قال إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، إن هجرة الشباب غدت ظاهرة عولمية، وإن ثمة مسارات هجرة طويلة للشباب تصل أحيانا إلى سنوات من المغامرة والمخاطرة في طريقهم إلى فضاءات جغرافية يسعون إلى الوصول إليها، وأن هذه الحركية بالنسبة لملايين الشباب أصبحت ظاهرة لا يمكن الوقوف في وجهها، لأن الهجرة تداعب مخاييلهم الجمعية بسبب “النماذج المحلوم بها” التي يروج لها الإعلام والإعلام الجديد.
وأضاف رئيس المجلس، في مداخلته في المائدة المستديرة حول “المهاجرين القاصرين غير المرافقين في إسبانيا”، التي نظمتها جامعة غرناطة، بشراكة مع مجلس الجالية المغربية في الخارج، في إطار الأسبوع الثقافي المغربي في الجامعة، المنظم بين 19 و23 ماي الجاري، أن هناك عوامل موضوعية تدفع الشباب إلى خوض مغامرة الهجرة، وفي مقدمتها السعي إلى الترقي الاجتماعي أو مساعدة الأسرة على الخروج من وضعية الفقر والضوائق الاقتصادية والهشاشة الاجتماعية، غير أن تأثير ثقافة الاستهلاك وحلم الشباب بالمواطنة العالمية يعدان من العوامل المهمة أيضا في تفسير الظاهرة وفهمها، لافتا إلى أن نسبة المهاجرين الشباب، على الرغم من كل ذلك، تبقى قليلة جدا قياسا إلى عدد الشباب الذين يفضلون البقاء في بلدانهم، ضاربا المثال بالشباب الأفارقة والمغاربة.
وشدد إدريس اليزمي على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية حقوق المهاجرين القاصرين غير المرافقين، مذكرا بأن عالم اليوم يفتقد العدالة والشعور بالمعاناة الإنسانية، ومثمنا ما اعتبره تحالفا حقوقيا دوليا للدفاع عن حقوق الأطفال، ممثلا في المؤسسات الأممية والمنظمات الدولية وغيرها.
وقد اختتم رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج مداخلته بالتأكيد أن إسبانيا والمغرب يمكنهما تقديم تجربة رائدة وملهمة على المستوى الدولي في تحويل الهجرة غير القانونية للشباب إلى هجرة قانونية وآمنة، معربا عن ثقته بإمكانية تحقيق ذلك.
من جهتها، قالت المحامية ماريا خوانا بيريز أولير، نائبة أمين المظالم “المدافع عن الشعب” في الأندلس، إن القاصرين المهاجرين غير المرافقين في إقليم الأندلس يعيشون وضعية الهشاشة، داعية إلى مضاعفة الجهود من أجل مواجهة هذه الإشكالية، وتبني مقاربة متكاملة تجعل لحماية الطفولة الأولوية على مواجهة الهجرة غير القانونية، وتمكن الأطفال المهاجرين غير المرافقين من جميع الحقوق التي يتمتع بها الأطفال الإسبان.
وأضافت ماريا بيريز بأن السياسات العمومية حول الأطفال ينبغي أن تأخذ في الاعتبار الأطفال المهاجرين غير المرافقين، وأن هناك حاجة إلى مراجعة نموذج الحماية المعتمد في إسبانيا من أجل ضمان حماية الأطفال المهاجرين غير المرافقين، مشيرة إلى أن عدم كشف السلطات المختصة عن عدد المهاجرين القاصرين غير المرافقين يصعب أمر معالجة الإشكاليات المرتبطة بالظاهرة.
وفي السياق ذاته، قالت ماريا أنخيليس كاستانيو مادرونال، الأستاذة الباحثة في قضايا الهجرة في جامعة إشبيلية، إن عدم الإعلان الواضح عن عدد المهاجرين القاصرين غير المرافقين أمر آن وقت القطع معه، مشيرة إلى أن عدد الأطفال المفقودين في أوروبا يقدر بالآلاف، ومعتبرة أن وقوع هذا الأمر في الاتحاد الأوروبي يعد بمثابة فضيحة لكيان يخاف من الهجرة، ويضع أحد أكبر الحدود في العالم للحيلولة دونها، على الرغم من شيخوخته التي تحتم عليه اللجوء إليها والاستنجاد بها.
وربطت كاستانيو “جيبوليتك الهجرة” في حوض المتوسط بالسياسات الكولونيالية الأوروبية، محملت إياها جزءا أساسيا من المسؤولية في خلق أسباب الهجرة والهجرة غير القانونية.
أما إيفانخيليا لانيز مارتينيز، مديرة مركز حماية المهاجرين القاصرين غير المرافقين في غرناطة، فقد ذهبت إلى أن هؤلاء الأطفال كثيرا ما يتحولون بسرعة إلى “راشدين” بسبب معاناة الهجرة وما شاهدوه من أهوال بما في ذلك موت رفاق الطريق، داعية إلى عدم التخلي عنهم بعد بلوغ 18 سنة، ومطالبة بدعمهم ومرافقتهم وحمايتهم.
وأضافت مارتينيز بأن التمدرس حق مكفول للمهاجرين القاصرين غير المرافقين، غير أن الدروس التي يتلقونها والمستويات الدراسية التي يتوقف معظمهم دون تجاوزها لا توفر لهم الحماية في المستقبل، لأنها لا تؤهلهم لسوق الشغل. كما أشارت إلى ظاهرة تأنيث الهجرة غير القانونية، لافتة إلى أن الإناث المهاجرات تعانين من مشاكل مختلفة، وأنهن معرضات للخطر والاستغلال أكثر من الذكور.
جدير بالذكر أن هذه المائدة المستديرة هي الثالثة ضمن اللقاءات العلمية التي نظمت في إطار أسبوع الثقافة المغربية في جامعة غرناطة بعد الندوة الافتتاحية التي عقدت يوم الإثنين، وتناولت موضوع “المشترك بين الثقافتين المغربية والإسبانية، بين الماضي والحاضر”، التي أدارها عميد مدراء شبكة معاهد سيرفانتيس أنطونيو خيل، وشارك فيها الممثل والكاتب الشهير والباحث في تاريخ الأندلس، أستاذ القانون في جامعة قرطبة، أنطونيو مانويل رودريغيز راموس، ومحمد بنصالح، أستاذ التاريخ والفكر السياسي والدراسات الثقافية، المكلف بمهمة في مجلس الجالية المغربية في الخارج، وخوان أنطونيو ماسياس أموريتي، مدير قسم الدراسات السامية في جامعة غرناطة.
أما الندوة الثانية فكانت بمثابة لقاء لمبدعين من مغاربة إسبانيا بطلبة جامعة غرناطة، شاركت فيه الروائية ليلى قروش، والروائية كريمة زيالي، والروائي محمد حمو.
وفضلا عن ذلك، يتضمن برنامج الاحتفالية تقديم عروض فنية في مجال الموسيقى المغربية، وعروض القفطان المغربي، وورشات تعليمية وتكوينية، ودورات في الطبخ المغربي.
وتختتم فعاليات أسبوع الثقافة المغربية في جامعة غرناطة، مساء يوم الجمعة في مكتبة الأندلس، بعرض الفيلم المغربي “كذب أبيض” الفائز بالجائزة الكبرى (النجمة الذهبية) لمهرجان مراكش الدولي للفيلم، مع جلسة نقاشية مع مخرجته أسماء المدير، الفائزة بجائزة أفضل إخراج في مسابقة “نظرة ما” بمهرجان كان السينمائي الدولي في دورته 76 سنة 2023.
ويأتي هذا الاحتفاء بالثقافة المغربية في غرناطة، اعتبارا للعلاقة الوثيقة بين الثقافتين المغربية والإسبانية، وفي سياق العلاقات المتميزة بين المغرب وإسبانيا والتراكمات الإيجابية المهمة التي تحققها هذه العلاقات، والدور الذي يمكن أن تضطلع به الثقافة في تقويتها.