"معرفة وآراء" زاوية مفتوحة في وجه الباحثين والمختصين في قضايا الهجرة ومتعلقاتها لعرض آرائهم ووجهات نظرهم وفتح باب النقاش بخصوص مختلف الأسئلة المتصلة بهذه القضايا..

"معرفة وآراء" أفق لبناء حوار هادئ ومسؤول قادر على بلورة مقاربات تتسم بالعمق والدقة والصدقية.

الإسلام والغرب.. رؤية في تجاوز الصور النمطية

"الإسلام يسائل الغرب. حوارات حول بعض الأحكام المسبقة" لمؤلفه فرانكو ريتسي، أستاذ التاريخ الأوروبي وتاريخ البحر الأبيض المتوسط بجامعة روما الثالثة، صدر في إيطاليا سنة 2009 ثم تُرجم إلى الفرنسية سنة 2012 ثم إلى العربية هذه السنة تحت إشراف مجلس الجالية المغربية بالخارج.

 يعد هذا الكتاب من بين الأعمال المميزة التي حاولت معالجة العلاقة بين الإسلام والغرب. ومما يميز هذا العمل بالذات كونه من بين الأعمال القلائل في الغرب التي طرحت وعالجت صورة الغرب في العالم الإسلامي والأحكام المسبقة التي تؤطر نظرة العرب والمسلمين للعالم الغربي من خلال الإجابة على مجموعة من الأسئلة المركزية من قبيل: كيف ينظر العرب والمسلمون للغرب؟ ما هي تصوراتهم للحضارة الغربية؟ ما الذي يعاتبونه على الحكومات الغربية في تعاطيها مع قضايا الإسلام والهجرة والإرهاب خصوصا بعد أحداث 11 من سبتمبر؟

حاول المؤلف الإجابة على هذه الأسئلة، وأسئلة أخرى، ليس عن طريق مواجهة بين مثقفين مسلمين وغربيين كما كان الحال في لقاء البندقية لسنة 1955 الذي حضره الكاتب طه حسين بل عبر لقاء مباشر جمع فقط مثقفين مسلمين من مختلف المشارب الثقافية والسياسية من دون وجود الطرف الآخر وذلك بهدف استجلاء الشعور الإسلامي المشترك اتجاه الحضارة الغربية.

يطرح هذا العمل وجهة نظر هؤلاء المثقفين في حوار داخلي صريح ومباشر حول القضايا والإشكالات التي تحول دون إرساء أسس متينة وعلاقة شفافة بين العالمين الغربي والإسلامي، أبرزها العلاقات التاريخية والهجرة والثقافة والإرهاب وبطبيعة الحال القضية الفلسطينية. إنه حوار شفاف ومباشر يعمل على نقد وتفكيك عناصر الصورة التي رسمها الغرب عن العالم الإسلامي في اللحظة التاريخية الراهنة. إضافة إلى هذا الاختيار المنهجي العميق الدلالة، استعان المؤلف -وهذه ميزة أخرى لهذا العمل-  في بسط نتائج هذا الحوار التلقائي على الشكل الأدبي المشوق الذي يتميز بالحكي والحوار المباشر بين المتدخلين مما يسمح لمنظوراتهم من أن تفصح عن ذواتها من دون تدخل مباشر للمؤلف الذي فرض على نفسه الحياد إلا عندما يتعلق الأمر بإذكاء روح الصراع أو تكريس نظرية صدام الحضارات.

من خلال النقاشات التي جرت بين مجموعة المثقفين المسلمين الذين اجتمعوا في بستان أحد الفنادق بمدينة تطل على الضفة الجنوبية للمتوسط، استخلص المؤلف، بصفته يمثل منظور الآخر، على أن السبب الرئيس وراء الصورة السلبية عن الغرب السائدة في بلاد الإسلام تعود أولا وقبل كل شيء إلى عدم تصفية التركة الاستعمارية وإلى استعلاء الغرب وعدم اعترافه بدور الحضارة الإسلامية في بناء الحضارة الغربية إضافة إلى عدم التوصل بعد إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.

ومن بين الأفكار الأخرى التي خلص إليها المؤلف هناك فكرة مهيمنة تتلخص في إحساس الشعوب الإسلامية بالدونية وبالإهانة في علاقاتها مع الغرب ومع حكوماتها نفسها التي تحرمها من أبسط حقوقها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لدرجة أن الوضع في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط أصبح لا يحتمل مما يمكن أن تنجم عنه هزات عنيفة ستكون لها تداعيات غير محسومة. هذا ما توقعه المؤلف وهو ما حدث بالفعل إذ أن المنطقة برمتها ما زالت تشهد أحداثا متتالية ومتشابكة يصعب التنبؤ بمآلها في المستقبل المنظور.

ولكي يسترجع البحر الأبيض المتوسط استقراره ومركزيته بوصفه فضاء للحوار والتبادل الثقافي يقترح المؤلف أفكارا يمكن أن تشكل خارطة طريق حقيقية عمادها اعتراف الغرب بأخطائه في الماضي كما في الحاضر واحترامه لكرامة المسلمين -أكانوا في بلدانهم الأصلية أو في ديار المهجر- ولدينهم وتقاليدهم والاعتراف بدور أجدادهم في بناء الحضارة الإنسانية. من جهة أخرى على المسلمين أن يتخلوا عن العنف في طرح رؤاهم وأن ينبذوا التطرف والإرهاب من أجل تجاوز الصورة الكاريكاتورية التي تقدمها عنهم وسائل الإعلام الغربية، وإرساء أسس مجتمعات ديمقراطية معتزة بثقافتها ومنفتحة على العوالم الأخرى بدل الانطواء على الذات أو الاستمتاع بالتباكي على العصر الذهبي المفقود، إضافة إلى ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية يمر عبر قيام دولة فلسطينية تتمتع بكامل الحقوق.

هذا إذن هو السبيل الوحيد لقيام علاقات مشتركة حقيقية بين الغرب والإسلام.

محمد مخطاري

الصحافة والهجرة

Google+ Google+