كشفت منظمة العفو الدولية، في تحليل تقني مفصل، نشرته الأسبوع الماضي أن منصة التواصل الاجتماعي X (تويتر سابقا) ساهمت بشكل محوري في نشر روايات كاذبة ومحتوى تحريضي ضد المجتمعات المسلمة والمهاجرة في المملكة المتحدة، عقب حادث القتل المأساوي الذي وقع في بلدة ساوثبورت (شمال غربي البلاد) في 29 يوليوز 2024.
وخلال ساعات من الحادث، الذي أسفر عن مقتل ثلاث فتيات صغيرات وإصابة عشر أخريات، امتلأت منصة X بمعلومات مضللة حول هوية الجاني ودينه ووضعه القانوني، وهو ما وفر بيئة خصبة لازدهار خطاب الكراهية ضد المسلمين والمهاجرين، حسب المنظمة.
وكانت صحيفة تايمز البريطانية قد نشرت حينها: ” وما لبثت أن انتشرت تلك “الأكاذيب” بعد أقل من 24 ساعة وتحولت إلى أعمال عنف وصفتها الصحيفة بأنها واحدة من أسرع الحملات الإخبارية المزيفة وأكثرها فعالية في بريطانيا في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.”
خوارزميات تفضل الجدل على السلامة
أظهر تحليل العفو الدولية للشفرة مفتوحة المصدر الخاصة بمنصة X أن نظام التوصية القائم على التعلم الآلي يضع أولوية للمحتوى الذي يثير الغضب ويحفز التفاعلات، دون وجود آليات فعالة لتقييم الأضرار المحتملة أو منع انتشارها. وشددت المنظمة على أن هذا النهج سمح بانتشار الأكاذيب أسرع من المعلومات الموثوقة، خاصة إذا جاءت من حسابات مميزة أو تحظى بمتابعين كثر.
كما كشف التحليل عن تحيز خوارزمي لصالح مشتركي خدمة Premium (المعروفة سابقًا بـ”Blue”)، حيث يتم الترويج لمحتواهم تلقائيا، بغض النظر عن دقة المعلومات أو طبيعتها. واستخدمت وسوم مثل #Stabbing و#EnoughisEnough لنشر ادعاءات كاذبة بأن المهاجم مسلم أو طالب لجوء، ما غذى موجة من العداء ضد المهاجرين.
تصاعد خطاب الكراهية ضد المهاجرين
أحد أبرز الأمثلة على هذا التضخيم كان من خلال حساب “غزو أوروبا”، المعروف بمواقفه المعادية للإسلام والهجرة، والذي نشر فور وقوع الهجوم أن المشتبه به “مهاجر مسلم”. هذا المنشور وحده حصد أكثر من 4 ملايين مشاهدة. وفي غضون يوم واحد، وصلت المنشورات التي تصف الجاني زورا بأنه مسلم أو لاجئ أو مهاجر إلى نحو 27 مليون مشاهدة على X.
وفي السياق نفسه، أعاد إيلون ماسك، مالك المنصة، نشر تعليقات ومقاطع فيديو تضمنت روايات مضللة، منها تعليق مثير للجدل في 5 غشت 2024 على فيديو تحريضي، كتب فيه: “الحرب الأهلية حتمية”.
شخصيات متطرفة في الواجهة
ووفقا لتقرير منظمة العفو الدولية فقد استغل الناشط اليميني المتطرف تومي روبنسون، المحظور على معظم المنصات الأخرى، الأحداث لبث مزيد من التحريض ضد المسلمين، واصفا الإسلام بأنه “مشكلة تتعلق بالصحة العقلية”. ووفق العفو الدولية، حصدت منشوراته على X في الأسبوعين التاليين للهجوم أكثر من 580 مليون مشاهدة، وهو رقم غير مسبوق لشخصية مثيرة للجدل.
دعوات لحماية المجتمعات المستهدفة
أمام موجة العنف ضد المساجد وملاجئ اللاجئين والمناطق ذات الأغلبية الآسيوية والسوداء، دعا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى حماية المسلمين والمهاجرين، في وقت اتسعت فيه أعمال الشغب والهجمات. لكن رد ماسك على هذا النداء كان مثيرا للانتقادات، إذ كتب: “ألا ينبغي أن نشعر بالقلق بشأن الهجمات على جميع المجتمعات؟”، في تجاهل لخصوصية استهداف المسلمين في تلك المرحلة حسب تعبير المنظمة.
مطالبات بالمساءلة والتنظيم
أشارت العفو الدولية إلى أن تغييرات سياسات X منذ استحواذ ماسك في أواخر 2022، بما في ذلك تسريح فرق الإشراف، وإعادة حسابات محظورة، وحل مجلس الثقة والسلامة، ساهمت في زيادة المخاطر على المجتمعات الهشة، وخاصة المهاجرين والمسلمين.
وأكد التقرير أن فشل X في منع أو الحد من هذه المخاطر يعد إخلالا بحقوق الإنسان، ودعا إلى تطبيق صارم لقوانين مثل قانون السلامة على الإنترنت في المملكة المتحدة وقانون الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي، مع سد الثغرات التي تسمح باستمرار الأضرار الناتجة عن خوارزميات المنصة.
رد السلطات البريطانية
على المستوى القانوني، ردت السلطات بحملة اعتقالات لمتورطين في التحريض على العنف أو نشر معلومات مضللة عبر X ومنصات أخرى. بعضهم تلقى أحكاما بالسجن، في حين أكد تقرير برلماني بريطاني في يوليو 2025 أن نماذج أعمال شبكات التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل مباشر في تضخيم الروايات الكاذبة بعد هجوم ساوثبورت.
وختمت العفو الدولية تقريرها بالتأكيد على أن حماية المجتمعات المسلمة والمهاجرة تتطلب مساءلة المنصات الرقمية الكبرى عن تصميم خوارزمياتها، ووقف تغليبها للتفاعل المثير للجدل على حساب سلامة الفئات المستهدفة.