فاطمة خَاشِي .. مغربيَّة حوّلت جراح الكلام إلى حوافز للنجاح

الثلاثاء, 10 فبراير 2015

تعتبر فاطمة خاشي واحدة من مغربيات العالم التي كسرت الصورة النمطية التي اقترنت بالمهاجرين المغاربة الحاجين إلى إيطاليا بغرض مقاسمة بيئة العيش مع أصليي البلد والأجانب المستقرين به.. مستثمرة في ذلك قدراتها الذاتيَة، وتحفيزات محيطها، إلى جوار الإساءات التي طالتها لفظيا دون أن تتمكّن من نسيانها لحدود الحين.

لم تكن خاشي، وهي التي ألفت دماها التي واكب تواجدها أولى سنواتها العمريّة بضواحي مدينة سطّات، تعي أنّها سنتقل صوب بيئة مغايرة تفتقد فيها الدفء الذي رأت وسطه النور.. لكنّ فاطمَة أفلحت في جعل المستقبل المجهول قابلا للتشكّل عبر التحلّي بالمثابرَة وكذا الانفتاح على التجارب الحياتيَّة دون كلل أو ملل.

هجرة مبكّرة

تنحدر فاطمة خاشي من مدينة برشيد التي ولدت بها وقضت وسطها زمنا قصيرا من طفولتها، حيث قصدت الديار الإيطاليّة بمعية أسرتها وهي في سنّ الـ9 بعدما أمضت ثلاث سنوات في تلقِّي تعليمها وسط المدرسة العموميّة المغربيّة.. وتقول فاطمة، ضمن تذكرها لأول إشعار تلقته بقرب الرحيل عن بيئتها الأصل، "جاء ذلك على حين غرّة، إذ أخبرت من لدن أبي أنِّي سأرافقه للعيش بإيطاليا سنة 1997".

وتورد خاشي، ضمن لقاء استحضر نوستالجيا هجرتها مع هسبريس، "كانت أحاسيسي متنازعة ما بين الفرحة والصدمة، ذلك أنّي تحمّست للفكرة التي تجعلني ملازمة لأسرتي ولو ببيئة غير التي أنتمي إليها أصلا، كما وجدت أنه من الصعب علي أن أفارق أصدقاء طفولتي وأقاربي الذين ألفتهم من أجل الانتقال إلى بلاد بعيدة".

دعم أسريّ

تلقت فاطمة خاشي دعم أسرتها من أجل الاندماج وسط مجتمعها الجديد، ذلك أنّها كانت تنال المواكبة الكاملة ضمن مسارها الدراسي البديل الذي انخرطت فيه منذ أولى لحظات استقرارها بإيطاليا، كما أن أقاربها حرصوا على استمرار التواصل فيما بينهم، وسط البيئة المنزليّة، باستعمال الدارجة المغربيّة في خطوة رامت الحفاظ على روح الانتماء الأصلي للمغرب.

وتقول فاطمة بهذا الخصوص: "قد أكون محظوظة لهجرتي في سن مبكّرة، إذ أن ذلك جعل المحيطين بي يهتمّون بحالي ويقدمون لي المساعدة ضمن أبسط انشغالاتي، كما أني استفدت من طراوة عقلي لأتعلّم ما يتطلبه العيش ضمن المجتمع الإيطالي.. ويمكن أن أجزم بأنّي أعفيت من العثرات التي كان بالإمكان أن تواجه إندماجي لو أرجئ التحاقي بأسرتي في المهجر حتّى سن متقدّمَة".

خاشي كانت التلميذة الوحيدة، ضمن مسارها الأساسي، التي تنحدر من أصول أجنبية بالمؤسسات التي ارتادتها.. وهو ما جعل مساندة الأسرة لها تقترن بحرص من محيطها المدرسي، إدارة وأساتذة وتلاميذ وتلميذات، على مدّ يد المساعدة لها ضمن أي عثرة تواجهها على مستوى التحصيل.. وتتذكر فاطمة كيف أنّ مقاسميها فصول الدراسة الطفوليَة كانوا يتنافسون بمقاسمتها ألعابهم كدليل على مؤازرتهم لها وسعادتهم بتواجدها وسط بيئتهم التحصيليّة.

جرح محفّز

واقعة جارحَة وسمت حياة المغربيّة فاطمة عند بلوغها السنة الأخيرة من امتحانات شهادة الباكلوريا، إذ أنّ إحدى أستاذاتها، وهي توجه لها الكلام وسط أقرانها بالفصل، قالت لخاشي: "لست محتاجة للتوجّه صوب الدراسات الجامعيّة، ذلك أنّك ابنة مهاجرين".. لكنّ الواقعة، بما سببته من ألم وجدانيّ، لم تزد الشابة المغربيّة غير تحفيز كانت بأمسّ الحاجة إليه.

"لقد كان ذلك قاسيا للغاية على نفسيّتي، لكنّ تدبّري في ما دفعه صوبي جعلني أرفع التحدّي من أجل البصم على تألقات ضمن مساري.. وحين بلغت مرادي الذي حددته عن اقتناع، رغبت في أن ألاقيَ ذات الأستاذة لأخبرها بنجاحي في مشوار التكوين الجامعيّ.. لكنّ أخلاقي تمنعني من أجرأة ذلك على أرض الواقع حتّى لا أبادل الإهانة بمثلها" تقول فاطمة لهسبريس.

نحو الصحافة

تلقت فاطمة خاشي تحصيلها الثانوي بمؤسسة تقنيّة، وقد أبدت تميزا في مواد علمية أبرزها الفيزياء والكيمياء، لكنها تأثرت باللغة الفرنسيّة التي كانت قد شرعت في تلقي أولى جملها قبل هجرتها من المغرب.. وقد استثمرت فاطمة تشجيع والدها لها بالتواصل عبر العربية والفرنسيّة كي تحرز تقدّما في التعاطي معهما، زيادة على إقبالها النهم على اللغة الإنجليزيّة.. ما مكّنها من ارتياد جامعة مدينة ميلانو للتخصص في شعبتَي اللغات والعلاقات الدوليَّة.

التحدّي الكبير الذي عمّ روح نفس الشابّة المغربيّة جعلها تضيف اللغة الصينيّة إلى سجلّ الألسن التي تتقن التواصل بها، هذا قبل أن تنتقل للتخصّص الأكاديمي بشعبة الحقوق الدولية الخاصّة عموما، وحقوق المهاجرين الصحيّة بشكل خاص، مفلحة بعدها في التحصّل على شهادَة "مَاستر" ضمن العلوم السياسيّة.. وقد شرعت مؤخرا، بعد انتزاع تسجيل من جامعة مدينة بَادُوفَا، في دراسة عليا جديدة تهمّ التخصّص بـ"الإسلام في أوروبا".

منذ العام 2009 وفاطمة خاشي تشتغل صحفيّة ضمن عدد من المنابر الإعلاميّة الإيطاليّة، مراكمة حتّى الحين تجربة من 6 سنوات ضمن هذا المجال الذي كان يغريها منذ الطفولة، مستثمرة في تحقيق ذلك تمكّنها من 5 لغات.. وهي الآن ضمن الطاقم الصحفي لوكَالَة "إنتِيرنَاسيُونَال بِيزنِيس" ذات الاهتمام الأوفر للشؤون الاقتصادية والماليَة والكائن مقرها المركزي بميلانُو.

ارتباط بالأصل

تقول فاطمة خاشي إن ارتباطها بأصلها المغربي قد ساهم في تحديد مسارها المهني الحالي ضمن مضمار الصحافة والإعلام، وتضيف أن تعرفها على عدد من الكفاءات المغربيّة بإيطاليا قد مكّنها من التعرف على إمكانية إثارة المثقفين لمواضيع الهجرة انطلاقا من منظورات بديلة غير تلك المعهودة.

شرعت فاطمة في الكتاب بالتعبير عن آرائها لقراء مدونة باسم "يَالَّا إيطاليا"، عام 2009، وبعد سنتين من ذلك أنشأت، إلى جوار آخرين، مدونة أخرى تهتم بشؤون الثقافة العربيّة والدين الإسلامي، وهو المنبر الرقمي الذي رام تقريب الإيطاليين من حياة المهاجرين ذوي الأصول العربية من المسلمين، وتعلق خاشي على ذلك بقولها: "لم نكن نعمل من منطق الإفتاء، بل نتحدّث عن سمات شخصية مقترنة بالهجرة والتجنيس، داعين إلى الاقتران بالانتماء للإنسانيَة قبل الخوض في التفاصيل".

أشتغلت ذات المغربيّة مع جريدة "لاريبوبليكا" بمدينَة فلورانسيا الإيطاليَة، وقد كان ذلك مثار اهتمام لطاقم العمل الذي تتواجد وسطه، خاصة وأن غالبيته من الأوروبين عموما، والإيطاليين بوجه خاص، غير معتادين على وجود اسم مؤنث مغربي ضمن ردهات الصحيفة التي تلمّهم.. "كانوا يسألونني إن كنت أنتمي لأسرة ملكيّة أو أنحدر من عائلة غنيّة.. وقد أضحكني الأمر كثيرا قبل أن أرد عليهم بكوني واحدة ممن آمنوا بأحلامهم واجتهدوا لتحقيقها" تقول فاطمة.

ويعدّ اسم فاطمة خاشي مألوفا ضمن ندوات وبرامج تلفزية تتطرق لقضايا الهجرة وانتظارات المهاجرين بإيطاليا، كما أنّها تبصم حاليا على تعاط مع اشتغال وكالة للكفاءات متعددة الثقافات بالبحث عن قدرات شابَّة لها مستوى محترم من الوعي الثقافي بالإضافة إلى تكوينات مهنيَّة، حيث يتمّ إدماجهم ضمن أسواق الشغل وفقا لحاجيات عدد من الشركات الراغبة في الاستثمار على المستوى الدولي، تماما كما بإيطاليا والمغرب.

حبّ وجدّ

فاطمة خاشي تجاهر برضاها تجاه مسارها الحياتيّ، وتضيف أن تذكرها لماضيها، بإيجابياته وسلبياته، يجعلانها تفتخر بما أنجزته، خاصّة وأن ذلك هو شعور والدَيها صوب ما حققته حتّى الحين.. كما تزيد فاطمة أنّها تحبّ عملها في الحقل الصحفي بشكل كبير، وأن طموحاتها آخذة في النماء مع توالي الأيام والتجارب التي تمر منها.

ترمي ذات المغربية المستقرّة حاليا بمدينة ميلانو الإيطاليّة أن تستمر في مزاوجتها بين انشغالاتها المهنية ومسارها الدراسي المسترسل، ذلك أنّها تنشد التخصص أكثر فأكثر ضمن قضايا الثقافات والتعايش باقتران مع العلاقات الأورومتوسّطيّة.

أمّا بخصوص الشباب المغاربة الحاملين لحلم الهجرة صوب الخارج، بحثا عن الذات وطمعا في تحقيق مبتغياتهم، تقول خاشي إنّ ذلك مشروع ما دام الاقتناع به حاضرا.. وتزيد: "لا ينبغي لمغاربة العالم أن ينسوا تمثيلهم الأول لبلدهم المغرب، وأن يمزجوا الأحلام الكبيرة بالجدّ المستمرّ.. ذلك أن العمل باجتهاد وإصرار يمكّن من تحقيق التطلعات".

عن موقع هسبريس

الصحافة والهجرة

Google+ Google+