متقي الله الطويل .. مغربي لامع بأبحاث الشرائح الإلكترونيّة في هولندا

الخميس, 14 يوليوز 2016

تقترن شخصيّة متقي الله الطويل بالتأنِّي المضبوط إيقاعه على قدّ أحلامه بالتطوّر، بينما يرتبط أداؤه في مجال البحث العلميّ الإلكترونيّ بجدّ قَلّما توفّر لرعيله..وهذان المعطيان يراهِن عليهما من أجل بلوغ مرتبة يؤمن بأنّها ستكون رفيعة في مستقبل شهور حياته بالأراضي المنخفضة.

طيف الحسيمة

ولد متقي الله الطويل بمدينة الحسيمة التي لم يعد يذكر الشيء الكثير عنها باقتران مع طفولته؛ ذلك لأنّه اضطرّ إلى الرحيل عن شمال المغرب صوب الديار الهولنديّة تحديدا، بعدما اختارت أسرته خوض تجربة هجرة وهو لم يجاوز ربيعه الثاني.

"كان التحرّك نحو الأراضي المنخفضة بمعيّة أسرتي كاملة؛ وهو ما مكنني من نيل رعايتها طوال الوقت، لكنّي لا أحتفظ بذكريات واضحة لنشأتي بالحسيمة، بينما وطني المغرب أحتفظ له بمكانة كبيرة في قلبي، وأواظب على زيارته في كل فرصة أتيحت لي"، يقول الطويل.

هولندا التسعينيات

يفيد متقي الله بأنّ ما يعيه جيدا هو أن طفولته مرّت في أجواء سليمة حين إقباله على الالتحاق بصفوف التمدرس في بلده الجديد، ويعلق على هذا المعطى بتنصيصه على أن "ثقافة الهولنديّين كانت ملائمة لتواجد حديثي الوفود على وطنهم"، مضيفا: "إن أسعفني التعبير سأقول إنّهم لم يكونوا يلوّحون بأي من مظاهر السوء خلال تسعينيات القرن الماضي".

ويواصل المتحدّث نفسه: "صحيح أن الأمور تغيرت كثيرا الحين، حتّى أضحَى سير ذوي الأصول الأجنبية بالشارع الهولنديّ ينظر إليه بطريقة وكأنها تهمّ مجرمين..بينما تكرار مثل هذا التعاطي جعله مألوفا للغاية"، ثم يزيد: "مرّت سنوات تعليمي الأساسيّة، حتّى الثانويّة، دون أي مشاكل؛ إذ وعيت بأن نجاح المرء يبقى بين يديه، وبأن باذل الجهود لا بد أن ينال فرصا مفضيّة إلى التوفيق".

نبوغ علميّ

استفاد متقي الله الطويل من تدرّجه في التعليم مجاورا أقرانه من الهولنديّين، وكذا عددا من ذوي الأصول المغايرة، كي يستفيد ممّا تتيحه البرامج التعليميّة لمملكة الأراضي المنخفضة من تنمية للقدرات والمهارات. وشاء الهولندي المغربيّ نفسه أن يسلك مسارا تقنيّا حين وصوله إلى المرحلة الثانويّة.

تحقق النبوغ العلميّ للطويل حين ولوجه مرحلة الدراسة الجامعيّة بـ"داوت"، إذ اختمرت تجاربه وهو يدنو من شهادة الإجازة في "الشعبة الإلكترونيّة" التي نالها باستحقاق.. ثمّ ظفر متقي الله بشهادة "ماستر" في هندسة المعلوميات، متخصصا في علوم التعامل مع الحواسيب، مبينا عن مهارات استثنائية في دراسة تصاميم الشرائح الإلكترونية.

وعن مرحلة التكوين الأكاديميّ الموالية لذلك يقول الشاب نفسه: "أقبلت على الدراسة الجامعية المعمّقة في تقنيات التعرّف ثلاثي الأبعاد الخاصّ بالشرائح الرقميّة، مدققا في اعتمادها على منظومات ذاتية لتحقيقها الاشتغال المطلوب منها وفق تصوّرات المصمّمين.. وأقوم حاليا بإنهاء دكتوراه عن أطروحة متصلة بتوجيه الشرائح الإلكترونيّة".

ويشرح متقي الله الطويل قائلا: "على سبيل المثال لا الحصر؛ حتّى أحدث الهواتف الذكيّة المطروحة في الأسواق تكون سريعة الاستجابة حين الشروع في استخدامها، لكنّها تبدأ في التباطؤ وهي تراكم أداء الوظائف المطلوبة منها ..هذا راجع إلى التأثيرات السلبيّة للترانزستورات على الشريحة الرقميّة، ما يؤدي إلى الاستهلاك ثم التّلف.. واشتغالي ينصبّ على التدخّل في هذا المنحى، إذ أنظر إلى هذه الآليات ككائنات بشريّة تطالها الشيخوخة بدورها".

تأطير خصوصيّ

الشهادة الأكاديميّة الأخيرة للطويل من جامعة "داوت" ظفر بها بتميّز عال. وتمنح المؤسسة ذاتها دبلومها للدراسة المعمّقة بدرجات، منها العاديّة وأخرى ذات نجمة واحدة أو نجمة رفيعة، فكان متقي من بين ستّة تحصّلوا على تميّز النجمة الواحدة ضمن دفعته؛ وجعله هذا التتويج يسترعي انتباه كبار المؤطرين في البلاد.

مكّنت المهارات العاليّة متقي الله من المزاوجة بين اشتغالاته في طور إنهاء أطروحته للدكتوراه والقيام بتأطير أداء طلبة من مختلف الأصول من أجل اجتياز مرحلة الدراسات الجامعية المعمقة في تخصصه نفسه.. "تزامنا مع أبحاثي العلميّة أعمل مؤطرا خصوصيا لتقديم دروس دعم للطلبة الراغبين في ذلك. وبهذه الطريقة أوفر دخلا ماديّا يجعلني أفي بمتطلباتي الحياتيّة.. والنشاط ذاته يلاقي إقبالا من طرف مستفيدين يجعلونني أفلح في الرفع منهم كمّا وأحقق لهم الإضافة نوعا".

غزارة في النشر العلميّ

غياب التزام مهنيّ رسمي لمتقي الله الطويل يمكّنه من متابعة دقيقة لأبحاثه العمليّة بالجامعة، مع رصد مستمر لما تنشره مراكز بحثيّة علميّة أخرى بخصوص المستجدات التقنية ذات الصلة بتخصّصه؛ مراكما تطويرات تقنيّة لم تتوصل إليها جامعات غير تلك التي يتواجد بها في سياق التعاطي مع الشرائح الإلكترونيّة.

"العالم شديد التنافسيّة في هذا المضمار، وهناك عدد من المعطيات التي لا يتمّ كشفها من طرف المطوّرين ولا المقاولات المنتجة؛ لذلك أحاول إيجاد محاور وتقنيات خاصّة بانخراطي الأكاديمي في المجال نفسه، ملاقية للتميّز والجِدّة، على أساس تحقيق منافع مجتمعيّة وإشادات الناس مستقبلا"، يقول متقي الله.

وفي هذا الإطار، يعدّ الهولندي المغربي نفسه واحدا من أغزر باحثي هولندا توفرا على منشورات علميّة مرتبطة بأداء الشرائح الرقميّة، إذ بصم خلال مرحلة الدراسات المعمّقة على ما يناهز 20 وثيقة علميّة؛ بينما عرفت سنة 2015 توقيعه 15 مقالا علميّا منشورة بمنابر أكاديميّة متخصّصة، ويتوقّع أن يتخطّى هذا الكمّ خلال سنة 2016 .. ويداوم الطويل على التواجد في الندوات العلميّة التي تنظّم لمناقشة سير التطورات في مجال تخصصه.

طموح وإيمان

"أنا راض عن مساري وما بلغت حتى الآن.. صحيح أن الأمور كان بإمكانها أن تبرز بطريقة أجود، لكنّي مسرور لما أنا عليه، وأطمح إلى أن أكون من الناس الذين يمثلون قدوة لأفراد الجالية المغربيّة بهولندا؛ كما أريد أن أبقى مستمرّا في مجال البحث العلميّ كأستاذ على الأقلّ ..وإن توفر لي الخيار فسوف أقصد، دون أدنى تردّد، المجال الصناعيّ"، يقول متقي الله.

وانطلاقا من تجربته المجمّعة إلى الحين يضيف الطويل: "أعتقد أن أفضل نصيحة يمكن أن أقدّمها إلى الشباب الراغبين في النجاح، سواء بالوطن الأمّ أو فضاءات الهجرة، هي أن يستمرّوا في الإيمان بأحلامهم، وأن يعملوا بجدّ من أجل تحقيقها.. أما من ينتظرون تحقق الأحلام من تلقاء نفسها فهم واهمون، لأن المثابرة والتشبث بما هو مراد يفضي إلى الاشتغال المضني الموصل إلى المرامي والغايات".

عن موقع هسبريس

الصحافة والهجرة

Google+ Google+