في تقرير هو الأول من نوعه حول اللجوء والهجرة، كشفت المفوضية الأوروبية عن قائمة الدول الأعضاء الأكثر تضررا من تدفقات المهاجرين، مصنفة إسبانيا وإيطاليا واليونان وقبرص ضمن الدول “الخاضعة لضغط هجري”، ما يفتح الباب أمام تطبيق آلية تضامن جديدة تهدف إلى إعادة توزيع طالبي اللجوء أو تقديم مساهمات مالية من باقي الدول الأعضاء.
ووفقا للتقرير، فقد سجلت هذه الدول خلال السنة الماضية معدلات مرتفعة لوصول المهاجرين، بما في ذلك الذين تم إنقاذهم في البحر، وهو ما اعتبرته المفوضية “ضغطا غير متناسب” مقارنة بباقي دول الاتحاد، يستوجب تدخلا تضامنيا أوروبيا، بحسب ما نشره موقع “أورو نيوز” ليلة أمس.
آلية التضامن الأوروبية: دعم مشترك وتوزيع أكثر إنصافا
ويهدف هذا التصنيف إلى تمكين هذه الدول من الاستفادة من آلية التضامن الأوروبية، عبر إعادة توزيع طالبي اللجوء على باقي دول الاتحاد أو تقديم مساهمات مالية تعويضية.
وفي هذا الإطار، اقترحت المفوضية إنشاء “احتياطي سنوي للتضامن” ابتداء من عام 2026، يحدد عدد الأشخاص الواجب إعادة توطينهم، إضافة إلى المبالغ المالية التي يتعين على كل دولة تخصيصها أو أداؤها بدل استقبال المهاجرين. وينتظر أن يتم الحسم في تفاصيل هذا الاحتياطي قبل نهاية العام الجاري، على أن يتم اعتماد القرار النهائي بالأغلبية المؤهلة داخل الاتحاد الأوروبي.
وقد حدد الحد الأدنى لصندوق التضامن في 30 ألف عملية إعادة توطين و600 مليون يورو كمساهمات مالية.
فئة الدول المهددة بالضغط الهجري
إلى جانب ذلك، أدرج التقرير 12 دولة أخرى ضمن فئة “المهددة بالضغط الهجري”، من بينها فرنسا وألمانيا وبلجيكا وبولندا وفنلندا. وستبقى هذه الدول ملزمة بالمساهمة في جهود التضامن، مع إمكانية مراجعة وضعها لاحقا لتفادي أعباء غير متكافئة.
أما المجموعة الثالثة، فتضم دولا تواجه “وضعا هجريا مهما” مثل النمسا وجمهورية التشيك وبلغاريا، وهي مؤهلة لطلب إعفاء جزئي من التزامات التضامن، شرط موافقة المفوضية الأوروبية وبقية الأعضاء.
رفض من دول شرق أوروبا
ويأتي هذا التقرير في إطار تفعيل “الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء” الذي تم اعتماده عام 2024، ويهدف إلى إرساء نظام تضامن إلزامي يضمن تقاسم المسؤوليات بين دول الاتحاد بصفة أكثر عدلا وفعالية.
غير أن هذا المسار يواجه رفضا من دول شرق أوروبا، وعلى رأسها المجر وبولندا وسلوفاكيا، التي أعلنت حكوماتها صراحة أنها لن تشارك في استقبال المهاجرين أو المساهمة ماليا ضمن هذه الآلية. وقد كتب رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك على منصة “إكس”: “بولندا لن تستقبل مهاجرين في إطار ميثاق الهجرة، ولن تدفع مقابل ذلك.”
السياق المغربي في ضوء التقرير الأوروبي
يتزامن صدور هذا التقرير الأوروبي مع الدور المحوري والمتنامي للمغرب في إدارة قضايا الهجرة على المستويين الإقليمي والدولي، إذ تعد المملكة بلد عبور واستقرار لعدد متزايد من المهاجرين، خصوصا القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، كما أنها شريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي في ملفات الهجرة والأمن الحدودي والتنمية المشتركة.
وقد عزز المغرب تعاونه مع الاتحاد الأوروبي عبر اتفاقيات متعددة تشمل مكافحة الاتجار بالبشر، مراقبة الحدود، ودعم العودة الطوعية، إلى جانب برامج إنمائية تستهدف المناطق الأكثر تأثرا بالهجرة.
وينظر إلى المغرب اليوم كـ فاعل متوازن يجمع بين البعد الإنساني للهجرة ومتطلبات الأمن الإقليمي، إذ يدعو باستمرار إلى مقاربة شمولية عادلة تتقاسم فيها الدول المصدرة والمستقبِلة والعبور المسؤولية المشتركة، في إطار من التضامن الدولي والتنمية المشتركة.
وتنسجم هذه الرؤية مع روح الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء، الذي يسعى بدوره إلى توزيع أكثر إنصافا للأعباء داخل الاتحاد الأوروبي، بما يعزز منطق الشراكة والمسؤولية المشتركة في مواجهة التحديات الهجرية العالمية، ما يجعل المملكة شريكا لا غنى عنه في بناء سياسة أوروبية أكثر توازنا وعدلا في تدبير قضايا الهجرة واللجوء.








