في إطار تشديد سياستها لمكافحة الهجرة غير النظامية، اتخذت المملكة المتحدة قرارا جديدا أكثر صرامة يتمثل في استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي للتحقق من أعمار المهاجرين القصر الذين يصلون إلى بريطانيا لمحاولة في محاولة لمنع البالغين من الادعاء بأنهم أطفال.
أشارت وزيرة أمن الحدود واللجوء، “أنجيلا إيغل”، في بيان مكتوب للبرلمان، إلى أن المسؤولين سيبدؤون في استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في تقدير أعمار طالبي اللجوء الذين يصرّحون بأنهم قاصرون، موضحة أن الحكومة ستجرب تقنية تعتمد على ملامح الوجه لتحديد عمر الشخص.
وقالت الوزيرة إن “الذكاء الاصطناعي مُدرَّب على ملايين الصور الوجهيّة لأشخاص معروفة أعمارهم بدقة وقادر على تقديم تقدير للعمر بدرجة معروفة من الدقة بالنسبة لشخص مجهول أو موضع خلاف بشأن عمره”.
وأضافت “ميغل”: “في الحالات التي لا يكون فيها العاملون في تقييم العمر متأكدين مما إذا كان الشخص يبلغ من العمر أكثر أم أقل من 18 عاما، أو لا يصدقون السن الذي يدعيه، فإن تقدير العمر عبر ملامح الوجه يوفر وسيلة سريعة وبسيطة نسبيا لمقارنة أحكامهم بالتقديرات التي تُنتجها التقنية”.
في طور التجريب.. الانطلاقة بعد عام
وتشرف الوزيرة على إطلاق مشروع تجريبي لاختبار هذه التقنية تمهيدا لدمجها في عمليات التحقق الرسمية من العمر خلال العام المقبل.
وأعلنت الحكومة أنها ستقوم بتجربة هذه التكنولوجيا قبل الإطلاق المتوقع لها في عام 2026، وسيتم طرح مناقصة لمزوّدي هذه التقنية في شهر غشت.
وكانت وزيرة الداخلية السابقة، “بريتي باتيل”، قد أعلنت في يوليوز 2022 نية الحكومة البريطانية تعديل القوانين في المملكة المتحدة لإدخال وسائل علمية جديدة لتقييم أعمار طالبي اللجوء تكون “متماشية مع المعايير المعتمدة في دول أخرى”.
أخطاء تتسبب في “تدهور الصحة النفسية” للاجئين
وقد أُعلن عن هذا القرار في اليوم نفسه الذي نشر فيه “ديفيد بولت”، المفتش العام لشؤون الحدود والهجرة، تقريرا شديد الانتقاد للطريقة العشوائية التي يتم بها تقدير أعمار الوافدين الجدد القاصرين. إذ كشف التقرير التابع للحكومة عن وجود حالات صُنِّف فيها مهاجرون بالغون على أنهم أطفال، وحالات أخرى صُنِّف فيها أطفال عن طريق الخطأ على أنهم بالغون.
وقد أشار تقرير “بولت” إلى أن الصحة النفسية لطالبي اللجوء من الشباب “تتدهور بسبب إخفاقات نظام التحقق من العمر”، وخصوصا في مدينة دوفر حيث يتم التعامل مع الوافدين عبر القوارب الصغيرة. ما قد يُجبرهم على مشاركة الغرف مع بالغين غرباء، وكذلك الخطر المقابل عندما يُقيَّم بالغ عن طريق الخطأ على أنه طفل ويوضع مع أطفال آخرين.
وأضاف: “لقد استمعت إلى شبّان شعروا بأن وزارة الداخلية لا تصدقهم وتتجاهلهم، وقد تحطمت آمالهم وتدهورت صحتهم النفسية”.
وانتقد التقرير، كذلك، استخدام وزارة الداخلية لـ”خصائص جسدية عامة” وعدم أخذ “الظروف الفردية للشخص الشاب” بعين الاعتبار. موضحا أن بعض المهاجرين وقّعوا على استمارات “إقرار بالعمر” دون أن يفهموا جيدا ما الذي يوقعون عليه، بعد رحلاتهم الطويلة والشاقة غالبا. وقد أدى ذلك إلى حصول خلافات لاحقة بشأن أعمارهم.
وتتطابق نتائج هذا التقرير مع تقرير صادر عن مجلس اللاجئين، كشف أن ما لا يقل عن 1300 طفل تم تصنيفهم عن طريق الخطأ على أنهم بالغون خلال فترة امتدت لـ18 شهرا.
التكنولوجيا في خدمة الحكومة
قال مصدر رفيع في وزارة الداخلية، حسب “بي بي سي”، إنهم يأملون في “الاستفادة من قوة القطاع الخاص” من خلال العمل مع شركات “تستثمر في مجال الذكاء الاصطناعي بمليارات الدولارات”.
وتستخدم وزارة الداخلية الذكاء الاصطناعي في مجالات أخرى، مثل المساعدة في كشف الزيجات الصورية، إلا أن هذه الأداة تعرضت لانتقادات لأنها تركز بشكل غير متوازن على جنسيات معينة.
خطوات أكثر صرامة في إدارة ملف الهجرة
وتأتي هذه الخطوة في إطار سلسلة من الإجراءات التي أقرتها المملكة المتحدة من أجل تشديد سياستها ضد المهاجرين. فقد أعلنت سابقا على لسان رئيس الحكومة، “كير ستارمر” عن خارطة طريق تتضمن “إجراءات جذرية” تهدف إلى تقليص أعداد المهاجرين في السنوات الأربعة القادمة. وقد جاء في الكتاب الأبيض أنه سيتم تعديل شروط الحصول التلقائي على الإقامة والجنسية لتصبح بعد عشر سنوات من الإقامة، بدلاً من خمس حاليا، مع تعزيز إجراءات التنفيذ للعمال ذوي المهارات العالية مثل الممرضين والأطباء والمهندسين والمتخصصين في الذكاء الاصطناعي.
وقد انخفض عدد المهاجرين القادمين من الاتحاد الأوروبي بشكل حاد بعد “بريكست”، إلا أن القواعد الجديدة لمنح التأشيرات وزيادة أعداد الطلاب الأجانب ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من أوكرانيا وهونغ كونغ أدت إلى ارتفاع إجمالي الهجرة في السنوات الأخيرة.
وقد قامت المملكة المتحدة بالعديد من الاتفاقيات للحد من ارتفاع عدد المهاجرين لعل آخرها الاتفاق مع فرنسا والذي غرف باتفاق “واحد مقابل واحد” الذي ينص على إعادة المهاجرين الذين وصلوا إلى المملكة المتحدة على متن قوارب صغيرة إلى فرنسا، مقابل التزام لندن باستقبال مهاجر موجود في فرنسا يعبّر، من خلال منصة إلكترونية، عن رغبته في الإقامة في المملكة المتحدة ويُثبت وجود روابط عائلية تربطه بها. وقد لاقى هذا الاتفاق انتقادا واسعا. كما أعلنت، بريطانيا في ماي عزمها إنشاء “مراكز عودة” خارج حدودها لطالبي اللجوء المرفوضين.