السبت، 12 أكتوير 2024 22:45

 "معرفة وآراء" زاوية مفتوحة في وجه الباحثين والمختصين في قضايا الهجرة ومتعلقاتها لعرض آرائهم ووجهات نظرهم وفتح باب النقاش بخصوص مختلف الأسئلة المتصلة بهذه القضايا..

"معرفة وآراء" أفق لبناء حوار هادئ ومسؤول قادر على بلورة مقاربات تتسم بالعمق والدقة والصدقية.

إسلام الهجرة: أوهام الجهاد تحاصر دعوات التسامح

الإرهاب لا يفرق أبدا بين مسلم أو غير مسلم، فكل ادعاءات القائمين على الحركات الدينية الإرهابية بشتى أنواعها كونها تحارب الكفار والمارقين عن اتباع دينهم هو ادعاء مغلوط ووهمي. ولا أدل على ذلك الضرر والسخط اللذين لحقا بالجالية المسلمة في أوروبا جراء الهجمات الإرهابية، التي وإن لم تعد بالوبال على صورة الإسلام والمسلمين في أوروبا، فإنها تودي بحياة المسلمين أنفسهم، مثل حالة الشرطي عماد المسلم الذي راح ضحية عملية محمد مراح الإرهابية.

من يقرأ كتاب لطيفة بن زياتن، المرأة المغربية البسيطة التي قتل ابنها عماد على يد محمد مراح في مارس من العام 2012 بمدينة تولوز الفرنسية، سيخرج بخلاصات مزعجة بخصوص موقع الإسلام والمسلمين في أوروبا، وخطورة القطيعة التي يمكن أن تحصل بين المسلمين وبين غيرهم من الأوروبيين، سواء كانوا من المسيحيين المتدينين، أو كانوا من غير المتدينين، لكنهم يحتفظون في عروقهم بالثقافة المسيحية.

أن يكتب أي شخص عن ضحية للإرهاب، من أي نوع كان، هو عمل مؤثر، لكن أن تكتب أم عن ولدها الذي ذهب ضحية الإرهاب، فهذا عمل يتجاوز التأثير العاطفي ويصبح مأساة مكررة بين دفتي كتاب، وهذا ما قامت به لطيفة بن زياتن، التي ألفت كتابها “موت من أجل فرنسا: لقد قتل محمد مراح ابني” ليكون رسالة إلى الأحياء، من خلال تخليد حادثة مقتل ابنها عماد، الذي كان جنديا في صفوف الجيش الفرنسي، وحاصلا على الجنسية الفرنسية.

الكتاب يبدأ بالتقاط لحظة وقوع الجريمة، مثل أي مشهد درامي في شريط سينمائي، بعدها نقرأ رسالة حزينة من ثلاث صفحات كتبتها الأم إلى ولدها الشهيد، تقول فيها أشياء كثيرة، من بينها “إن الإسلام الذي قتلوك باسمه ليس هو إسلامي”، مكرسة بذلك الفروق المثيرة للغرابة التي باتت حاصلة بين إسلام يُقتل باسمه الناس، من مختلف الأديان بما فيها الإسلام نفسه، وإسلام يرفض باسمه الناس الإسلام الأول، القاتل.

إن رسالة لطيفة بن زياتن ترسم الفرق بين الإسلام القاتل والإسلام القتيل، فالأمر يتعلق باثنين ينتميان إلى نفس الدين، محمد مراح الذي كان يعتبر نفسه صاحب قضية هي قتل الآخرين، وعماد بن زياتن الذي كان يعتبر نفسه هو الآخر صاحب قضية هي الحيلولة دون قتل الآخرين.

هذا الفرق بين نوعي الإسلام هو ما سنقف عليه في واحد من المشاهد المليئة بالحزن، التي عاشتها الأم. فقد قررت يوما أن تقوم بزيارة للحي الذي كان يعيش فيه قاتل ابنها، مراح، وهو حي إيزار في شمال شرق تولوز. هناك قابلت لطيفة رفاق مراح الذين كانوا أصدقاءه، وعندما سألتهم عنه رد أحدهم قائلا “ولكن مراح، يا سيدتي شهيد، إنه بطل الإسلام، لقد أرغم فرنسا كلها على أن تجثو على ركبتيها”، لكن ما إن كشفت الأم عن هويتها، وقدمت نفسها على أنها والدة عماد القتيل، حتى تغير موقف الجماعة تماما، وشرع الشاب الذي وصف مراح بـ”الشهيد” في وابل من الاعتذارات والأسف، وقال أحدهم إن عماد سيذهب إلى الجنة، بينما قال شاب آخر إن مراح لم يكن يقصد قتل ابنها، وإنه لو عرف بأنه مسلم ما كان ليقتله، لأنه كان يستهدف فرنسا، لكن الأم ردت عليه “مسلم أم غير مسلم، لا يهم، فلا أحد لديه الحق في قتل شخص آخر”.

يلخص لنا هذا المشهد إحدى مفارقات الإسلام المهاجر، أو إسلام الهجرة. فهناك انشقاق في الوعي لدى فئات من المهاجرين المسلمين ـ مثلما يصور لنا هذا الحوارـ بحيث يتصرف هؤلاء بنوع من العدوانية تجاه المكان الذي يعيشون فيه ويستفيدون من خيراته، انطلاقا فقط من الشعور بأنهم مسلمون، وهو شعور سلبي هنا، من دون أن يكون هذا الشعور دافعا لهم نحو خدمة ذلك المكان والمساهمة في تطويره، وتحويله إلى شعور إيجابي، مصداقا للحديث النبوي الشريف “المؤمن كالغيث أينما حل نفع” .

لا تتوقف لطيفة بن زياتن عند حادث مقتل ابنها، بل إن هذه الجريمة البشعة أحيت لديها ماضيا تليدا، بدأ منذ ولادتها عام 1960، والظروف الاجتماعية الصعبة التي مرت بها، بعد وفاة والدتها، لكي تنطلق تجربتها مع الهجرة من أسبانيا، قبل أن تلقي الرحال في فرنسا، لتستقر هناك بشكل نهائي.

والفائدة من هذه الرواية إظهار الجوانب الثرية للهجرة، تلك الجوانب التي تجعلها إرثا مشتركا للإنسانية، لا تجربة فردية مأساوية تجعل المرء يقف في مجابهة المجتمع الذي احتضنه.

وكما حولت الأم مأساة الهجرة إلـى عنصر غنى لها ولأسرتها في ما بعد، حولت كذلك جريمة مقتل ابنها إلى تجربة إنسانية كبرى، بقرارها إنشاء جمعية تحت اسم “جمعية عماد بن زياتن للشباب والسلام” لمساعدة شباب الأحياء الفقيرة والمهمشة في فرنسا، والدفاع عن العيش المشترك بين الناس، والدعوة إلى حوار الأديان، والتعريف بقضيتها من خلال جولات تقوم بها إلى عدة بلدان، بدأتها من المغرب حيث نظم لها مجلس الجالية المغربية بالخارج لقاء مع الجمهور على هامش المعرض الدولي للنشر والكتـاب بالدار البيضاء فـي السنـة الماضـية.

إدريس الكنبوري

مختارات

Google+ Google+