنوات الثلاثـين المجيـدة.» وقـد كان في قـدوم المغاربـة، الـذي أصبـح رسـميا بمقتـى اتفاقيـة 1964، مـا أتـاح كذلـك إعـادة إعـمار بلجيـكا بالسـكان. فالمغاربـة الذيــن قدمــوا إلى بلجيــكا كان 90 في المائــة منهــم عزابــا، وكانــت السياســة الديمغرافيـة للإدمــاج، القائمــة عـى التجمــع العائـلي، ترمــي إلى الاحتفــاظ بهـم عـلى الأرض البلجيكيـة عـبر إثنائهـم عـن البحـث عـن عمـل في دول صناعيـة أخـرى.
ويضـاف إلى المهاجريـن القادمـين مـن المغـرب نظراؤهـم العابـرون للحـدود (القادمـون مـن فرنسـا عـى وجـه الخصـوص) الذيـن اجتذبتهـم بلجيـكا بمـا تقدمـه مـن أجـور عاليـة في ظـروف عمـل أفضـل ومـن وقايـة اجتماعيـة توفـر حمايـة حقيقيـة بمزاياهـا الاجتماعيـة ومسـاعداتها العائليـة، بمـا في
ذلـك لفائـدة أفـراد الأسرة الماكثـين في المغـرب، ناهيـك عـن المعاشـات ومـا إليهـا. بيـد أن عـدد المغاربـة المشـغلين بمقتـى اتفاقيـة 1964 لم يتجـاوز 3500 عامـل.

ومـع ذلـك، كانـت ظروفهـم غـير مسـتقرة وأحيانًـا غـير كريمـة، حتـى وإن تحسـنت بفضـل برامـج الإعـلام والتكويـن وغيرها. وخـلال سـنوات السـتينات الذهبيـة، فقـد تـمَّ تسـليم مـا يزيـد عـى 125000 رخصـة عمـل بلجيكيـة، لكـن دائمـا لوظائـف غـير مؤهلـة. وسـيؤدي الإغـلاق التدريجـي لمناجـم الفحـم إلى تعليـق تشـغيل المغاربـة انطلاقـا مـن 1967، وإيقافـه رسـميا في .1974 وفي الآن ذاتـه قامـت الحكومـة بتسـوية إقامـة 9000 أجنبـي والاعـتراف بالديانـة الإسـلامية.
لقـد كان في الاحتفـال السـنوي بذكـرى اتفاقيـة 1964 فرصـة للباحثـين وأفـراد الجاليـة أن يسـلطوا الضـوء عـى قصـة العـمال المغاربـة في بلجيـكا، وهـي قصـة غنيـة مؤثـرة، تشـهد عـى مسـارات فرديـة وجماعيـة في آن واحـد، مـا بـين الانفصـال عـن الجـذور وبـين تثبيـت التجـذر.