أصدر المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات (ألمانيا وهولندا) دراسة جديدة أعدتها الباحثة “أندي فليمستروم” من جامعة ستوكهولم، ترصد العلاقة المعقدة بين الهجرة والتطرف في السويد، والسياسات المتبعة لمواجهة المخاطر. الدراسة تكشف أن البلاد تقف أمام معادلة صعبة: الحفاظ على انفتاحها التقليدي في ملف اللجوء مع مواجهة تهديدات أمنية متنامية.
تدفقات الهجرة وتغير السياسات
منذ عام 2015، برزت السويد كإحدى أكثر الدول استقبالا للاجئين قياسا بعدد السكان، خصوصا من مناطق النزاع في سوريا والعراق وأفغانستان. لكن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية دفعت لاحقا إلى تغييرات جذرية في سياسات اللجوء، شملت تقليص منح الإقامات وتشديد لـمّ الشمل. ورغم أن هذه الخطوات هدفت إلى ضبط التدفقات، إلا أنها زادت من صعوبات الاندماج، ما أوجد بيئات هشّة قابلة للاستغلال من قبل شبكات التطرف.
كيف يتقاطع التطرف مع الهجرة؟
تشدد الدراسة على أن الهجرة لا تؤدي بذاتها إلى التطرف، لكن عوامل مثل البطالة، العزلة الاجتماعية، التمييز، ونقص الفرص التعليمية، قد تدفع بعض الشباب نحو الاستقطاب من طرف الجماعات المتطرفة – سواء عبر الإنترنت أو في الأحياء الهامشية – إذ تستغل هذه الظروف لترويج سرديات المظلومية والظلم، خصوصا عند اندلاع أزمات دولية تمس بلدان المهاجرين الأصلية.
صورة التهديد في السويد
تقديرات جهاز الأمن السويدي (Säpo) بين 2023 و2025 أظهرت ارتفاعا نسبيا في المخاطر، مع بروز شبكات صغيرة تعمل على تجنيد شباب في مناطق ذات كثافة مهاجرة، إلى جانب محاولات لتمويل الإرهاب عبر قنوات مالية محلية ودولية. كما يُطرح ملف العائدين من مناطق النزاع باعتباره تحديا أمنيا وقانونيا واجتماعيا قائما.
التدابير الوطنية لمواجهة الخطر
تستعرض الدراسة مجموعة من السياسات السويدية الراهنة، أبرزها فيما يخص الأمن والاستخبارات: مراقبة المجموعات المتطرفة، متابعة السجون، التنبيه المبكر، والتنسيق مع الشرطة والأجهزة الأوروبية. وما يتعلق بالتشريعات: تشديد قوانين الإقامة واللجوء، تسهيل الطرد والترحيل لمن يهددون الأمن. كما اتبعت في مكافحة التمويل سياسة تطبيق معايير FATF على البنوك ومؤسسات تحويل الأموال لمنع استغلالها.
اعتمدت السويد أيضا برامج الاندماج منها مبادرات تشغيل الشباب، والتدريب المهني، ودعم التعليم، ومكافحة المحتوى المتطرف عبر الإنترنت، وعززت سياساتها بالتعاون الدولي، بتبني مشاركة فاعلة في يوروبول وتبادل معلومات استخبارية مع دول الاتحاد الأوروبي.
ثغرات قائمة وتحديات مستمرة
رغم هذه الجهود، تحذر الدراسة من أن تشديد قوانين الهجرة قد يعزز شعور الإقصاء، ويُعمّق شعور المهاجرين بالتمييز، وهو عامل قابل للاستغلال في التجني، كما أن تفاوت قدرات البلديات يخلق “مناطق هشاشة” قابلة للاستغلال. كما يشكل المحتوى الرقمي المتطرف عبئا متزايدا على الموارد الأمنية، وتضاف إليها ثغرة: ملف المقاتلين العائدين الذي يحتاج إلى إطار أكثر وضوحا بين المعالجة القانونية وإعادة التأهيل.
توصيات وتوقعات مستقبلية
توصي الباحثة بضرورة الجمع بين صرامة أمنية وبرامج اندماج قوية، وتشمل توفير فرص تعليمية ومهنية للشباب، تعزيز الرقابة على التمويل المشبوه، تحسين التدخلات المجتمعية، وتطوير آليات التعاون الأوروبي.
أما على صعيد المستقبل، فترجّح الدراسة أن تتجه السويد نحو مزيد من التشدد في قوانين الهجرة تحت ضغط صعود اليمين الشعبوي، ما قد يقلل تدفق المهاجرين لكنه يضاعف تحديات اندماج المقيمين. في المقابل، يعاني المجتمع السويدي من شيخوخة سكانية ونقص اليد العاملة، ما قد يدفع إلى سياسات أكثر انتقائية للهجرة مرتبطة بالاقتصاد.
وتلفت الدراسة إلى أن التهديدات لن تقتصر على التطرف، بل ستشمل أيضا اليمين المتطرف المحلي، في معادلة قد تخلق دوائر عنف متبادلة وتزيد من خطورة الاستقطاب المجتمعي.
ترى الدراسة أن نجاح السويد في السنوات المقبلة سيتوقف على قدرتها على تحقيق توازن دقيق بين حماية الأمن الوطني وضمان حقوق المهاجرين، إذ الفشل في هذا التوازن قد يؤدي إلى تصاعد التوترات الاجتماعية وتنامي التطرف، بينما النجاح قد يجعل السويد نموذجا أوروبيا في إدارة التنوع والهجرة ضمن بيئة مستقرة