عُمر أحدَاف .. مغربيّ اختار "التمسرُح" بالكوميديا على الرّكح الهولنديّ

الأربعاء, 22 يونيو 2016

تتعالى أصوات دّقات من على خشبة العرض .. يُفتح الستار على إيقاع مؤثرات صوتيّة .. ويشرع مستوى الإنارَة في إيضاح السينُوغرافيا للناظرين .. ومن وسط كل ذلك يلوح عمر أحداف وسط التصفيقات كي يبدأ لعبه المسرحيّ .. هذا المشهد يطابق الحقيقة التي يعيشها عُمر، حاليا، بعدد من فضاءات الفرجة المسرحيّة في هولندا .. لكنّه يبقَى مختصِرا لمسار حياة هذا الفنّان الذي قضَى 28 عاما بشمال المغرب، غارقا بين ثنايا الانتظار الذي لامسه صاموِيل بيكيت في مسرحيته "في انتظار غُودُو"، قبل أن تسطع الأنوار على أحدَاف ويُطالب بالفعل .. ولا شيء غير الفعل.

من تطوان

ينحدر عمر أحداف من مدينة تطوان مسقط رأسه سنة 1970، وبـ"حاضرَة الحمَامة" تلقّى تعليمه الابتدائيّ والإعدادي والثانويّ قبل الالتحاق بجامعة عبد المالك السعديّ، تحديدا كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بمارتيل من أجل التخصّص في دراسة الأدب الإنجليزيّ.

شغف عُمر بـ"أبي الفنون"، جعله يحرص على اعتلاء الرّكح كلّما أتيحت له الفرصة أيّام الصبَا والشباب، فاختمرت التجربة في إطار جمعويّ حمل اسم "التأسيس المسرحي" وتعامل مع مسرح الهواة بتطوان منذ العام 1993.

عن تلك الفترة، يقول عمر: "كانت ممارستي للمسرح في تطوان نابعة من ولعي بهذا التعبير الفنيّ، بالرغم من كون المدينة، وقتها، تعرف خصاصا في هذا المجال على مستوَيَي التكوين والممارسَة، باستثناء فلتات كانت تأتي من مبادرات للمعهد الثقافي الفرنسيّ .. وقد نجحت، بالموازاة مع التمسرح، في البصم على إطلالة تلفزيّة سنة 1997، من خلال القناة الثانية وبرنامجها نجوم الغد، كما نلت فرصة عمل سينمائيّ مع المخرج حسن بنجلون وفيلمه أصدقاء الأمس".

إلى هولندا

وصل عمر أحداف إلى الأراضي المنخفضة قبل 28 سنة من الحين، وتأتّى له ذلك بخوض تجربة هجرة غير نظاميّة ألقته فوق التراب الفرنسيّ، لكنّه فشل في ملاقاة فرصة تتيح له استكمال مشواره الدراسيّ، فكانت هولندا خيارا بديلا للشاب المغربيّ الوافد على الديار الأوروبيّة، وبهذا البلد نجح في تسويّة وضعية إقامته من خلال مسطرة الزواج .. ثمّ أفرد اهتمامه للتكّون الأكاديميّ في المهن المسرحيّة.

"كان كلّ ما جرَى بنقلي إلى حياة الهجرة، سريعا للغاية .. حتّى إنّي لا أدرك ما حدث فعلا"، يقول أحداف قبل أن يواصل: "وجدت نفسي، على غفلة منّي، أستهلّ حياتي من الصفر .. فاستثمرت هذا المعطَى من أجل التقدّم إلى الدراسة بأكاديميّة المسرح في أمستردام، بعدما نلت تكوينا جعلني أضبط التواصل باللغة الهولنديّة .. فأخذت أتقدّم ببطء، لكن بثبات".

تركيز على السخريّة

اختار الفنان الهولندي ذو الأصل المغربيّ، بعد تخرجه الأكاديمي في الفن المسرحيّ، أن يميل في أعماله إلى الكوميديا، واستهلّ أولاها بالتعاطي مع جنس "Stand-Up" الذي فتح له باب الشهرة حين تقدّم إلى عدد من المسابقات المعنيّة بهذا اللون التعبيري، المشتهر أيضا بتسميّة "مسرح الكباريه"، ونال تتويجا وتنويهات بهذه المرحلة من البروز.

شهدت السنوات العشر الأخيرة تألق عمر أحداف كممثل في أعمال ركحيّة متعدّدة، كانت من بينها عروض لمسرح الطفل وأخرى للكبار، زاوج بين التعاطي معها ومواصلة الإبداع، كتابة وإخراجا وتمثيلا، في المسرح الفرديّ .. ونظم عشرات الجولات في الأراضي المنخفضة وأخرى بدول أخرى كفرنسا والمغرب والجزائر.

"يشغلني التجديد في التعاطي مع إبداعاتي بسخريّة هادفة، تجمع بين الإضحاك والإفادَة مرّة واحدَة، على الرغم من الصعوبة التي يفرزها هذا الاختيار الفنيّ .. ولديّ الآن عرض One Man Show بعنوان: كسر الحدود؛ وفكرته تناول الحدود الفكريّة التي يسيّج بها الناس فضاءات عيشهم للتضييق على ذواتهم قبل تسييج الآخرين .. وهو عمل آخذ في حصد النجاحات كسابقيه من العروض التي أسعفتني في سلك مسار يرضيني"، يردف عُمر.

ويسترسل المتحدث ذاته: "على المستوَى السينمائي يبقى رصيدي فارغا لأنّي لم أقبل بالأدوار النمطية التي تعطى للممثلين ذوي الأصول الأجنبيّة، والمغربيّة تحديدا، وهي تقرنهم بشخصيات متصلة بعوالم الإجرام .. بينما حاضر باستمرار في عدد من البرامج التلفزيّة الهولنديّة، ولديّ برنامج عمل مكثف في هذا الإطار خلال السنة الحاليّة".

نوع وسط تنوّع

يرَى عمر أحداف أن البنية الهجينة للمجتمع الهولنديّ، بما يضمّه من جنسيات مختلفة بثقافاتها المتعدّدة، تساعد كل الوافدين على تحقيق النجاحات التي تتناسب وكفاءاتهم .. ضاربا المثال على ذلك بما حققه المنحدرون من أصول مغربيّة وتواجدهم في كل المواقع الاجتماعيّة بالأراضي المنخفضة.

ويضيف المغربي الهولنديّ نفسه: "أنا نموذج من الهولنديّين الذين ولدوا وتربّوا في المغرب، وعرضي المسرحيّ الأخير يحاول ملامسة هذا الواقع من خلال التطرق إلى نظرة المجتمع الهولنديّ إليّ، على الرغم من استناده إلى ثقافات متعدّدة وعيشه على إيقاعات مشاكل متنوّعة لست فاعلا فيها .. وتطوّر ما أقدّمه يجعل المتلقّي الهولنديّ يسخر من نفسه ثم يستحضر الوعي بممارساته".

التواجد في دور بطولة مجتمعيّة بهولندا يعني الكثير لعمر أحداف، لكنّه يجعل ذلك غير ذي قيمة أمام إرادته بربط كلّ ما يمكن أن يحققه من بطولات بوطنه الأم .. وعن ذلك يقول: "مساري مليء بالصدف ومحب للحياة، مثلما هو كافر بالمواعيد والمخططات .. لكنّي كنت أرغب، وما زلت، في أن ألاقي فرص النجاح وسط بيئة جذوري المغربيّ .. وحتّى الآن أشتغل لأحقق نزرا من ذلك عبر تصوّر لتقديم عروض كوميديّة بخمس لغات، أبرزها العربيّة، وأيضا الهولندية والإنجليزيّة والفرنسيّة والإسبانيّة".

هجرة الأحلام

يرَى عمر أحداف أن مطالبة الأجيال الجديدة بالامتناع عن خوض تجارب في الهجرة قد يفسّر باعتباره "محاولة منع للآخرين من نيل الخير الكائن بعيدا عنهم"، لكنّ بالأساس، وفق منظوره، تعبير عن رفض ممارسة إنسانيّة تاريخيّة جعلت البشر مهاجرين ورحّالة منذ أوائل العهود الإنسيّة.

"فليُهاجر كلّ من شاء ذلك، وليجُب العالم من أراد هذا النهج واستطاع إليه سبيلا.. لكنّ تطورات الأمور أضحت تقتضي من المهاجرين الجُدد التسلّح بالأحلام التي لا تحدّها إلاّ السماء، فهي وقود الاستمرار وسط هذه الحياة التي أضحت مركّبة .. ومن يحمل حلما فإنّه سيعانق النجاحات بالبيئة التي يرى أنها تتوفر على المقومات اللائقة به"، يختم عمر أحداف.

عن موقع هسبريس

الصحافة والهجرة

Google+ Google+