محمد عسيلة: مغاربة ألمانيا وقضايا الاندماج في المجتمع الألماني

يتطرق الحوار الذي أجرته البوابة الإلكترونية لمجلس الجالية المغربية بالخارج مع محمد عسيلة، المستشار في شؤون الاندماج إلى قصة تتويجه للمرة الثانية على التوالي بجائزة الاندماج في ألمانيا، وإلى الأعمال التي يرجع لها الفضل في هذا التتويج.

كما تحدث أستاذ تعليم اللغة العربية والحضارة المغربية في هذا الحوار عن أهم المنطلقات التي اعتمدها في التأسيس العملي لمسألة الاندماج، وعن دور انخراطه في العمل الجمعوي في تكريس الاندماج في أوساط الجالية المغربية، وعن وضعية واندماج مغاربة ألمانيا في المجتمع الألماني، وعن أبرز خصاص الأجيال الجديدة من مغاربة ألمانيا، وكذا التحديات التي يواجهها الشباب المنحدر من الهجرة المغربية.

وفيما يلي نص الحوار:

في البداية من هو محمد عسيلة، وما هي الدواعي التي تحكمت في هجرتك إلى ألمانيا؟

أنا من مواليد مدينة الرباط في 27 ماي 1963، تربيت في بيت محافظ فقير على يد أب فَقِيه رحمة الله عليه سعى إلى تحفيظي القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية منذ السنين الخمس الأولى.

نظرا لظروف الحياة القاسية وقلة اليد كنت أسعى إلى الدراسة والبحث عن فرصة للعمل مع محاولة الحفاظ على استكمال دروسي وتكويني الجامعي. كان حلمي أن أصبح أستاذا جامعيا. كانت هذه المهنة: مهنة التدريس والتعليم تستهويني كثيرا؛ وعلى هذا الأساس تقدمت لامتحانات ولوج المعهد التربوي للأساتذة بالقنيطرة بعد حصولي على دبلوم الدراسات الجامعية العامة DEUG ونجحت في الامتحانات الكتابية والشفوية بامتياز لولوج المعهد.

وبالموازاة مع ذلك كنت قد تقدمت بطلب للدخول في تجربة واعدة هي الأولى من نوعها آنذاك في سنة 1985 تصدرتها وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية في عهد الوزير الأسبق  الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري حيث كانت زيارة المرحوم الملك الحسن الثاني، إلى الديار الفرنسية ومطالبة أفراد الجالية في لقاء تواصلي مع جلالته آنذاك بمعلّمين شباب يتقنون لغة البلدان المستقبلة ولهم من التواصل والكفاءة ما يجعلهم يتقلدون مهمة تدريس اللغة العربية والحضارة المغربية بامتياز؛ فكان نصيبي ألمانيا الفدرالية بعد اجتياز مع بقية زملائي  تكوين خاص ومركز حول الكفاءات التربوية والتعليم وفنون الخطابة والتواصل واللغة الإنجليزية وبعدها بمعهد جوته للغة الألمانية.

وحملت في غشت 1986 حقيبتي وبعضا من كتبي وذكرياتي وتوجهت مودعا أسرتي الصغيرة إلى مطار محمد الخامس وكل آمال في أن أتحمل وأقوم بهذه المهمة الشريفة على أحسن وجه. 

 تم تتويجك للمرة الثانية على التوالي بجائزة الاندماج في ألمانيا، ما هي الأعمال التي يرجع لها الفضل في هذا التتويج؟

بادئ ذي بدء أهدي هذين التتويجين الأول والثاني بالجائزة الأولى للاندماج إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

إن مساهماتي وانخراطي في العمل داخل المنظومة التربوية والاجتماعية مع المؤسسات الألمانية بعدما قضيت الليالي في التحصيل وتلقيت تكوينا إضافيا في المعاهد الألمانية في العلوم التربوية ومجال تقديم الاستشارة والحوار والمثاقفة نابعة من قناعات صادقة ومسلمات ونابعة من إيمان راسخ أدين به لوطني الذي علمني وأنفق علي أموالا طائلة من أجل أن أكون مواطنا صالحا وأدين به لملكي الذي أوصاني بأن أكون خير سفير ومدافع على قضايانا الوطنية ومدين به كذلك لإخواني و أخواتي من أفراد الجالية المغربية الذين احتضنوني  وجعلوني  فردا من أفراد أسرتهم منذ أول يوم وإلى غاية كتابة هذه السطور ومدين به كذلك لهذا البلد والذي حصلت منه على الجنسية الألمانية وحفظ لي كرامتي ووفر لي كل سبل العيش الكريم وكل البنيات لتقوية معارفي وتوسيع إدراكي وها هو يعترف بمجهوداتي بأريحية وبنكران الذات للمرة الثانية في مدينتي مركز اشتغالي وعملي ولله الحمد.

إدراكي لهذا ووعيا به جعلني أواجه كل التحديات وأدخل في صراع مرة وحوارات مرات أخرى لمأسسة وجود مغربي متفاعل مع المحيط بشكل حداثي وسامي بعيد عن الفلكلورية والجمود والاستهلاك الأحادي الاتجاه -مأسسة لوجود مغربي نؤكد فيه على مبادئنا وأصولنا وتشرئب فيه أعناقنا إلى استشراف العلم والمعارف والتواصل مع الآخر كجزء منا ونحن منه دون خلق أو إيجاد تقاطع أو بتر ايبيستمولوجي أو وجودي مبني على الخوف أو التخويف ويدفع إلى الصراع حول مفاهيم القيم ومن نحن وهل نحن ضيوف أم مواطنون مقيمون!!

فقراءتي للواقع كانت منذ أزيد من ربع قرن كلية وشمولية وبهذا لم ترتكز أعمالي على أعمال خيرية محضة في اتجاه أحادي بل حاولت خلق سياقات وفضاءات تواصلية تُحتَرم فيها الاصول والمرجعيات الدينية والثقافية والقيمية.

ما هي أهم المنطلقات التي اعتمدتها في التأسيس العملي لمسألة الاندماج؟

حاولت خلق قنوات تواصل مستديمة بين الألمان الأصليين وأفراد الجالية من مائدة الحوار الديني الإسلامي/المسيحي تجاوزتها بعدما علمت أنها لقاءات النخبة وبأنها تعتمد على المقارنات دون إثارة الاختلاف العقائدي الموجود. بقيت متابعا لها لتغيير نمط معالجتها البيداغوجية وأقحمت في البعض منها فكرة التعامل والانطلاق من الاختلاف؛ من "لكم دينكم ولي دين" من جهة وبالتركيز على القواسم المشتركة كمواطنين نقتسم مجالات حياتية مشتركة: الشغل، المؤسسات التعليمية، المتاجر، الحي، مناطق الاستجمام، المؤسسات الثقافية... هذا مِلك لنا جميعا ونتحمّل المسؤولية الشرعية والمدنية في الحفاظ عليه وعلى استمراره والمساهمة في جودته كمواطنين!!

أما المرجعية الدينية في وسطيتها وتسامحها المبنية على التوجه المالكي تأتي لتدعم وتؤكد هذا التدافع الانساني مثلا من خلال "ابتسامتك في وجه أخيك صدقة" - الأخوة بالمعنى الماكروسكوبي/الكوني: الأخوة في الإنسانية.

كما حاولت أن أتبنى في المدارس التي أشتغل فيها فلسفة الانفتاح على الآخر وقمت بإعطاء دورات تكوينية للمعلمين والأساتذة الألمان حول منظوم ومنهاج التربية في الاسلام وفي التقليد ولدى المنظرين التربويين الحداثيين ومحاولة إيجاد صيغة توافقية لتفادي التقاطع والصراع.

وماذا عن دور انخراطك في العمل الجمعوي في تكريس الاندماج في أوساط الجالية المغربية؟

عملي التطوعي في فضاء الجمعيات كان ولله الحمد موفقا حيث كنت أتفاعل مع السادة الأئمة منذ أن التحقت بالتعليم سنة 1989 بمدارس المدينة وكنت أزودهم بكتب مدرسية مغربية مقاوما بشكل حضاري تلك الكتب المدرسية التي كانت توزع بالمجان والتي كانت تحمل إيديولوجيات، وتعبر عن واقع لا يمت بأية صلة إلى الواقع التربوي الالماني وإلى توجهنا المغربي الديني/الحضاري لكي يستندوا عليها السادة الأئمة في دروسهم. كما كنت أحاول بتعاون مع رؤساء الجمعيات والمساجد في خلق شراكات تباعد عن العمل الفضفاض والتصريحات عن حسن النوايا فقط بل كنت أحاول خلق خارطة طريق براجماتية لعمل مشترك تُحدد فيه المسؤوليات: من يعمل وماذا ستعمل وداخل أية رقعة زمنية وبأية موارد؟ هذا لا يسري على الجمعيات المغربية بل كنت أطالب به المؤسسات الألمانية الشريكة.

كما حاولت في الفضاءات التي أشتغل فيها خلق علاقات صداقة بيني وبين الشباب المغربي. لم أكن واضعا لحدود فارقة بل لعلاقات احترام منفتحة. هذا أضفى على عملي التربوي قيمة مضافة وإيجابية على سلوكيات الأطفال والشباب وحاولت أن أكون الأستاذ/الثقة والمرجع في حل النزاعات الأسرية أو المدرسية، وكنت أبين لهم بلغة يفهمونها طرق النجاح والفشل ورافقت الكثير منهم في الثمانينات والتسعينات، والبعض منهم الآن لإخراجهم من دوائر التأخير المدرسي والعجز الاجتماعي والغبن والاستكانة إلى تصورات رجعية تعتمد على أساليب العنف اللغوي والتطرف الديني وكنت أسعى إلى تقوية كفاءاتهم وإيمانهم بمرجعيتهم الدينية المغربية المتحضرة والوسطية وانتمائهم لهذا البلد.

كما قمت بإعداد برنامج تكويني بشراكة مع وزارة الاندماج والمؤسسة الفدرالية للتكوين الديموقراطي لفائدة السادة الأئمة المغاربة والأتراك ليتمكنوا من القيام بمهامهم الإرشادية أخذا بعين الاعتبار المحيط ووجوب التفاعل مع المؤسسات الألمانية المتواجدة في فضاءات المساجد.

لم أركز فقط على الاستهلاك المجاني لبرامج إدماجية والتي تقدمها الإدارة التربوية أو الاجتماعية الألمانية للفئات المستهدفة من أفراد الجاليات المسلمة بل حاولت أن أكون فعالا ومؤثرا وخالقا كذلك لبرامج وتصورات. من ذلك شكلت تصورا عمليا مثل برنامج "الشباب سفراء للمساجد" وبرنامج "الأئمة سفراء الديموقراطية" والذي حظي بثقة ودعم وزارة الاندماج الألمانية ومعهد التكوين الديموقراطي لولاية فستفاليا الشمالية. عدة برامج قدمتها في سياق عملي كمستشار في شؤون الاندماج لدى الولاية ومحاضر.

assila1

كما أقدم أسبوعيا ساعة في الاستشارة المدرسية حيث أجيب على تساؤلات أفراد الجالية المسلمة عامة والجالية المغربية خاصة والمرتبطة بالتعليم والتكوين المزدوج والتعليم الحرفي وولوج أسلاك التعليم العالي ونصائح حول كيفية التعامل مع المؤسسات التربوية الألمانية.

في ظل ما تشهده أوروبا من تنامي موجات اليمين المتطرف التي تستهدف الأجانب بالأساس، والتي وجدت صدى لها في ألمانيا عبر حركة بيغيدا، كيف تقيمون وضعية الجالية المغربية في هذا البلد الأوروبي؟

إن تنامي موجات التطرف ليس نتيجة وجود الأجانب أو المسلمين بل هو نتيجة غياب سياسة اندماجية متكاملة وتغليب تعامل إعلامي غير موضوعي في معالجة قضايا الاندماج والهجرة. فالمهاجرون يعتبرون رافعة اقتصادية وغنىً ثقافيا وحضاريا مفيدا للتنوع واستمرار النمو الديموغرافي للجنس الجرماني إذا صح التعبير.

ولقد شاركت في مظاهرات كفرد من المجتمع المدني ووقفت مع وزيرة التعليم الفدرالي السيدة لورمان في منصة خطابية إلى جانب رؤساء الكنائس والمعابد اليهودية لنندد بشعارات وتوجهات هذه الفئة.

فالمجتمع الألماني وبظهور هذه الفئة المنظمة لحركة بيجيدا والمناصرين لها لا يجب أن يدفعنا إلى الاعتقاد بأن المجتمع الألماني عنصري. لا بالعكس! المجتمع الألماني يتوفر ولله الحمد على قاعدة شعبية كبيرة وعريضة من الشرفاء والذين يدافعون عن قيم التسامح والحوار والعيش المشترك داخل وخارج المؤسسات.

في هذا السياق يمكن أن أقول بأن وضعية الجالية المغربية على العموم بخير. لكن وبغض النظر عن هذه الحركة مازالت تنقصنا الخبرة في الانخراط والمساهمة الاجتماعية وتنقصنا الخبرة في خلق الأحلاف مع الأحزاب السياسية وخلق اللوبيات وتنقصنا الخبرة في استثمار الإعلام وتوظيفه.

فالجالية المغربية تتميز عن باقي الجاليات العربية المسلمة بالتماسك وبالوطنية وبالتشبث بأواصر علاقتها بالوطن.

أين يتجلى بالضبط هذا التشبث؟

الشواهد على ذلك كثيرة أذكر منها:

- بناء المساجد والخروج بها إلى الواجهة عوض الاكتفاء بالأماكن المهجورة والنائية واستغلال المآرب. هذا أعطى للمغاربة قيمة مضافة تجاوزت الوجود التركي الذي كان يؤسس منذ الثمانينات مساجد في بنايات كبيرة تحت رعاية القنصليات والسلطات التركية وتوظيف أئمة رسميين.

- السهر على خلق برامج تعليمية من تلقين للغة العربية وتحفيظ القرآن الكريم.

- خلق بنيات للنساء والفتيات (رغم قلتها) حيث نرى تجمعات نسائية بدأت تكتسح فضاءات الجمعيات والمساجد وأصبحت المرأة ولو بشكل خجول تتقلد مسؤولية التسيير. هذا الوجود ينقصه التنسيق والدعم ولا بد من تثمينه وتقوية أركانه.

- إعطاء دروس في التقوية والدعم المدرسي الأكاديمي النظامي في فضاءات الجمعيات مما يبين ويظهر هذا الاهتمام المتزايد للجمعيات والمساجد بتقوية كفاءات أطفالنا لتحسين مستوياتهم التعليمية.

- وجود سادة أئمة متفاعلين مع الفضاء الخارجي ويقودون بروح مسؤولية عالية مسيرة الاندماج وبالمجان، رغم أن هذه الفئة مهمشة من طرف الإدارة الألمانية والمغربية. فكيف يعقل أن تسند للسادة الأئمة مسؤولية الاعتناء بالأمن الروحي وتقوية المناعة ضد التيارات الدينية المتطرفة وهم يتقاضون أجورا هزيلة ولا يتوفرون على سياقات مؤسساتية تحفظ لهم حقوقهم وتدعمهم في أعمالهم.

- مشاركة المساجد والجمعيات في المؤتمرات واللقاءات المحلية لمناقشة برامج الاندماج وحل الإشكاليات المرتبطة بملفات الجالية المغربية.

ما هي في نظركم أبرز المتطلبات التي بإمكانها مواجهة الصعوبات والتحديات التي تحول دون تطوير العناصر الإيجابية التي ذكرتها قبل قليل؟

نحتاج في رأيي إلى بنية تنسيقية تجمع ولا تفرق بين هذه الجمعيات والمساجد. وعلى الإدارة المغربية أن تتبنى بكل حزم بشراكة مع الجمعيات والمساجد بنية تواصل مستديمة بعيدة عن الموسمية واللقاءات التواصلية الدورية. يجب خلق بنية مصالح اجتماعية تتجاوز استقبال الشكايات إلى بنية فاعلة ومؤثرة وموجِّهة. في غياب ذلك سنعيش لا محالة في السنين القادمة مشاكل التواصل وهيكلة هذا الفضاء الجمعوي الكبير. فألمانيا تتوفر الآن على أكثر من 2500 مسجد تقريبا مسجل للجاليات المسلمة من المغاربة والأحمدية والعلويين والسنة والشيعة... وتشكل الجالية المسلمة نسبة مهمة من المجتمع الألماني الفاعل.

وأصبحت ألمانيا تعتني مؤسساتيا بتدبير قضايا المسلمين على أعلى مستوى في ملف تكوين الأئمة وتعليم الدين الاسلامي وتأسيس مقابر إسلامية تحت إشراف جمعيات إسلامية بعدما تم تغيير قانون تدبير الدفن والمقابر بهذه الولاية والاعتناء الصحي من خلال فتح مؤسسات صحية خاصة بالمسلمين. فدخلت تمثيليات جاليات أخرى على الخط كمحاورين للسلطات في حضور هامشي للمغاربة لافتقادنا إلى تكتلات فاعلة.

تمتد الهجرة المغربية لألمانيا لأزيد من نصف قرن، أنت كمهتم بالقضايا المرتبطة بهذه الفئة وتشتغل منذ 1989 في شؤون الاندماج كيف تجد اندماج المغاربة في هذا المجتمع الأوروبي؟

علينا تحديد مفهوم وماهية وآليات الاندماج أولا. صحيح أنه من منظور كل فكر عاقل ومتزن ووطني تعني كلمة ومفهوم الاندماج عكس ما يعنيه مفهوم الاستلاب والذوبان. لكن هذا أعتبره فقط منظور شكلي ويوطوبي لا يتسم بالواقعية وبالبحث عن النفعية؛ لأن هناك من يقوم بهذا الفصل والتعريف ويُتبعه بالتخويف من الدخول في كل البرامج الاندماجية المدرسية والاجتماعية واللغوية. فسابقا كان البعض من المهاجرين عامة يحذرون من اكتساب الجنسية الألمانية على أنها بدعة!!!

ولقد أضاع هذا التخويف مصالح الكثير من أفراد الجالية المغربية. أنا لا أناقش القرارات الشخصية التي اعتمدت عدم اكتساب جنسيات البلد المضيف بوازع فرداني خاص. فهذا ينتمي إلى الحريات الشخصية. المهم هناك من يقوم بالتخويف من المشاركة في هذه البرامج الاندماجية وهي كثيرة، بداعي أنها تسعى إلى الاستلاب وتدفع بعجلة الذوبان في المجتمع. من هنا يجب علينا أن نقوم بعملية التقييم.

وعلى هذا الأساس أرى أن اندماج المغاربة في المجتمع الألماني في الاحتفاظ بالخصوصية المغربية والأصول الدينية والثقافية إيجابي ويحتاج إلى نوع من المهنية والتفاعل والتدافع والخروج به إلى المواطنة الفعلية التي تستبطن الحقوق والواجبات وتقوم بتفعيلها.

لقد بنينا المساجد وعلينا الآن أن نقوم بكل جدية ببناء الإنسان لتفعيل الديبلوماسية الموازية وخلق لوبي قوي يدافع عن مصالحنا ويقوي مكانتنا.

ما هي في رأيك أبرز خصاص الأجيال الجديدة من مغاربة ألمانيا؟

لكل جيل ميزته وتحدياته وتوجهاته وعقلياته. لا يجب القفز على العصر والزمان والمكان. ولهذا يمكنني القول بأن الجيل الحالي (الجيل الثالث) مازال يعيش الارتباط بالأسرة النووية وقيمها وتقاليدها بفضل المجهودات الفردية التي يقوم بها الآباء والأمهات للحفاظ على الهوية المغربية أمام تيار جارف تتزعمه وسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية والعولمة والمجتمع.

ومن هنا ضرورة التأكيد على دور المسجد الفاعل في المساهمة في تشكيل هوية متزنة لهؤلاء الأجيال والاعتناء بالإمام وبلجان التسيير والجماعة.

الحديث اذن على خصائص الأجيال القادمة لابد أن يستند على دراسة ميدانية تعتمد على الاستجوابات وزيارة الفضاءات التي يتحرك فيها هؤلاء الأجيال مع تحليل لذاكرتهم وشخصيتهم. 

لكن يمكن أن أقول بأن هذه الأجيال القادمة إذا قمنا بدورنا كمربين ومسؤولين ودخلنا في حركة متابعة وحوار مع المؤسسات الألمانية التي تستقبل أبناءنا ستكون فاعلة وقوية التواصل مع محيطها لأنها ستتقلد مناصب مهنية لا تمت بأية صلة إلى الحرف والمهن التي امتهنها الأجداد والآباء لظرف من الظروف.

وما هي التحديات التي يواجهها الشباب المنحدر من الهجرة المغربية؟

التحديات التي يواجهها وسيواجهها هؤلاء الشباب هي تحديات الانتماء والبحث عن الذات والأجوبة على أسئلة محيرة أمام توسع تأثير وتعدد وتضارب القنوات التواصلية التي تريد إعطاء أجوبة جاهزة تقفز على الواقع وتقلص من دينامية الفرد المواطن. تحديات مرتبطة بالهوية الثقافية والدينية أمام هذه التيارات الدينية المتطرفة التي تعتمد على تقسيم العالم إلى دار حرب ودار سلم.

إنني أنادي بضرورة إقحام الوازع الديني والاعتناء به في البرامج التواصلية والاندماجية واحترامه وكل اقتصاد فيه أو تقديم له أو إقحام في غير موضعه أو إقصاء له سيؤدي إلى انفصام وشرخ في تكوين شخصية الطفل أو الشاب.

وأدعو إلى تربية إسلامية تفاعلية داخل مقاربة إدماجية كلية في سياق فقه الواقع وفقه الكون أو ما يسمى بفقه التنزيل الذي يأخذ بتحديات وخصائص ومميزات ومكونات العصر المعيش في تنزيله لدلالات النص القرآني ومبادئ التربية الإسلامية.

وعلينا في هذا الصدد أن نعطي ونفتح المجال لشبابنا بالدخول إلى تقلد وتحمل المسؤولية في مساجدنا وجمعياتنا لأنهم سفراء لنا وأن تشعرهم بقيمتهم كي لا يسقطوا في براثن التطرف.

الصحافة والهجرة

Google+ Google+